المفاوضات بين السعودية وجماعة الحوثي تواجه فترة حرجة
زعيم الحوثيين يوصد الباب في وجه حوار يمني – يمني.
عادت جماعة الحوثي إلى تبني خطاب التهديد والوعيد، في مؤشر يعكس الصعوبات التي تعترض المفاوضات الجارية بين الجماعة الموالية لإيران والسعودية، ويرى مراقبون أن الإشكال الأساسي يكمن في أن الجماعة ومع كل جولة تفاوض جديدة تعمد إلى رفع سقف شروطها عاليا وهو ما لا يخدم فرص السلام.
عدن اوبزيرفر-العرب: تمر المفاوضات بين المملكة العربية السعودية وجماعة الحوثي بفترة حرجة، وتبدو فرص التوصل إلى تسوية من عدمها متساوية، وهو ما ينعكس في ردود فعل الجماعة الموالية لإيران التي عادت إلى منطق التهديد والتحذير بعد أن أبدت قبل أيام تفاؤلا بإمكانية التوصل إلى تسوية.
ويترافق هذا التحول في خطاب جماعة الحوثي مع تكثيف مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ من تحركاته الدولية على أمل الحصول على المزيد من الدعم الخارجي لتذليل الخلافات الحالية وإنقاذ فرص الحل.
وبعد أسبوع من إطلالته في ذكرى مقتل شقيقه المؤسس الأول للجماعة، ظهر زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي مجددا بمناسبة ذكرى وفاة القيادي صالح الصماد الذي قٌتل بضربة جوية للتحالف العربي في العام 2018.
وأعلن زعيم الجماعة عن تمسكه بالشروط التي رسمتها إيران في العام 2015 للتسوية، وتقضي هذه الشروط بانسحاب كلي للتحالف العربي من اليمن وتحميل التحالف بقيادة السعودية مسؤولية الصراع الذي تفجر بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء.
وهاجم الحوثي الولايات المتحدة واتهمها بعرقلة الوساطة العمانية بزعم “تحويل المسألة إلى داخلية بحتة”، رافضا بذلك أي حوار يمني – يمني.
ويرى متابعون للشأن اليمني أن المواقف التي أعلنها زعيم الحوثيين، والتي استتبعتها مسيرة حاشدة في مناطق سيطرة الجماعة الجمعة، وتهديد وزير الدفاع في حكومة صنعاء اللواء الركن محمد العاطفي باستهداف المنشآت الحيوية لدول التحالف، جميعها تؤشر على دخول المفاوضات مرحلة حرجة.
ويلفت المتابعون إلى أن المفاوضات الدائرة حاليا بوساطة عمانية وبدعم أممي وأميركي تركز على الجانب الإنساني، وهو ما كان مطلبا رئيسيا للجماعة الموالية لإيران، لكن الأخيرة تحرص مع ذلك على إقحام بعض القضايا السياسية على أمل سحب المزيد من التنازلات وهو الأمر الذي ترفضه الرياض بشدة.
ويشير المتابعون إلى أن الجماعة وكعهدها تسعى في كل جولة تفاوضية لرفع سقف الشروط عاليا، وهذا الأمر لا يخدم جهود التسوية.
واعتبر مدير مركز ساوث 24 للدراسات في عدن يعقوب السفياني أن التسوية السياسية في اليمن أبعد ما تكون عما يتم حالياً من وساطات ومفاوضات تهدف إلى تثبيت اتفاق مرحلي لصالح طرف محلي وطرف إقليمي في الأزمة اليمنية على حساب بقية الأطراف.
وأشار إلى أن المبعوث الأممي إلى اليمن يحاول تثبيت اتفاق هدنة جديد متسلحا بالرغبة الدولية الكبيرة في ذلك وهي ذات الرغبة التي حافظت على هدنة الأمر الواقع منذ الثاني من أكتوبر الماضي.
ولفت المحلل اليمني في تصريحات لـ”العرب” إلى أن المبعوث الأممي وسلطنة عمان قد ينجحان في تثبيت اتفاق من أي نوع مع استغلال الموقف المنقسم داخل المجلس الرئاسي اليمني تجاه مزيد من التنازلات غير المبررة للحوثيين.
واستدرك “مع ذلك، فإن أي اتفاق مشابه لا يمكن اعتباره تسوية سياسية بل تجميدا مؤقتا للحرب في أفضل الأحوال كما كان حال الهدنة التي استمرت لنصف عام في 2022”.
