تقارير

المناطيد.. حرب على حافة الفضاء


تشغل المناطيد منذ نحو أسبوعين العالم في ما بات يعرف إعلامياً بـ«المناطيد الصينية»، والتي عبر أحدها المجال الجوي الأمريكي، وتم إسقاطه في النهاية بأسلوب درامي عبر طائرة «إف 22 رابتور» أمريكية قبالة ساحل ساوث كارولينا.

ولم تتوقف حلقات هذه المناطيد، حيث تحول الانتباه إلى جسم عائم آخر، على ما يبدو بحجم سيارة، أسقطته الولايات المتحدة قبالة سواحل ألاسكا على الحدود الكندية، وآخرها منطاد أعلنت الولايات المتحدة إسقاطه أمس.

مرت تلك المناطيد قبل وصولها إلى الأجواء الأمريكية التي كانت وجهتها الأساسية على ما يبدو، بأجواء عدد من بلدان أمريكا الجنوبية، مثل كوستاريكا وفنزويلا وكولومبيا. وأكد سلاح الجو الكولومبي تحليق المنطاد في بيان صحفي موجز وغامض جاء فيه: «نظام الدفاع الجوي الوطني اكتشف جسماً على ارتفاع نحو 55 ألف قدم، دخل المجال الجوي الكولومبي في شمال البلاد، بخصائص مشابهة لتلك التي يتميز بها المنطاد». وتعقب سلاح الجو الكولومبي المنطاد لكنه تركه يطير بعيداً بعد أن قرر أنه «لا يشكل تهديداً للأمن القومي والدفاع أو لأمن الطيران».

في كوستاريكا، اعترفت السفارة الصينية بتحليق منطادها وقدمت اعتذاراً رسمياً عن الحادث الذي قال الرئيس الكوستاريكي، رودريغو شافيز، إنه «ولد توتراً في العلاقات الجيوسياسية».

مستقبل الأجواء

بالتأكيد لا مجال للمقارنة بين المخاطر التي ينطوي عليها عبور منطاد لأجواء دول في أمريكا اللاتينية، وأجواء الولايات المتحدة، ورغم أن هذا الاختراق الجوي لا يصل إلى درجة العمل العسكري والصراع المباشر، لكن له تبعات قانونية وجيوسياسية تمس العالم أجمع، كما أنه سيثير التساؤلات حول مستقبل المراقبة العالمية، ويصعد بالسباق على السيادة إلى الغلاف الجوي للكوكب في وقت يئن فيه العالم تحت وطأة الجائحة والكوارث الطبيعية والأزمات الاقتصادية والحرب في اوكرانيا.

وتقول الولايات المتحدة إن “مناطيد التجسس الصينية”، على حد تعبيرها، حلقت في سماوات قارات خمس مخترقة أجوء نحو 40 دولة، لتصل إلى الأجواء الأمريكية، وأنها فعلت ذلك أربع مرات قبل أن يتم رصدها، حسب «غارديان» البريطانية.

فجر جديد

في هذا الخضم من الأحداث تبرز أسئلة حول ما إذا كنا نشهد عصراً جديداً لهذا الابتكار الذي اخترعه الأخوان مونتجولفييه في فرنسا أواسط القرن الثامن عشر، وتبدو المناطيد خياراً لوسيلة نقل جوي مدنية منخفضة الكربون، مع وجود تجارب في عديد من الدول لاستخدام النماطيد التي تصل إلى ارتفاعات عالية في المجالات العسكرية والأمنية.

على سبيل المثال، في العام 2019، أجرت الولايات المتحدة تجارب باستخدام مناطيد عالية الارتفاع لمراقبة مساحات شاسعة تشمل ست ولايات في الغرب الأوسط، بهدف ردع تجار المخدرات و«تهديدات للأمن الداخلي».

وفي الشهر الماضي قال الجنرال ستيفان ميل رئيس أركان القوات الجوية والفضائية الفرنسية، لمجلة «بريكنغ ديفانس»، إن موظفيه أوقفوا «دراستين بشأن عمليات في المنطقة (غير المستغلة) في المجال الجوي الأعلى».. ويقصد ميل بـ«غير المستغلة» ارتفاعات ما بين 20 و100 كيلومتر، والتي لم يكن من الممكن استخدامها قبل نحو عقد من الزمان، «لكن التكنولوجيا اليوم تسمح للمناطيد الحاملة لأجهزة الاستشعار، الوصول لهذه الارتفاعات» حسب ميل.

ويضيف: «هل ننتظر حتى تتمكن قوة معادية من إرسال منطاد فوق باريس لتكشف تحركاتنا ونعجز عن التعامل معها؟».

سلبيات

استخدام المناطيد للاستخبارات له جوانب سلبية، حسب تصريح جيمس لويس، الخبير في التكنولوجيا والسياسة العامة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، لـ«غارديان»، حيث قال إن «مشكلة المناطيد هي أنها تذهب إلى حيث تأخذها الرياح، ولا يمكن التنبؤ بتحركتها».

