مآلات الحرب الروسية – الأوكرانية
الصراع مستمر ومعقد ويتطلب حلاً دبلوماسياً شاملاً وشجاعاً يلبي مطالب جميع الأطراف
ذكي بن مدردش
تعد الحرب الروسية – الأوكرانية واحدة من أهم الأزمات السياسية والعسكرية التي شهدتها المنطقة في العقد الماضي. وبدأت هذه الأزمة عام 2014 عندما احتلت روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، لتلي ذلك تحركات عسكرية في المناطق الناطقة بالروسية في شرق أوكرانيا.
عام 2014، اندلعت احتجاجات في أوكرانيا ضد الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش الذي كان يدعم روسيا. بعد أسابيع من الاحتجاجات، تدخل الجيش الروسي في شبه جزيرة القرم في أوكرانيا وانفصلت عنها القرم بشكل واضح، ثم بدأت المواجهات العسكرية بين الجيش الأوكراني والمتمردين المؤيدين لروسيا في المناطق الشرقية من البلاد، بما في ذلك دونيتسك ولوغانسك.
عام 2021، تصاعدت الأزمة بعد تشكيل حكومة جديدة في أوكرانيا، تعهدت بتعزيز التقارب مع الاتحاد الأوروبي و”الناتو”. في أبريل (نيسان)، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه قد يتعين عليه الحماية المدنية في منطقة دونباس التي يسيطر عليها المتمردون الموالون لروسيا إذا تعرضت لهجوم من الجيش الأوكراني، ثم بدأ القصف الروسي لمناطق عدة في أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) 2022، وأعلنت روسيا أنها تستهدف المواقع العسكرية والحكومية هناك.
منذ بداية الحرب، قتل آلاف المدنيين والجنود الأوكرانيين والروس، وتسبب النزاع في نزوح مئات آلاف السكان. ومع اندلاع الحرب الجديدة في 2022، أسفر القصف الروسي عن تدمير عدد كبير من المباني والبنى التحتية في مدن أوكرانية كثيرة.
بالنسبة إلى الوضع خلال العام الماضية، شهدت المنطقة تصعيداً في العنف بين القوات الأوكرانية والقوات الانفصالية الداعمة لروسيا في شرق أوكرانيا، وارتفعت حدة التوترات بين كييف وموسكو. وعلى رغم التحركات الدبلوماسية العالمية، فإن المعارك ما زالت مستمرة في المنطقة وتزايدت المخاوف في شأن تدخل روسيا العسكري المباشر في الصراع.
أسباب متعددة ومعقدة
تعد الأسباب الرئيسة للحرب الروسية – الأوكرانية متعددة ومعقدة، ويمكن تلخيصها كما يلي:
الصراع الجيوسياسي، تتعارض مصالح روسيا وأوكرانيا في المنطقة، حيث تسعى موسكو إلى الحفاظ على نفوذها في منطقة البحر الأسود ومضيق كيرتش، فيما تحاول كييف تحقيق الاستقلال والتوجه نحو الغرب.
النزعة القومية، تعتبر المناطق الشرقية لأوكرانيا موطناً للأوكرانيين الناطقين بالروسية، ويشعر كثير منهم بالانتماء لروسيا وليس لأوكرانيا، مما أدى إلى صعود الحركات الانفصالية التي تدعمها روسيا.
الأزمة الاقتصادية، يعاني الاقتصاد الأوكراني أزمة مالية واقتصادية منذ عام 2014، وهذا أدى إلى تراجع قيمة العملة الأوكرانية وزيادة معدلات البطالة والفقر، ويعتقد بعض الناس في أوكرانيا بأن روسيا تسعى إلى استغلال هذا الوضع لتوسيع نفوذها في المنطقة.
الأزمة السياسية، تشهد أوكرانيا اضطرابات سياسية منذ عام 2014، إذ تمت إطاحة الرئيس السابق للبلاد، وهذا أدى إلى توترات بين موسكو وكييف.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الأسباب ليست شاملة ويمكن أن تكون هناك عوامل أخرى دفعت إلى الحرب الروسية – الأوكرانية، لكن هذه هي الأسباب الرئيسة التي تم التركيز عليها.
أثر العقوبات
فرضت عقوبات اقتصادية وسياسية عدة على روسيا من قبل الدول الغربية بسبب الأزمة الأوكرانية، ويهدف ذلك إلى تحفيز روسيا على التزام القانون الدولي والعمل على تخفيف التوترات في المنطقة.
ومع ذلك، تختلف الآراء حول تأثير هذه العقوبات في الأزمة الحالية في أوكرانيا.
يعتقد بعض الخبراء بأن العقوبات تضر بالاقتصاد الروسي وتدفع موسكو إلى تبني مواقف أكثر تعاوناً وحواراً. ومن ناحية ثانية، يرى آخرون أن العقوبات لم تنجح في تحقيق الأهداف المرجوة وأنها أدت فقط إلى تصعيد الصراع وزيادة التوتر.
بشكل عام، يمكن القول إن العقوبات الغربية على روسيا أثرت بشكل مباشر في الاقتصاد الوطني وزادت الضغوط على الحكومة، لكن لم يظهر بشكل واضح حتى الآن مدى تأثير هذه العقوبات في سياسة روسيا بالمنطقة وفي تطورات الأزمة الحالية بأوكرانيا.
التنبؤ بالنتيجة
لا يمكن التنبؤ بنتيجة الحرب الروسية – الأوكرانية ولا يجوز التكهن في هذا الشأن. فالحرب تعد صراعاً معقداً ويتأثر بعوامل عدة مثل الاستراتيجية العسكرية والتحالفات الدولية والدعم الدولي وغيرها من العوامل.
علاوة على ذلك، تعتمد النتيجة بشكل كبير على المستجدات المستمرة في سياق الحرب وتطوراتها في المستقبل التي يمكن أن تؤدي إلى تحولات غير متوقعة في الوضع الراهن.
لذلك، من المهم عدم الاستنتاج المبكر بأي نتيجة في الحرب الروسية – الأوكرانية وانتظار التطورات في الأشهر والسنوات المقبلة.
وبالنسبة إلى التوقعات لهذا العام، فمن المحتمل أن يستمر التوتر بين أوكرانيا وروسيا ومن الممكن أن يزداد التصعيد في الصراع في ظل تصاعد التوترات بين الدولتين.
ومن المهم الإشارة إلى أن الصراع له عواقب خطرة على السكان المدنيين في المنطقة، حيث تعاني أسر عدة ظروفاً قاسية جراء الحرب، كما من المهم التركيز على مساعدة هؤلاء الأشخاص وتوفير الإمدادات الضرورية لهم.
في النهاية، فإن الصراع الروسي- الأوكراني مستمر ومعقد ويتطلب حلاً دبلوماسياً شاملاً وشجاعاً يلبي مطالب جميع الأطراف المعنية ويتماشى مع المصالح العامة للمنطقة والعالم.انديبتديب