المأزق
خالد سلمان:
مع تواصل الجهود الدبلوماسية الدولية ،والإختراقات التي تحدث في جدار الإنسداد السياسي في صراع اليمن ، الذي بات يراوح بين الحرب والهدنة الصامتة ، تبرز الشرعية كلاعب ثانوي يقبع في الغرفة المجاورة ، بإنتظار إشارة إستدعاء من المتفاوضين وإبلاغها بما يجب إن تقوم به.
الشرعية التي تأخذها أحياناً عنترية المواقف ، دون ان تبني مواقفها على واقعية سياسية وحقائق ميدانية تضعها في خانة الاضعف ، تجد نفسها الآن في ورطة حقيقية ، معزولة ومطالبة بالتراجع على جملة قرارات أهمها إلغاء القرار رقم واحد ،الذي يصنف الح وثي جماعة ارهابية على الضد من رؤية دول القرار العالمي بمن فيهم حتى السعودية ، بتهافتهم على الحوار مع صنعاء وطرق أبوابها بحميمية بحثاً عن تسوية وتلمساً للحل.
مأزق الشرعية هو أن عليها إن تلف دورة كاملة ، وتعود إلى مرحلة ماقبل الشطط السياسي بشأن إرهابية الح وثي -وهو كذلك- ، الذي لم يعقبه أي إجراء تنفيذي يضاعف عزلتة ، تسقط القرار كلياً للبحث لها عن مقعد ثانوي على طاولة التفاوض ، وإن كان مقعداً ثانوياً وكأنها ليست طرفاً يمنياً ،بل أداة من خارج اليمن بلا هامش إستقلالية يمنحها القدرة على الحركة.
الح وثي لا يقبل بالتفاوض مع الشرعية ، ويرى أنها ليست نداً له ولا جزءاً من المشكلة ولا حتى الحل وأن صراعه مع السعودية ، وبالتالي فهو يخاطب السعودية مباشرة ويتفاوض معها رأساً برأس ، ويضغط عليها لإرساء تسوية غير متوازنة لصالح مشروعه ، تسوية اشبه ببيع الملفات ومقايضة المواقف ، يبيعها ملف الأمن ويشتري منها الإقرار به كسلطة شرعية ومساراً إجبارياً للحل.
الجهة الوحيدة التي تؤمن بشرعية السلطة هي السلطة نفسها ، بعد أن أنفض السامرون من حولها ، وتركوها تتغطى بقرارات دولية لم يعد أحداً يتحدث عنها سواها ، لا المجتمع الدولي ولا المبعوث الأممي في جميع إحاطاته ولا المبعوث الإمريكي وعواصم القرار ،ولا حتى راعيها الإقليمي الرياض.
مأزق الشرعية إخلاقي سياسي بإمتياز ، إخلاقي لأنها باعت الوطن وحصدت الحصرم ، وسياسي لان عليها باتت فائضة وبالإجماع عن حاجة التسوية ، وأن لا الحليف بات يحتاجها كورقة ضغط لأنها لا تملكها ، ولا الخصم يقبل الإعتراف بها والتوقيع معها على أي تفاهمات ومسودة حل لانها ليست رقماً على الأرض.
نحن أمام ملامح تسوية تبدأ من هدنة ستة أشهر ، مقابل تنازلات جوهرية للح وثي ، يعقبها وقف للحرب طويل الأمد ، يمهد للإنخراط في مفاوضات الحل النهائي.
ولكن تبقى المعضلة كيف تخرج الشرعية من مأزقها ، تستعيد توازنها وتثبت للداخل وطنيتها ، بأستعادة قرارها المصادر ، وكيف لها أن تلحق بالركب المتدافع نحو الحل ، وهي منبوذة من الح وثي ومن الرياض ،ومن إشكالية القرار رقم واحد.
الشرعية تقف على الخط السريع ، بحثاً عن من يقبل بنقلها مجاناً وتفضلاً ، ولو في الخانة الخلفية بين كراكيب سيارة التسوية.