دولة في سفارة وزنداني من طراز محترف
أحمد الصباحي
قبل 6 أعوام كان حصول المغترب اليمني في المملكة العربية السعودية على جواز سفر من سفارة اليمن بالرياض من الأمور التي تتطلب خطة محكمة وموازنة دقيقة واستعداد نفسي وجسدي لمواجهة مصاعب إنجاز هذه المعاملة البسيطة في بعض الدول المجاورة.
تقتضي مرحلة الاستعداد لخوض هذه المغامرة موازنة مالية للسفر إلى العاصمة السعودية الرياض إن كنت تقيم في مدينة أخرى، وما إن تصل إلى مقر السفارة حتى تواجه أكواماً بشرية محتشدة أمام شبابيك السفارة بدون نظام وهذا الأمر يتطلب “مداهفة” ولياقة بدنية لخوض معركة السباق للوصول إلى شباك تقديم الطلب وستكون سعيد الحظ إن وصلت إلى الشباك الأول قبل أن تحل ساعة نهاية الدوام، وسيتطلب حضورك في اليوم التالي لتكرار نفس التجربة وأمام كل شباك ستواجهك نفس العقبات حتى تنتهي من رحلة تعبئة الاستمارة وتسديد الرسوم.
الآن أصبح سند استلام الجواز بيدك، وسيكون عليك الانتظار عدة أيام تصل إلى أكثر من أسبوع لاستلام جوازك الذي يتطلب أيضاً رحلة مجهدة أمام شباك استلام الجوازات وقد يطلب منك العودة بعد أيام لأن جوازك لم ينجز بعد، وتعرفون جيداً حجم التبعات المالية وضياع الكثير من المصالح أمام هذه الأوقات الطويلة من الانتظار.
في بداية عام 2017م وصل الدبلوماسي الخبير الذي أمضى أكثر من 35 عاماً من حياته المهنية في السلك الدبلوماسي متنقلاً بين عدد من المهام والمسؤوليات الرفيعة، الدكتور شائع محسن الزنداني إلى الرياض بعد قرار تعيينه سفيراً لليمن لدى المملكة، ليضع كل ثقله وخبرته الطويلة في تطوير عمل السفارة، وما هي إلا أيام قليلة حتى تغير نظام العمل في السفارة اليمنية بالرياض بشكل جذري بداية بترتيب المظهر الخارجي للسفارة وإدخال الأنظمة الحديثة من البوابات الإلكترونية وكاميرات المراقبة وتنظيم العمل في صالات الانتظار وتوفير خدمات الانترنت المجاني وبعض الخدمات الأخرى، والأهم من ذلك السرعة في إنجاز المعاملات بشكل سلسل دون أدنى تعقيد.
لاحقاً تم إدخال خدمة الإصدار الآلي للجوازات وأصبح بإمكانك طلب استخراج جوازك عبر موقع السفارة مع دفع الرسوم وتكاليف الشحن وخلال أيام قليلة يصلك الجواز إلى مكان عملك في أي مكان تقيم فيه داخل المملكة دون أدنى جهد يذكر أو تكلفة تُنفق، فضلاً عن تنظيم نزول ميداني دوري لقسم القنصلية في السفارة لزيارة جميع مناطق المملكة لتسهيل المعاملات للمواطنين المقيمين وإصدار جوازاتهم في مناطق سكنهم.
ليس هذا فحسب فهناك دور تثقيفي وتوعي تقوم به السفارة مع رجال الأعمال اليمنيين لربطهم بأبرز التحديثات في سوق العمل السعودي وتحسين أوضاعهم القانونية ومن ذلك حثهم على تصحيح أوضاعهم والاستفادة من مزايا قوانين الاستثمار في المملكة وتجنب مخالفة الأنظمة والقوانين، بالإضافة إلى لقاءات دورية يجريها السفير الزنداني مع الكفاءات اليمنية في مختلف المجالات لمناقشة تحسين فرص العمل وتبادل الخبرات وتقديم صورة نموذجية للمقيم اليمني في السعودية.
ربما يقول البعض بأن كل هذه التحديثات في نظام عمل السفارة عادية ومن المفترض أن تكون قد حدثت قبل سنوات وليس الآن، لكن الأمر بالنسبة للمواطن البسيط مختلف وبشكل استثنائي فلم يعد إصدار جواز أو طلب توكيل يشكل هماً لكل مقيم يمني في الأراضي السعودية.
هذه النقلة النوعية في عمل السفارة اليمنية بالرياض حدثت رغم الكثير من العقبات والتدخلات الجانبية والأعباء الإضافية، لا سيما وقد تحولت السفارة إلى مقر مؤقت للحكومة وعلى رأسها وزارة الخارجية ووزارات أخرى بسبب الانقلاب الحوثي، الأمر الذي يسبب ضغط مضاعف على فريق عمل السفارة حتى أن السفير تخلى عن سكنه الفسيح بجوار السفارة وتحول إلى مكاتب إدارية لموظفي الوزارات.
جدير بالذكر أن هناك من يرى وجود اختلالات بحاجة لمزيد من الإصلاح، لكني أقول هذا ونحن نعيش الكثير من خيبات الأمل تجاه أغلب أجهزة ومؤسسات الدولة، ومن لازم القول عندما نرى تطوراً حدث في مؤسسة حكومية خصوصاً المرتبطة بمصالح المواطنين، فإن هذا الأمر يدفعنا لكي نشجع مثل هذه النماذج ونحفزها لبذل المزيد من الإصلاحات والتسهيل للمواطنين وخدمتهم، وهذا من شأنه أن يصنع ثقافة تنافس بين المؤسسات المختلفة في من يقدم أفضل الحلول وأيسرها وأرخصها في خدمة المواطن اليمني.