الأزمة الأوكرانية.. ومخاطر الانزلاق لمواجهة نووية
عماد الدين حسين
لو استمر التصعيد في الحرب الأوكرانية بالوتيرة التي تشهدها الآن، فلن يكون مستبعداً أن يدخل حلف شمال الأطلسي «الناتو» الحرب ضد روسيا بصورة مباشرة، ووقتها قد لا يكون بعيداً، أن يستيقظ العالم على مواجهة نووية بين الغرب والشرق، تدمر الأخضر واليابس.
نعلم أن القوات الروسية دخلت الأراضي الأوكرانية في 4 فبراير الماضي، فيما تسميه «عملية عسكرية» لحماية أمنها القومي، ومنع تمدد الناتو لحدودها المباشرة، فيما ترى أوكرانيا، أن ما حدث «غزو» صريح، يستوجب المقاومة والاستعانة بكل ما يمكنها من أسلحة، حتى تحرر أراضيها.
ونعلم أيضاً أن القوات الروسية حققت نجاحات كثيرة في الأسابيع الأولى من الحرب، لدرجة أنها اكتسحت كل الشرق الأوكراني، ووصلت إلى مشارف العاصمة كييف، واستولت على العديد من الموانئ الأوكرانية المهمة، مثل ماريوبول المطل على البحر الأسود، لكن في الشهور الأخيرة، بدأت القوات الأوكرانية تحقق نجاحات لافتة للنظر، وتسترد العديد من المدن والبلدات، بل وتشن بعض الهجمات على مدن روسية قرب الحدود المشتركة.
وبعد ذلك، أجرت القوات الروسية العديد من التغييرات في قياداتها، وبدأت في شن هجمات صاروخية ضد العديد من أهداف البنية التحتية الأوكرانية، خصوصاً محطات الطاقة. لكن التطور الأبرز، هو أن أوكرانيا بدأت في الأسابيع الأخيرة في إقناع الولايات المتحدة ودول أوروبية بتزويدها بأسلحة متطورة، الأمر الذي قد يهدد إذا حدث بتغيير نوعى في المعارك.
ليس خافياً أن المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة، ومنذ اليوم الأول لاندلاع الحرب، قرر دعم أوكرانيا بطرق مختلفة، خصوصاً اقتصادياً، إضافة إلى تقديم دعم عسكري يتمثل في أسلحة خفيفة وذخائر وتدريبات فنية، وكان الحلف يقول دائماً، إنه ورغم معارضته الشديدة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، إلا أنه لا يعد نفسه طرفاً في المعارك الدائرة في أوكرانيا، باعتبارها لا تزال دولة غير عضو في «الناتو»، لكن لو أن روسيا اعتدت على أي دولة من أعضاء «الناتو» المجاورين لأوكرانيا، فإن الحلف لن يتردد في الدفاع عن أعضائه.
منذ بداية الحرب، كان الناتو يقدم لأوكرانيا أسلحة صنعت سابقاً في روسيا أو حلف وارسو المنحل، لأن القوات الأوكرانية لم تكن مدربة على الأسلحة الغربية، لكن الجديد أنه في الأيام الأخيرة، فإن تكتيك حلف الناتو قد تغير، وبدأ أعضاؤه في تقديم أسلحة نوعية غربية لأوكرانيا.
وفي هذا الصدد، رأينا ألمانيا تعلن عن تقديم 14 دبابة من طراز «ليوبارد – 2»، التي صنفها خبراء بأنها الأحدث في العالم، وبعدها مباشرة، أعلنت الولايات المتحدة عن موافقتها على تقديم 31 دبابة من طراز «ابرامز» المتطورة لكييف، كما وافقت بريطانيا عل تسليم أوكرانيا 14 دبابة من طراز «تشالينجر»، وبعد ذلك أعلنت العديد من دول الحلف، عن استعدادها لتسليم كييف المزيد من الدبابات. وفي الدفعة الأولى، سوف تتسلم أوكرانيا 140 دبابة غربية متطورة، طبقاً لما أعلنه وزير خارجيتها دميترو كوليبا.
وفي ديسمبر الماضي، أعلنت واشنطن أنها سترسل إلى أوكرانيا نظام الدفاع الجوي الصاروخي «باتريوت»، وهو ما فعلته بريطانيا وهولندا، كما قدمت الولايات المتحدة لأوكرانيا 59 مركبة قتالية من طراز «برادلي».
الولايات المتحدة قدمت لأوكرانيا أيضاً نظام صواريخ «هيمارس» بعيدة المدى، وهى التي لعبت دوراً مهماً في الانتصارات الأوكرانية في الشهور الماضية، إضافة إلى مدافع «هاوتز إم 777»، ومداه أكثر من 40 كيلومتراً، إضافة إلى أسلحة «نلاو» المضادة للدبابات، وطائرات مسيرة من دون طيار اشترتها دول أوروبية من تركيا خصوصاً، من طراز «بيرقرار تى تى – 12».
التطور الأكثر أهمية، هو ما نقلته وكالة «رويترز» يوم الأربعاء الماضي عن مسؤولية أمريكيين، بأن واشنطن تعد حزمة مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا، بقيمة 2.2 مليار دولار، تشمل لأول مرة صواريخ بعيدة المدى، إضافة إلى صواريخ «جافلين» متوسطة المدى المضادة للدبابات.
ما سبق، هو نوعيات الأسلحة التي أعلن الغرب عن نيته تقديمها لأوكرانيا في الفترة المقبلة. المراقبون العسكريون يقولون إن «الناتو» يقدم العديد من الأسلحة المختلفة لأوكرانيا منذ بدء القتال، لكنه لم يكن يعلن ذلك، حتى يتجنب استفزاز روسيا، والآن يشعر الحلف أن الأمور تتغير، وأن هناك إمكانية لهزيمة روسيا في أوكرانيا، وليس فقط منع هزيمة أوكرانيا، وهي فرصة لا يمكن تضييعها، لأنها قد لا تتكرر مرة أخرى، كما يقولون.
أصحاب هذا الرأي، يقولون إن القرار الروسي بشن عملية عسكرية في أوكرانيا في فبراير من العام الماضي، جاء على أساس تقديرات خاطئة جداً، وأن موسكو تورطت ورطة كبيرة في أوكرانيا، وبالتالي، فلماذا يتركها تخرج من هذه الورطة؟!
السؤال السابق يهمس به العديد من المسؤولين الغربيين خصوصاً في الولايات المتحدة، وقبل أيام وقعت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في زلة لسان صعبة، حينما قالت «لا بد للغرب أن يتحد، ونحن في حرب مع روسيا».
ورغم أن الوزيرة عدلت تصريحاتها لاحقاً، وأكدت أن بلادها ليست في حالة حرب مع روسيا، إلا أن موسكو اعتبرت تصريحها دليلاً على التخطيط الغربي المسبق للحرب ضدها. السؤال الجوهري هو، إذا أدى تدفق الأسلحة النوعية الغربية إلى أوكرانيا لتعديل ميزان القوى، وتحقيق انتصارات نوعية ضد القوات الروسية، فماذا سيكون رد موسكو؟!
خبراء كثيرون يقولون إنه في حالة حدوث ذلك، فلن يكون مستبعداً أن يدخل السلاح النووي إلى المعركة، حتى لو كان بصورة تكتيكية، ومصغرة جداً. وهذا هو السيناريو الأسوأ الذي قد يستيقظ عليه العالم ذات يوم قريب، ونسأل الله ألا نصل إليه أبداً.
* رئيس تحرير صحيفة «الشروق» المصرية