آه من حواء.. النكتة المراوغة
ناهد صلاح:
في كل مرة أشاهد هذا الفيلم يتأكد لي أن ثمة قصص وجدليات لا تنتهي، بقاؤها يبدو برهانًا على استمرارية الحياة ذاتها.. تتغير الأزمنة وبلاد “تشيلنا” وبلاد “تحطنا”، وحروب تغير الجعرافيا والتاريخ في الكرة الأرضية، وأوبئة تتعدد وتتوعد وتهدد البشرية جمعاء، ومع ذلك يظل هذا الصراع الأبدي: الرجل في مواجهة المرأة، مطروحًا في الواقع والدراما بكافة أشكالها الفنية والفكرية بين الرجعية والتقدمية. من هنا يرتسم الحس الكوميدي الانتقادي الساخر ويطل مندهشًا في العنوان “آه من حواء”، كما لو كان يخبرنا منذ البداية عن حواء العجيبة وأفعالها المحركة لأحداث مدهشة وطريفة.
مع ذلك دعونا نتفق أولًا أن حكاية الفيلم كلها ما هي إلا دعابة في إطار يحمل ملمحًا رومانسيًا، إجتماعيًا، يخالطه بعض المشاكسة الظريفة، بشكل ما ينفي مزاعم نقدية متناثرة، تتهم الفيلم المأخوذ عن المسرحية الشهيرة “ترويض النمرة” لكاتبها الأشهر ويليام شكسبير، كتب له السيناريو والحوار محمد أبو يوسف، وأخرجه فطين عبد الوهاب عام 1962، بأنه يعادي النساء ويؤسس لأنواع من العنف والإذلال لهن، ويسهم في تنميط الصورة حسب “الجندرية” أو الهوية الجنسانية، وغيرها من أمور تخالف توجه فطين عبد الوهاب إجمالًا في أفلامه.
إنها الاتهامات ذاتها التي صادفت مسرحية شكسبير المكتوبة منذ أكثر من 400 عام، باعتبارها تحدد شكلًا لينًا وطيعًا للمرأة، متجاوزًا نضال المرأة في العصور الحديثة من أجل المساواة الاجتماعية، هذا بخلاف أن المسرحية تقدم المرأة بوصفها حيوان بري، على لسان إحدى الشخصيات، وهي اتهامات طالت غالبًا أفلام عالمية ومصرية أخرى، قدمت تنويعات مختلفة عن المسرحية الشكسبيرية.
يستهل الفيلم بـ”تيتر” تظهر خلاله حسناء عصبية، صعبة المراس، تقود سيارتها الـ”كاديلاك” على طريق زراعي، يوازيها على نفس الطريق رجل يبدو من هيئته وطريقته في تدخين الـ”بايب”، أنه رصين وثابت، يقود سيارة متواضعة، تصاحبهما موسيقى علي إسماعيل، حماسية، محفزة بإيقاع صاخب يصدر أصوات مدوية بالطرق أو الضرب على الطبول، ثم تتداخل مع الآلات الوترية، بما يوحي بأن شيئًا جللًا سيحدث، خصوصًا مع سرعة الفتاة الحسناء في القيادة وانفعالها الذي يظهر على حركات يديها واستخدامها الموُّتر لآلة التنبيه في السيارة، حتى أنها تكاد تدهس الناس والمواشي على الطريق، فتنظر إليها جاموسة ضمن قطيع المواشي وتصدر صوتًا معترضًا، بينما يدخل صوت الآلات الوترية ليدعم هذا اللقطة المثيرة للضحك، فيتحول الموقف إلى حالة كوميدية صارخة، فنفهم أن الموضوع هو مجرد نكتة لا أكثر ولا أقل.
تتسع حدود “النكتة” على مدار الفيلم، فتتشابك العلاقة بين حسناء السيارة واسمها أميرة (لبنى عبد العزيز)، ورجل السيارة المتواضعة وهو الطبيب البيطري حسن (رشدي أباظة)، الذي نعرف أنه في طريقه لعلاج حيوانات مزرعة جدها (حسين رياض).
أميرة أنثى متقلبة، شرسة، ذات مزاج ناري، غير مأمون العواقب، على العكس من أختها الصغيرة الرقيقة نادية (مديحة سالم)، هذا الغضب والتعالي الذي لم ينج منه أحد، لم يفسره الفيلم سوى في جملة عابرة قالها الجد، ليبرهن أن تدليله الهائل لها بعد وفاة والديها وهي صغيرة، كان السبب، لم يتوغل الفيلم في هذه المساحة، فالجملة العابرة كانت كافية لتعبر عن نقصان الحنان بداخلها، تعوضه بالسخط الكبير على الجميع، لا تخص الرجال فقط.
الفيلم هنا لا يلعب على تيمة “ترويض النمرة”، كنوع من إخضاع المرأة لسيطرة الرجل، فنحن لا نتعامل مع فيلم نسوي بطلته مناضلة، أو حتى امرأة عادية تبحث عن مكان لها بجوار الرجل، إنما يمكن قراءته ببساطة كفيلم كوميدي يحتوي سلسلة من المواقف الطريفة، تنتهي بالزواج السعيد، فالوقوع في أسر الشعارات، قد يجعلنا نذهب لتقييمات بعيدة عن الدقة، بينما فيلمنا بقدر ما يعبر عن المرأة بوجهيها: الرقة والعنف، يمكن اعتباره كذلك مغازلة بين شخصين ناضجين، لهما إرادة قوية، بطريقة تجعله واحدًا من أجمل الأفلام الرومانسية الكوميدية في السينما المصرية، كما أنه يتضمن مجموعة من الفنانين أصحاب الحضور المتوقد، والجاذبية شديدة السحر على الشاشة.اليو السابع