الأوروبي الشرس من “المحافظين” مايكل هزلتاين يدعو إلى الثورة
الوزير والنائب السابق عن الحزب قدم رؤية راديكالية مختلفة من أجل مستقبل المملكة المتحدة
سلمى شاه
الميول الثورية ليست من الخصائص التي يجدها المرء على مقاعد حزب المحافظين البريطاني في مجلس اللوردات، فتلك المقاعد يشغلها عادة أشخاص نبلاء لديهم نزعة إلى البقاء هادئين ويتحلون بالحكمة، وهم قد نضجوا وتخلوا إلى حد كبير عن شغفهم الشبابي، لكن هامة مخضرمة يبدو أنه في صدد استعادة دوره كابن المؤسسة السياسية البريطانية المستعد للثورة، فخلال مداخلة اللورد هزلتاين في مجلس اللوردات لمناقشة مشروع “تنمية الأقاليم المتساوية” Levelling Up and Regeneration Bill في المملكة المتحدة، دعا المدافع الشرس عن البقاء في الاتحاد الأوروبي من جديد إلى تغيير راديكالي في الأجندة السياسية للحكومة المتعلقة بنقل السلطات إلى الأقاليم devolution، [أو اللامركزية الإدارية].
وفيما كان نواب حزب المحافظين يطالبون أن يتخلوا بهدوء بعيداً من الضجيج الإعلامي عن مبدأ “التنمية المتساوية” المثير للجدل، كان اللورد هزلتاين يحاول بشكل يائس أن يمنح ذلك بعض المعنى بالدعوة إلى خفض عدد المجالس البلدية من 300 مجلس إلى 60 مجلساً، بما يجعل الإدارات المحلية أكثر قوة ويضفي على أعمالها جدية أكبر، إضافة إلى خفض فاتورة وكلف الحكم المحلي.
فإذا كان النمو في المملكة المتحدة أحد أبرز تحديات هذه المرحلة، فإن لدى اللورد هزلتاين خططاً لمضاعفة إنتاجية الاقتصاد عبر منح مزيد من السلطة للمجتمعات المحلية ودعم تلك الخطط من الحكومة المركزية بإدخال تغييرات وتوفير الأموال لتنفيذ ذلك.
ويجادل هزلتاين تماماً كعادته على مدى العقود الماضية بأن دفعات التمويل الصغيرة التي يمكن توفيرها للأفراد على المستوى المحلي وبمساعدة من قيادة منتخبة قوية من شأنه أن يحقق كثيراً في خلق فرص للنمو في جوانب [اقتصادية كثيرة] بفضل إسهامات مهمة للغاية على المستوى المحلي، ولكن ذلك يتطلب إعادة هيكلة المجالس المحلية ككل.
وبالطبع فإن تداعيات ذلك والاعتراضات السياسية التي تتعلق بأية محاولة للإصلاح تثنينا عن القيام بها، وكما كان اللورد هزلتاين قد قال بنفسه “إن الديوك الرومية لا تدلي بأصواتها لمصلحة عيد الميلاد”، لذلك فإن المسؤولين الرسميين وأعضاء المجالس البلدية من المستبعد أن يطالبوا بعملية تحول دراماتيكية في الوضع القائم، ومن تجربتي الشخصية كان المرء قد اختبر كيف يقوم حي وايتهول [الحكومي في لندن] بترويض الأفكار الراديكالية ومن يحملونها، ولطالما أدرج الإصلاح في خانة “من الصعب جدا تنفيذه”، وفي معظم الأحيان يُجر الوزراء إلى لتعامل مع أمور ضاغطة واهتمامات آنية أخرى.
والنتيجة التي تعتبر الأسوأ من كل شيء هي أننا ننتهي بالعبث في إصدار تشريعات صغيرة غير جدلية مثل إنشاء منطقة مرافئ حرة أو مجمع صناعي، والتي غالباً ما تتجاهل التعامل مع جذور المشكلة، وتضيف فقط شريحة إضافية من التعقيدات والعقبات لنظام مكبل بسببها أصلاً.
