د.احمد عبداللاه
لا يلزمك عزيزي المتابع أن تقرأ ألف صفحة في تاريخ الحروب كي تضع مفهوماً أو تفسيراً منطقياً لمجريات عاصفة الحزم بعد أن عايشت كل تفاصيلها حتى وصلت معها إلى ما آلت إليه.
عاصفة الحزم تاهت (وخلاص) ولم يعد المجتمع الداخلي يعول على أمرها إلا فيما يخشى من مآسي اضافية تحملها التداعيات القادمة.. كما أن المجتمع الدولي لم يعد متفهماً لأهدافها، لا بالصمت عنها أو بالكلام حولها، وأصبح لديه ما يكفي من إحاطات المبعوث الأممي ورفيقه الأمريكاني و من البيانات وحكايات الهدنات التي تصاغ بصورة متدرجة.
وحتى يأتي زمن تتاح فيه فرص لدراسة التفاصيل وتقييم النتائج تكون المملكة السعودية قائدة التحالف قد قطعت مشوار في تنفيذ “رؤيتها الثانية”. وربما امتلكت حينها الجرأة لإجراء مراجعات موضوعية متأخرة، والإفصاح عن الأسباب وراء فشل تحقيق أهداف عاصفة الحزم وعن مضامين علاقاتها مع الأطراف اليمنية ومستوى أداء دبلوماسيتها واستخباراتها ولجانها واعلامها ودور الحمائم والصقور، ولماذا تم التغاضي عن عبث “الشرعية” وطريقة إدارتها، وعن علاقات تنظيم القاعدة مع دوائر فيها.. وكيف اعتبرت طموح الجنوبيين وخطابهم مجرد انفعالات ثورية تثير شجون ذاكرتها السياسية.. وكيف أن رياح المملكة مضت خارج السبل ولم تكن جاهزة وفاعلة في ضبط جموح الأحداث واستيعاب كفاءة اليمنيين التاريخية حلفاءً واعداءً في صياغة وتنفيذ حيَلهم.
وفي الحيز الزمني ذاته سيكون قد مضى وقت منذ أن أنجزت المملكة اتفاق يضمن تأمين حدودها وأراضيها من أي هجمات حوثية أو مطالب حقوقية مقابل تقبلها بروح منكسرة واقع ما بعد العاصفة وتورث لحلفائها مائة عام من خيبة الظن.
ولمن يحب مراجعة الماضي فإن المملكة بعد حرب ٩٤ أقدمت على معالجة ملف حدودها مع اليمن مقابل اعترافها بالواقع الذي أنتجته تلك الحرب والالتزام بعدم دعمها لأي تكتل سياسي جنوبي.
ذلك الاستشراف الافتراضي ليس بحاجة الى تدخل وعي نخبوي إذ أن صوت العامة مِن خلْقِ الله، من فرط التجارب، أصبح أيضاً أشد وضوحاً في هذا الزمن الرقمي. فهو البديهي النابع من الحقائق المحضة.. يضع القناعات خارج البراويز ليعيد التأكيد بأن المملكة السعودية جهلت و تجاهلت الكثير وعانت من ضعف الأدوات وأن “السلطة الشرعية” لم تكن مؤهلة لإدارة حارة واحدة. هكذا ببساطة يضعون تلك الاعتبارات في مقدمة جماجمهم وينجون من زحمة التحليل والتأويل أو الدخول في خلاف مجاني مع مشهد تقلبه أكفُّ السوشيال ميديا.
هناك مفاهيم بديهية ما كان يجب إهمالها وهي: أن العلاقة مع دول التحالف كان ينبغي أن تكون علاقة مصالح وليس علاقة ولاء لأنها “ليست أباً ولا أُمّاً لأحد” وإنما دول تحمي ذاتها اولاً وتبحث عن مصالح وعن نفوذ. وحين تقتنع بأن تكتفي عند نقطة ما، أو لم يعد باستطاعتها إنجاز شيء سوف تغلق الأبواب وتنصرف وتترك من ظن أنه حليفها الأبدي وحيداً فاغر الفم للريح المحملة بسموم الاتفاقات والمقايضات الخارجية التي تضع له ممراً إجبارياً نحو مشروع غامض للتسويات أو الحلول التفاعلية. ويصبح دون إرادته محكوم بصيغة توافقية تعتصم بها الأطراف الاقليمية بعد أن يقرها (المجتمع الدولي) كما يسمونه.
وهكذا تعود دول التحالف إلى أدراجها لتكمل مشاويرها في بناء المدن المائية والزجاجية والهوائية وتشييد الملاعب والمطارات ومراكز التسوق ومرافق السياحة.
أما الآن عزيزي المتابع وأنت بكامل توقعاتك المضطربة عليك أن تشاهد أمامك ائتلاف الشرعية برؤوس متعددة يعيش حالة ركود سياسي وعسكري مع تزايد الغضب الشعبي، لتدرك بأن هذا الطرف يتم إعداده لهدنات متسلسلة تفضي إلى ذلك الأفق الغامض من التسويات (دون) معالجة مسائل جوهرية و(دون) بناء سلام حقيقي.
وبكلمات أخرى سيكون حديث ما بعد العاصفة مؤلم وشاق مليء بالغضب والندم والجراح العميقة إذا لم تتدارك الوضع عقول وإرادات داخلية.
احمد عبد اللاه