حضرموت .. لولا التهريب وعصاباته
أنور التميمي :
مثّلت عملية احباط تهريب شحنة تجهيزات طائرات مسيرة لمليشيا الحوثي عبر منفذ شحن البري في المهرة، إنذارًا محمولًا بدواعي القلق من تعاظم عمليات التهريب عبر الساحل الشرقي لليمن، ابتداءً من محافظة المهرة وصولا إلى حضرموت ومنها إلى محافظة شبوة، حيث تعتمد عصابات التهريب على السواحل المترامية الأطراف والمساحات الصحراوية الشاسعة لتحقيق غرضها.
وفي أحايين كثيرة أسقطت سلطات الجمارك في المهرة مخططات تهريب أسلحة وذخائر ومقتنيات طائرات مسيرة لمليشيا الحوثي، إلا أن الانجاز الأهم حتى الآن تمثل بإحباط عملية تهريب 100 محرك طائرات مسيرة أُدرجت في بوليصة الشحن على أنها تجهيزات تخص شركة يمن موبايل التابعة لمليشيا الحوثي، بما يشير إلى توريط الحوثيين شركات الاتصالات في تهريب الأسلحة بعد أن استخدموها في عمليات التجسس والمراقبة ضد خصومهم.
وفق السلطات الأمنية في محافظة المهرة، فإن تواطأً حدث ازاء عمليات التهريب المستمرة برا وبحرا عبر المحافظة، قبل إعادة النظر في البناء الأمني وفرض مجلس القيادة الرئاسي بعض الإصلاحات أواخر أكتوبر 2022 لتعزيز المنظومة الأمنية والعسكرية وكبح مخططات التهريب والتآمر التي أخذت حيّزًا مقلقًا في الاهتمام العام بهذه المحافظة في الآوانة الأخيرة.
ربما يغفل كثيرون خطورة التهريب وعصاباته على كل مستويات الحياة في البلاد، فإذا اخذنا محافظة مثل حضرموت، فإنه يمكننا أن نقول أن التهريب تسبب بكارثة حقيقية لأبناء هذه المحافظة التي كانت مؤهلة وفق كل المقايسس والتوقعات لنمو اقتصادي غير مسبوق في تاريخها خلال السنوات الماضية، مستفيدة من بعدها الجغرافي عن مناطق الحرب في وحالة الاستقرار الأمني المشهود فيها، حيث كان من الطبيعي أن تكون ملجأ لكل الأنشطة الاقتصادية ورؤوس الأموال والشركات ورجال المال والأعمال من كل اليمن، الأمر الذي كان سينعش الحركة التجارية والاقتصادية ويوفر الكثير من فرص العمل بما يعود بفائدئة كبيرة على أهل حضرموت، لكن لماذا لم يحدث ذلك؟
الذي حدث أن رجال الأعمال احجموا على نقل أنشطتهم ورؤوس الأموال إلى المحافظة بسبب تخوفهم من عصابات التهريب وحركة التهريب النشطة على سواحل المحافظة، فعلى سبيل المثال تحدثت قبل فترة مع مدير تنفيذي لإحدى كبريات شركات الأدوية في اليمن، وكان يقول بوضوح إن حضرموت هي الملجا المناسب وأن خطط شركته كانت تقتضي بتحويل مقرها الرئيسي وعظم نشاطها إلى هذه المحافظة، لكنهم وبعد دراسة للوضع تفاجأوا بمستوى التهريب، ليقول لي الرجل:”لقد تبين أن التهريب نشط جدا فكان من الصعب أن تغامر أي شركة في ظل انتشار الأدوية المهربة بشكل واسع جدا وهذا يكبد المحافظة والشركات خسائر كبيرة كما يعرض حياة الناس للخطر”.
عرضت هذا الحوار لشركة واحدة فقط ليمكننا أن نتخيل كل ماخسرته حضرموت، جراء التهريب وعصاباته ولنا أن نتخيل بعد ذلك كل السلبيات المدمرة للتهريب من انتشار المخدرات الى تزييف المنتجات وبما يلحقه كل ذلك من اضرار بحياة الناس، علاوة على تدمير الاقتصاد وتعريض سمعة موانئ حضرموت للتشويه، وفقدانها الكثير من المداخيل.
فماذا نقول عندما تصل شهرة أحد موانئنا الآفاق على أنه ملجا لعمليات تهريبب السيارات وغيرها، بالطبع سيكون لذلك تأثير سلبي على محافظة لطالما اشتهر اهلها بالالتزام واخترام الأنظمة والقوانين كما اشتهروا بالتجارة والمنافسة والأمانة
رغم كل الجهود الأمنية فإن عمليات التهريب تتسع وعصاباته تزيد والمواد المهربة تشمل كل شيء تقريبا من المخدرات والأدوية المزيفة إلى قط الصواريخ الباليستية والأسمدة التي تدخل في صناعة المتفجرات، والسموم ومواد كيمائية أخرى خطيرة، فضلا عن تهريب الأدوية والسجائر وبضائع مختلفة يتم تمريرها سرا تفاديًا لدفع الرسوم الجمركية؛ مشيرا إلى أنه تنطوي على التهريب مخاطر أمنية وصحية واقتصادية كبيرة يدفع ثمنها المواطن والدولة معًا.
كل ذلك ييفرض علينا كحضارم أولا وكمواطنين ثانيا أن ننبذ عصابات التهريب وأن نكون عونا للجهات الأمنية في مكافحة هذه الآفة الدخيلة على مجتمعنا، وهنا أوجه مناشدة لإدارة الأمن والنخبة خصوصا في الشحر وكل حضرموت لتخصيص إرقام اتصال خاصة بالتبيلغ عن عمليات التهريب التي تستهدف سواحلنا وتعميمها على المواطنين في المديريات والمناطق المطلة على السواحل.