وأضاف لويس أن الصين أطلقت العام الماضي خمسة أقمار اصطناعية في مدار أرضي منخفض.. “فهل كانت هذه الأقمار الاصطناعية هي هذه المناطيد؟ تلك حيلة لا أتصور أن الصين قد تلجأ إليها”. ولفت لويس إلى أن المعلومات التي يمكن للمناطيد جمعها وتوفيرها ليست بتلك الحساسية أو الأهمية.

3 مزايا

من جهة أخرى، يعدد الديمقراطي البارز في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، جيم هايمز، في تصريحه لغارديان، إلى ثلاث مزايا محتملة للمناطيد فيما يتعلق بجمع المعلومات الاستخباراتية.

أولها أن كلفتها ليست كبيرة، يقول: “أحد المزايا أن كلفتها لا تبلغ المليار دولار، على عكس الأقمار الاصطناعية، فخسارة عشرة منها تساوي المعلومات التي توفرها”.

ويتابع: “الميزة الثانية أن المناطيد لديها ميزة جمع المعلومات المستمرة، وقدرات مراقبة مستمرة لا تمتلكها الأقمار الصناعية. أما الثالثة فهي القرب، الفيزياء تخبرك أنه كلما اقتربت، كانت الصورة أوضح”.

ويرى مراقبون أن الصين تسعى لمنافسة القدرات الاستخباراتية العالية للولايات المتحدة التي تجمع معلومات استخباراتية عن الصين من قواعد في اليابان وغوام وأستراليا عبر طائرات التجسس “P-8” بشكل يومي.

من جهتها، ترى الخبيرة في الشأن الصيني لدى صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة، بوني جلاسر: “يبدو لي أن الصينيين أصبحوا مبدعين في إيجاد طرق جمع المعلومات التي يعتقدون أنها ربما توفر لهم بعض الأفكار حول القدرات الأمريكية أو على الأقل تكشف لهم نقاط الضعف”.

هامش مناورة

اكتشفت الولايات المتحدة هذه المناطيد، وتعمل إلى جانب إسقاطها على اكتشافها قبل وصولها لأجوائها، حسب مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، لكن بقية العالم لن يكون قادراً على مضاهاة هذه القدرات، لذلك لا يزال من المرجح أن يكون لدى المناطد الصينية مساحة واسعة للمناورة.

ولفت سوليفان إلى أن المراقبة ليست سوى واحدة من عدة وظائف عسكرية محتملة.

اهتمام صيني

تصر الصين حتى الآن على أن مناطيدها على ارتفاعات عالية مخصصة لأغراض الأرصاد الجوية، لكن تتبع مقالات نشرتها صحيفة “جيش التحرير الشعبي” في السنوات الأخيرة تظهر اهتمامها بالتطبيقات العسكرية.

وحسب صحيفة “غارديان” نشر مقال في 24 ديسمبر 2021 تحت عنوان “المناطيد – لماذا لا تقدر الأداة التي تبدو عادية في المجال العسكري؟”، أشار إلى التاريخ الطويل للمناطيد العسكرية في الصين، وتتبعها إلى فترة السلالات الخمس والممالك العشر في القرن العاشر، عندما ربط الناس شرائط الخيزران في إطارات مربعة، ولصقوا الورق على الإطارات لصنع الفوانيس الممتلئة بزيت قابل للاشتعال.

ومضى المقال يقول إن الاستخدامات العسكرية الحديثة للمناطيد تشمل الاستطلاع والمراقبة، وترحيل الاتصالات عندما تتعطل الوسائل الأخرى، والدفاع الجوي باستخدام البالونات المربوطة، والضربات الجوية الموجهة.

وأشار المقال إلى أن الجيش الأمريكي كان يخطط لاستخدام مناطيد عالية الارتفاع لنشر أعداد كبيرة من أجهزة استشعار التردد اللاسلكي المصغرة خلف خطوط العدو للمساعدة في الاستهداف.

أدوار

يشدد جاكوب ستوكس، الزميل في برنامج الأمن في المحيطين الهندي والهادئ في مركز الأمن الأمريكي الجديد في واشنطن، على أن المراقبة مجرد دور واحد من أدوار متعددة يتوقع للمناطيد أن تقوم بها، في عصر جديد من الحرب ساحته الأجواء.

ويقول: يمكن أن تكون بمثابة مرحلات اتصالات احتياطية، إذا تم تدمير الأقمار الصناعية أو أعمتها التدابير المضادة. أو يمكن أن يكون المنطاد بمثابة سفينة أم، تحتوي على سرب من الطائرات من دون طيار التي يمكن أن يطلق العنان لها في أراضي العدو.

ويتابع: دعك من ذلك، يمكن استخدامها منصة عالية الارتفاع لإطلاق الصواريخ.

وأضاف ستوكس: “حفز هذا الحادث بالذات نقاشاً حول كيف يمكن استخدام المناطيد.. أعتقد أن استخداماتها أكثر مما يمكن تخيله”.البيان

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى