كتاب عدن

للقائد عيدروس الزبيدي.. أعيدوا توجيه البوصلة قبل فوات الأوان !!




محمد علي محسن


ذات مرة كنت راكبًا سيارة صاحبها من آنس في ذمار ، وبينما نحن عائدون من صنعاء قلت له مازحًا : ” ذماري بصنعانين ” ، وهو قول شهير ، فلم ينتظر كثيرًا ، إذ رد مبتسمًا : قبل الزلزال كان الذماري بصنعانين أما الآن قد نحن خُبلان “.

ضحكنا جميعًا ، وهنا تساءل أحدهم : ماذا حصل بعد الزلزال ؟!
فأجاب السائق : الهزَّة أثَّرت على عقولنا ، والآن انظر كيف صرت خفيف عقل ، وضحك ..
تذكّرت هذا الحوار الآن وأنا أتابع ما يكتبه أو ينشره أتباع الرئيس عيدروس الزبيدي ومجلسه الإنتقالي ، من ردة فعل حيال تشكيل قوة عسكرية ” درع الوطن”.
نحن في حقيقة الأمر أصابتنا حرب صيف ١٩٩٤م وما تلاها بتشوش ذهني اعطب ذاكرتنا السياسية ولحد أننا لم نفق بعدها وإلى اللحظة الراهنة التي نتعامل فيها مع الاحداث بنرجسية واستهتار وسذاجة لا نظير لها في التاريخ .

رفاقنا البواسل وتحديدًا فصيل البيض والجفري مازالوا أسرى لذات الخطاب والمنطق الذي ساد وقتا إبَّان هيمنة القوى المنتصرة في حرب صيف ١٩٩٤م .

صحيح أن السيد الجفري – ربنا يشفيه – نكث بهم عندما عاد وبرز في جوار الرئيس الأسبق صالح أثناء فترة الدعاية لانتخابات الرئاسة ٢٠٠٦م ، إلَّا أنه سرعان ما عاد كعرَّاب للجنوب العربي .
وطبعا هذه المرة بعد تقليص جغرافيته الكبيرة التي بشَّر بها في مقابلاته وتصريحاته قبل مغادرته لسفينة الزعيم .
وعودة للمجلس الانتقالي وأتباعه ، فإنه يمكن القول أنَّهم ظلوا على ذات المنوال ، فبرغم ما حدث من زلزال عظيم قدر له قلب كل كل حسابات السياسة والفيزياء والفلك ؛ لا يبدو عليهم فهم أو إدراك ما حدث أو على الأقل توقع ما سيحدث لهم ولنا ، إذا ما بقوا على عبادة الأصنام العتيقة ، أو متخشِّبون بأفكارهم التي تجاوزها المنطق والوقت والحاجة .

لقد خملت ذاكرة هؤلاء وتعطلت نهائيًا عن استيعاب ومجاراة زلزال يماثل تسونامي ضخم في قاع المحيط .
أدواتهم لم تتغير ، أساليبهم هي ذاتها إبان مرحلة الكفاح الثوري الشعبي العسكري ، خطابهم ، رؤيتهم ، وكأنَّك وضعت دجاجة في فريزر جنرال اليكتريك.

قلنا لهم زمنًا ، لتكن غايتنا جميعًا الدولة العادلة ولا سواها ، فإن كانت ممكنة ضمن اليمن الكبير اهلا وسهلا بها ، وإن تعذَّر إنجازها مع القوى السياسية الوطنية المناهضة للإنقلاب والتوريث والهيمنة الفئوية ، فلا ضير هنا ان تكون الدولة الجنوبية غاية مشروعة ، وما من أحد سيلام على ذلك .

لكن رفاقنا استوطنتهم فكرة استعادة الدولة أو التحرير والاستقلال الثاني ودونما نقاش أو اعتبار لأي أفكار مغايرة أو مبتكرة ، وعلى العكس من ذلك ذهبوا إلى أمكنة ومساحات ضيقة غير لائقة بأي انسان يدعي العدل والمساواة والتسامح والمستقبل .

فكم هو مؤسف رؤية الكثير من الجنوبيين وقد وقعوا في شراك استعادة الدولة وبذات المنطق والأسلوب والخطاب القديم، ودونما اعتبار لأي من المعطيات الموضوعية التي تم تجاهلها أو القفز عليها ، على غرار شعار إحراق المراحل في حقبة السبعينات .
نعم ، هناك الكثير ممن التحق بركب الإنتقالي ، وهذا ديدن أي سلطة أمر واقع ، ولا أعتقد أن جماعة الحوثي في صنعاء ببعيد .
فما من فصيل يصل إلى السلطة إلَّا وعثر له عن موالين طائعين أو خانعين ، ولهذا السبب فإن العبرة ليست في الوصول للسلطة والهيمنة أو في عمى الأتباع ، وإنما بقدرة هؤلاء على تجسيد مضامين تلك الأفكار التي ينافحون في سبيلها .