انظروا فقط إلى التوزيع الحالي الذي قامت به الحكومة لتمويل عملية “التنمية المتساوية” levelling-up والتي يبدو أن بلدية ريتشموند وراتلاند Richmonds and Rutlands، الراقية قد حصلت على نصيبها من ذلك الصندوق، فذلك لا يعكس أبداً الوعود بتقديم دعم مادي من التمويل المخصص للمناطق التي تعاني أكثر من غيرها، خصوصاً تلك المصنفة في خانة “تم التخلي عنها” لفترة طويلة من الزمن.
لكن القضية الرئيسة لا تتركز على معرفة أين تذهب الأموال أو حول كيف يتم توزيعها، فهذه قرارات تأتي من رأس الهرم نزولاً مع سيطرة حكومية مركزية عليها.
تميل الحكومات عادة إلى الابتعاد من مبادئها الأساس مع مرور الوقت، وتجد صعوبة في طرح سؤال بسيط على نفسها: هل هذا المشروع السياسي من شأنه جذب المستثمرين فعلياً؟
ومن خلال تلك السياسة هل نحن نتعامل مع الأسباب الأساس لضعف الاقتصاد؟ وهل من شأن ذلك أن يؤدي إلى تحريك الأمور؟ إن ضخ الرساميل أمر عظيم، ولكن هل نحن نقدمها بشكل فاعل يحدث الأثر المطلوب؟
ربما لهذه الأسباب لا نزال نسمع النقاشات نفسها تتكرر، بأننا نجحنا في تمييع قوة نياتنا الحسنة مع مرور الوقت.
اللورد مايكل هزلتاين طود شامخ [في حزب المحافظين]. إن خططه التي لاقت نجاحاً كبيراً في تفعيل الشركات لتنمية المناطق الحضرية والتي منحت روحاً جديدة لمناطق [كانت مهمشة]، ويبرهن على ذلك مشاريع تنمية أرصفة الدوكلاندز Docklands (على نهر التايمز في لندن) وليفربول. كانت لديه الشجاعة لخوض معارك ضد المعارضين وأصحاب المصالح الخاصة، وهو صمد في المواجهة.
يقول رئيس الحكومة البريطانية ريشي سوناك إنه يرغب في الإصلاح لكن هل تتوفر لديه الشجاعة لفعل الأمر نفسه؟
إن هذه الخطة [لنقل السلطات إلى “لا مركزية إدارية”] لا تبدو ضربة تسمح بالفوز خلال الانتخابات في الوقت الحالي، فإنه لا يمكنك الترويج لإقناع الناس بمشروع نقل السلطات devolution من خلال طرق أبواب منازل الناخبين، ومن خلال إعادة رسم خريطة توزيع المجالس البلدية فإنك من خلال ذلك تدعو الناس كي يتخلوا عن انتماءاتهم للهوية والمكان.
من المدهش كيف أن مسألة إنشاء مناطق اقتصادية منطقية من شأنه تهديد حس الانتماء لدى بعض الناس، وعلى رغم ذلك فإن المشروع يقدم نظرة راديكالية مختلفة للمستقبل، وهو مستقبل قد يحمل في طياته اختلافاً جذرياً في تلك المناطق تتخطى مسألة توزيع المخصصات المالية.
لدى رئيس الحكومة ريشي سوناك صندوق أولويات عليه التعامل معها لا يحسد عليه مليء بالمهالك والأخطار، فأية حركة خاطئة قد تدفع منتقديه المستعدين دوماً إلى الانقضاض عليه.
إن سوناك غارق في المشكلات، وأي من مستشاريه الخاصيين ممن يتحلون بالمنطق قد يحذره من المضي في اتخاذ أية خطوات تؤدي إلى تغييرات هيكلية في وقت اقتراب موعد الانتخابات، ولكن ذلك لا يعني انتفاء الحاجة إليها.
السؤال هو إذا كان أي عضو في الحكومة يتحلى بشجاعة وصراحة ابن الـ 90 عاما نفسها المستعد دوماً للتعامل مع التحديات الجوهرية المطروحة.
© The Independent