ونوه السفياني بأن اللقاء الأخير للمبعوث الأممي مع رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي وعضو المجلس عبدالرحمن المحرمي لم يكن إيجابيا بشكل كامل، وكان الدبلوماسي السويدي دعا الأطراف لاحقا إلى انتهاز الفرصة الحالية التي قد لا تكون متوفرة في وقت آخر. كما أن وكالة سبأ الرسمية لم تنقل أي تصريح عن المبعوث في الخبر الذي نشرته، وهو ما تفعله عادة.
وحذر المحلل اليمني من أن الحلول المطروحة حاليا “تؤسس لدورات دم وعنف لا تنتهي في اليمن، وليس أدل من ذلك شرعنة الانقلاب الحوثي الطائفي على الشرعية اليمنية ومنحه الامتيازات بعد ثمانية أعوام من الحرب الطاحنة التي أودت بحياة عشرات الآلاف وتسببت بأكبر أزمة إنسانية في البلاد”.
بدوره قلل الباحث السياسي ومدير المرصد الإعلامي اليمني رماح الجبري من قدرة الجهود الجارية على إحداث اختراق حقيقي في جدار الأزمة اليمنية، مؤكدا أن لا جديد معلنا في الملف سوى جدية واضحة أظهرتها الميليشيا الحوثية للوفد العماني برغبتها في إنهاء الحرب ولديها اشتراطاتها، فيما يحاول المجتمع الدولي تشذيب هذه الاشتراطات بما يتوافق مع متطلبات تحقيق السلام ويحقق تقاربها مع الشرعية اليمنية ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي.
وأشار الجبري في تصريحات لـ”العرب” إلى أن جدية الميليشيا الحوثية تجاه إنهاء الحرب لها أسباب كثيرة لعل أبرزها أن عشرة أشهر من الهدنة انكشفت فيها الجماعة أمام المجتمع اليمني بعد سنوات ظلت تتغطى فيها بما تسميه “الحصار والعدوان”.
وأضاف “هذا الانكشاف ضاعف حالة الاحتقان الشعبي في مناطق سيطرة الجماعة وهو ما تدركه الأخيرة، الأمر الذي يجعلها لاهثة وراء الرواتب لتهدئة الشارع اليمني وإنقاذ نفسها”.
وحول طبيعة الصراع القادم في اليمن، تابع الجبري “أعتقد أنه لا توجد نية للعودة إلى الخيار العسكري واستئناف الحرب من جميع الأطراف بما فيها جماعة الحوثي التي تمسك بالورقة الاقتصادية من خلال تهديد الموانئ ومنع تصدير الحكومة الشرعية للنفط وما يدخل المحافظات المحررة في أزمة اقتصادية وإنسانية كبيرة ولن تحقق الميليشيا الحوثية من الحرب العسكرية أكثر ممّا تحققه من خلال الحرب الاقتصادية”.
ويشهد اليمن تهدئة غير معلنة، وقد كشف زعيم الحوثيين في خطابه الأسبوع الماضي أن هذه التهدئة تعود بالأساس إلى الدور العماني، لكنه حذر في الآن ذاته من أن الأمور لن تستمر على هذا النحو، مشددا على أن صبر جماعته بدأ ينفد.
واعتبر مدير مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية ماجد المذحجي أنه “لا يوجد حديث بالمعنى السياسي في اليمن بل حديث إنساني لكن له تداعيات سياسية، وأن القناة السعودية – الحوثية هي المحرك الرئيسي لهذه النقاشات أكثر مما يمكن وصفه بحراك دولي. وحول فرص نجاح الجهود الرامية إلى عقد تسوية سياسية، قال المذحجي في تصريحات لـ”العرب”، “يعتمد هذا على مدى صمود التفاهمات السعودية – الحوثية وقدرتها على الوصول إلى محطة لإعلان الهدنة وهنا سيأتي دور المجتمع الدولي باعتباره الغطاء الذي يمنح مشروعية لهذا الاتفاق”.
وتابع “نحن نتحدث عن قضية إنسانية وطالت كل هذا الوقت وبالتالي يبقى هذا مؤشرا على أن العناوين السياسية خارج النقاشات حاليا”.
ويرى البعض أن عملية إقصاء المجلس الرئاسي من المفاوضات لن يقود عمليا إلى سلام حقيقي، وأن الخضوع الدولي وحتى الإقليمي للجماعة الموالية لإيران لن يضع حدا للصراع.
وأكد السفياني أن الاتفاقات التي يتم الإعداد لها بمعزل عن المجلس الانتقالي والقوى الجنوبية يمكن اعتبارها بالمقام الأول نسفا لاتفاق ومشاورات الرياض، وتأكيدا على غياب النية الحقيقية للحل الموضوعي للأزمة بشقيها في الشمال والجنوب.