موسيقيات يمنيات واعدات يصنعن السلام من آلات بسيطة
اليمن: أمـة الرحمن العفوري
هكذا تجسدت وظيفة الفن في التأمل والتفكير والإحساس ما إن تخطو قدمك على عتبة باب المؤسسة إلا وتشتغل حواسك كلها، يسبقها سمعك بالتقطات الموسيقى من كل الأرجاء، ليكون نغم العود اليمني المرتبط بالأصالة والزمان والمكان أول ما يصل إلى مسامعك، الجيتار الآلة الساحرة، الكمان من يمتلك إحساسك بحنيته قبل سمعك، لكن يبقى للبيانو سحره الخاص ليس لأنه فريد من نوعه، بل لأن من تعزف عليه تعزف بإحساسها قبل أصابع يديها، فالأداء سيد المكان.. كانت أنامل “رنا أحمد” البالغة من العمر 30 عاماً هي من تقف خلف هذا الإبداع، تعزف بحب معتمدة على إحساسها الفني الذي يصاحبها منذ طفولتها “كان هذا المشروع مجرد زيادة وفرصة في تطوير أدائي مع مدربين محترفين”.. هكذا قالت رنا التي استطاعت بأدائها الفريد وإحساسها المرهف أن تلف أنظار الجميع حولها برغم أنها لا ترى أحداً، لكن إحساسنا جميعاً مع صفقات الحاضرين الحارة والإشادة بإبداعها لابد أنه لامس قلبها أيضاً.
تعد رنا ضمن ثلاثة عشر متدربة ممن التحقن بهذا المشروع الذي من خلاله تستطيع كل فتاة تنمية موهبتها وتطوير أدائها أكثر، وتحقيق طموحها في المجال الذي ترغب فيه مستقبلاً.
رنا أحمد
الفن مهنتي
يعد الفن واحداً من بين العديد من الرسائل التي تنشر الحب والسلام والوئام، وهو وسيلة الشعوب للتعبير عن طموحاتهم وأفراحهم، ونظراً لافتقار بلادنا لدور الفن نتيجة الحروب والصرعات الدائرة منذ ثماني سنوات، تم تدشين مشروع “الفن مهنتي”، وهو عبارة عن تدريبات مكثفة في مجال الفنون الموسيقية والإدارة الثقافية بهدف تشكيل فرقة نسائية بدعم من الاتحاد الأوروبي وبالشراكة مع معهد “جوتة” الألماني، تحت إطار مراكز الإبداع في اليمن وتنفيذه من قبل مؤسسة عدن للفنون والعلوم.
شعيب العفيف
الهدف من المشروع
يقول مدير مشروع “الفن مهنتي” شعيب العفيف لـ”باث أرابيا”: “إنه من خلال عملي في معهد جميل غانم للفنون الجميلة شاهدة الكثير من الفتيات يتدربن في مجال الفنون في الفترة النظامية وفترة الدورات، لاحظت خلالها اختفاء الفتيات بعد التدريب، فقلت في نفسي: لماذا لا يتم تشكيل فرقة موسيقية نسائية؟ لماذا لا يتم دعم هؤلاء النساء لمواصلة مشوارهن الفني؟ عملت بعدها على تصميم المشروع وتقديمه لمعهد جوتة والاتحاد الأوروبي، وتمت الموافقه عليه.. ونحن اليوم نُدشن هذا الإنجاز.
ويضيف العفيف أن الهدف من هذا المشروع هو رفد الساحة الفنية والثقافية بجهود شبابية مدربة ومؤهلة، إضافة إلى تنشيط الحركة الثقافية والفنية في عدن، وإتاحة فرصة للفتيات لمواصلة مشوارهن الفني، فقد كانت الحرب وتبعاتها السبب الرئيس في اختفاء الفرقة الفنية التي كانت موجودة قبل الحرب.
عدن مدينة الثقافة والفن
عبر السيد “تشارلز هاسكنز المدير القُطري في اليمن” عن سعادته بهذا المشروع قائلاً: نحن في منظمة البحث عن أرضية مشتركة (SFCG) مهتمين في بناء السلام إلى جانب الفن والثقافة بشكل عام، وهذا يعدّ أحد الأسباب الرئيسة لحضورنا هذا التدشين، في الحقيقة الانطباع غير متوقع.. لم أتوقع وجود فتيات يقدمن هذا الأداء الجميل، ربما نرى هذه الفرقة تعمل بشكل أكبر من خلال حضورها فعاليات واحتفالات خارج اليمن.
وتابع القول “إننا نحب أن تكون لنا أعمال ومشاريع خاصة بهذا الشيء.. ومثل ما نعرف فإن اليمن وعدن بشكل خاص كانت تعد مدينة الثقافة، والمدينة التي ينطلق منها الفنانون والفن، سنحاول العمل على مشاريع نستطيع من خلالها إعادة المدينة لمكانتها وفنها السابق.
ليندا صالح
البرنامج الأول في اليمن
ليندا صالح إحدى المتدربات على آلة العود تقول لـ”باث أرابيا”: “أنا أول مرة أُصادف هذا المشروع، ويعد من المشاريع النادرة في اليمن، شاركتُ في هذه الدورة عبر رابط الاستمارة الخاصة بالبرنامج، اخترت آلة العود برغم صعوبتها، خاصة أننا مازلنا في المرحلة الأولى.. تحريك الأصابع والتحكم في الأوتار صعب جداً، لكن جهود المدربين وتوفير الآلات ساعدنا كثيراً برغم مرور أسبوع على التدريب إلا أن هناك نتيجة مرضية وهذا يعد إنجازاً.. مشيرةً إلى وجود الرغبة لدى المتدربات، وهذا عامل مساعد في اجتياز الكثير من الصعوبات، مما يشكل دافعاً قوياً في احتراف آلة العود، والعمل على توصيل رسالة الفن اليمني بشكل أوسع وتحقيق الهدف من هذا المشروع.
من جانب آخر يرى مدرب العود وقائد الفرقة الوطنية “وهيب سعيد محمد” أن الجميل في هذا المشروع هو الإقبال الكبير من قبل المتقدمات على البرنامج، لكن الاختيار كان لمن تتوفر فيهن الشروط التالية: الحس الموسيقي والحس الفني، من لاحظنا فيها خلال المقابلة أنها فعلاً تحب أن تتعلم، حتى وإن كانت تحب الآلة لكن لا تمتلك الحس الموسيقي استبعدناها لأنها تشكل عبئاً على البرنامج، لذا كان لابد من وجود الحس الموسيقي في المتدربات اللواتي تم اختيارهن، لأن ذلك يساعد في نجاح المتدربات من خلال استيعاب المعلومة والجمل الموسيقية بسهولة.. وهذا ما تحقق خلال هذا المشروع.. ومجهود شهر استطعنا تحقيقه في أسبوع واحد نتيجة توافر هذه الأحاسيس عند المتدربات.
ويأمل سعيد أن يستمر دعم هذا المشروع حتى بعد انتهاء التدريب حتى تستطيع الفتيات تقديم ما هو أجمل، إلى جانب حضورهن يوماً أو يومين في الأسبوع، لعمل “بروفات” وتمارين كخطوة لتطوير على مستوى بعيد المدى.