شخصيًا لا أظن أنهم قادرون على تحقيق فكرة إعادة التاريخ إلى الوراء ، فهذه فكرة مجنونة أن لم نقل مستحيلة في الوقت الراهن ، فمن الغباء والسذاجة الإصرار على تكرار الخطأ ومن ثم ننتظر نتيجة إيجابية .
فلا يكفي هنا أن تكون لديك قوة وسلطة وسطوة ، فمثل هذه الأدوات وعلى أهميتها إلَّا أنها في المحصلة لن تمنحك القدرة على السيطرة والبقاء ، فالمهم هنا هو الاستجابة لمصالح الناس ، وتجسيد مبدأ الشفافية والعدالة ، وهذه من بديهيات أي سلطة تروم الاستدامة والرضاء .

ولنا في تجارب تاريخية ماضوية ما يشفع لنا القول إن الحكم إذا لم يخلق مشتركات مع المحكومين يكون مآله عنيف وكارثي طال الزمن أم قصر .

نصيحة للقائد عيدروس ورفاقه أن لا يستوطنوا الماضي المؤلم للجميع ، فمثلما يقول الراحل رسول حمزاتوف أيقونة داغستان : ”
إذا أطلقت نيران مسدسك على الماضي ، أطلق المستقبل نيران مدافعه عليك “.
ادعوهم إلى أن يحرروا ذهنهم من طغيان الأفكار التي كانت سائدة زمنًا ، فعليهم أن يحدثونا بلغة الحاضر الممكن والمقبول الذي يفضي إلى مستقبل أفضل .
السياسة في مفهوم العصر الراهن بما يملكه السياسي من خيارات وبدائل وليس بما لديه من ثوابت وشعارات . لا توجد هنالك مقدسات وثوابت وإنما توجد مصالح ومنافع ومشتركات وتحالفات .

من يتعاطى بعاطفة جياشة مع مجمل الأحداث السياسية فإنه سيجد ذاته خارج سياق الزمن الذي طغت فيه لغة المصالح ..
ويمكن القول إنه لا أحد سيدعم انفصال الجنوب وأولهم الإمارات الداعمة للمجلس الإنتقالي الجنوبي . وهذا يستوجب من القائد عيدروس ورفاقه إعادة النظر في الغاية والوسائل ، بحيث يمكن استيعاب الحالة اليمنية ، فبدلا من الانزواء جنوبًا يمكنهم ايجاد شراكة أوسع لإدارة اليمن من عدن .
نعم ، أعيدوا توجيه البوصلة باسم الفيدرالية ، فالشرعية أنتم جزءًا منها ولا داعي لشيطنة الحكومة أو الرئاسة ، فالمهم للنَّاس بما يلمسوه ويعيشوه في حياتهم اليومية وليس مجرد رفع علم في تبة أو مبنى أو قميص .
يجب أن تكون هذه الشراكة ممكنة ومقبولة ومحرزة نتائج طيبة لكافة اليمنيين ، ويخطئ من يظن أن التضحيات قدمت من أجل استعادة دولة الجنوب أو الشرعية ، فحسب ، وإنما أيضاً هذه التضحيات غايتها الدولة العادلة وأين وجدت .
دعكم من تظاهرات وشعارات الحراك الجنوبي ، أنتم الآن سلطة أمر واقع ، وهناك معطيات جديدة غيَّرت كامل الصورة ، بدليل أنَّكم وطارق صالح وهادي والعليمي ومُعين حلفاء الضرورة .

للأسف الشديد أن الإخفاق الحاصل كان بسبب التنافر والتضاد في رأس هرم سلطة ما بعد التحرير ، فلقد ظل الخطاب هو الخطاب ، والجمعة هي الجمعة ، والغاية هي الغاية ، ودونما أي اعتبار لما حدث في هذه البلاد من حراك وثورة وحرب منهكة ومدمرة ..
الحوثي الذي كنَّا نحسبه حليفًا في زمن صالح الآن صار خصمًا يوجه نيرانه وأدواته لقتل ما تبقي فينا من حياة وما بقي من اليمن .
كما وأحذروا أن تنجرّوا لمعارك ثانوية مع التحالف أو سواه ، فمثل هذه الأفكار النزقة لن تؤسس لغير المزيد من العنف والمزيد من الفوضى .
اعقلوا ويكفينا ما جنيناه من وحدة سياسية خاطئة مع قوى سياسية خاطئة ، كما ويكفينا خصومات وعدوات جديدة أو مستحدثة ، فلقد اضعنا فرصًا كثيرة كانت في متناولنا لو أننا أحسنا استغلالها .

محمد علي محسن

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى