تابعتُ خطاب الشيخ عصام بن حبريش الكثيري يوم 20 ديسمبر 2022، والذي أعتبَره يوم تاريخي بإعلان دولة حضرموت بحدودها وعلمها ونشيدها الوطني. وقال أن حضرموت ظُلمت في كافة المراحل التاريخية وبأنهم ليسوا مع الجنوب ولا مع الشمال. كما قرأت يوم أمس ما نشر في عدن الغد عن احتفالٍ أقيم في احدى الدول العربية للمطالبين بانفصال حضرموت في احدى القاعات العامة حيث تم رفع علم حضرموت في الاحتفال.
كما تابعتُ ردود الفعل المتباينة والتعليقات على هذا الإعلان الذي يتعارض مع مفردات التاريخ والحضارة اليمنية الزاخرة بخصائصها الغنية بتنوعها الثقافي .
فتاريخياً ليس ما يجري الحديث عنه من حدود هي حدود حضرموت التي كانت عاصمتها شبوة القديمة قبل الاسلام.
لقد طالب البعض باقليم خاص بحضرموت سواء مع الجنوب أو مع الشمال للحصول على حقوقهم كاملة كمحافظة كبرى في اليمن ولها امتداد كبير مع الجيران أكثر من المحافظات الاخرى، وأنها تمتلك ثروات هائلة من النفط والغاز في البحر والبر وأهم اكتشاف للنفط كان في شرمة من قبل شركة أجيب الايطالية في الثمانينات بكميات تجارية ومن النوع الممتاز ولم يستثمر لأسباب سياسية تحدثت عنها في مذكراتي.
وأتذكر أننا بدأنا أول تجربة إدارة ذاتية للحكم المحلي في محافظة حضرموت، حيث كانت تتمتع باستقلال مالي وإداري وجرت أول انتخابات لمجلس الشعب المحلي في حضرموت عام 1976، وكانت محافظة حضرموت محافظة نموذجية بالادارة والانضباط والامن والاستقرار واحترام النظام والقانون من قبل مسؤوليها ومواطنيها.
كما كانت المحافظة وأبنائها يحظون باهتمام خاص من قبل كل الرؤوساء من عام 1967 حتى عام 1990، فعندما كنت رئيساً للوزراء ورئيساً للدولة كان لحضرموت النصيب الاكبر من المناصب الوزارية وفي المؤسسات وغيرها وقبل رئاستي للحكومة والدولة وبعدها ، وأبرزهم علي سالم البيض وزير الدفاع و حيدر العطاس وزير الانشاءات وفرج بن غانم وزير التخطيط وفيصل بن شملان مدير مصفاة عدن و جمعان بن سعد نائبا لوزير المالية و صالح بن حسينون وزير المواصلات وسعيد النوبان وزير التربية وقبلهم الدكتور محمد عبد القادر بافقيه وسعيد عمر العكبري وزير الادارة المحلية وعبد القادر باجمال وزير الطاقة ومحمود مدحي وزير التجارة وسالم الاشولي محافظ مصرف اليمن ورياض عمر العكبري سكرتير اتحاد الشباب (أشيد) وصالح السييلي رئيس جهاز أمن الدولة وغير ذلك من الوظائف القيادية، كنواب وزراء ووكلاء وزارات ورؤساء مؤسسات ودبلوماسيين ومحافظين وغيرهم من مدنيين وعسكريين.
وقدموا افضل النماذج لبناء المؤسسات وادارتها واظهروا كفاءة عالية ونزاهة وانضباطاً عاليين.
وفي النصف الاخير من الثمانينات كان العطاس رئيساً للدولة والبيض أميناً عاماً للحزب كأعلى مناصب في الدولة كما هو معروف، وبعد ذلك أصبح علي سالم البيض نائباً للرئيس علي عبد الله صالح في صنعاء وحيدر أبو بكر العطاس رئيساً للوزراء في الجمهورية اليمنية. وقد تحدثت عن ذلك بلقاء جمعني يوم 14 سبتمبر 2022 في القاهرة بحضور الاخ حيدر ابو بكر العطاس مع “حضرموت الجامع” و “عصبة حضرموت” و”المرجعية” عندما قال البعض منهم أن حضرموت ظُلمت. وذكّرتهم في هذا اللقاء بالمناصب التي أشرت إليها انفاً والتي تولاها أبناء حضرموت كما تحدثت معهم عن زيارتي لأول مرة إلى المكلا في أكتوبر من عام 1967 حيث حضرت مهرجاناً جماهيرياً كبيراً بمناسبة الذكرى الرابعة لقيام ثورة 14 اكتوبر، وحدثتهم عن علاقاتي ولقاءاتي مع العديد من المسؤولين الحضارم وأبرزهم علي سالم البيض والحاج صالح باقيس وسالم علي الكندي وعبد الرحيم عتيق وعبد الله البار وخالد باراس و خالد عبد العزيز وغيرهم من الشخصيات.
كان الشعب في حضرموت في السلطنتين القعيطية والكثيرية ملتفاً حول تلك القيادة والثورة، وكانوا أكثر حرصاً على قيام الدولة في الجنوب.
وأكدت لهم أن الثورة وحدت الجنوب كله من المهرة الى باب المندب وأن حضرموت والمهرة انضمتا سلمياً للدولة الجديدة ولم تطلق فيها طلقة واحدة مما يدل على وعي تلك الجماهير وحرصها على وحدة الجنوب، بينما شهدت بعض المحميات الغربية في نهاية 1967 صراعات حول من يحسم ومن يحكم في الجنوب. وانتصرت الجبهة القومية وأُعلن عن قيام الدولة في الجنوب في 30 نوفمبر 1967.
والان نحن لسنا ضد مطالب المحافظات للحصول على حقوقها كاملة ولكننا لسنا مع انفصال حضرموت أو باكازم أو جمهورية دثينة أو العودة الى ماقبل حدود المشيخات والسلطنات واذا تغاضينا عن هذه الدعوات و الرغبات العديدة التي بدأت تستغل غياب الدولة والفراغ الممتد في كامل الساحة، فان النتائج ستكون كارثية ومدمرة فحضرموت لن تكون حضرموتاً واحداً والجنوب لن يكون جنوبا والشمال لن يكون شمالا واحداً وسيصبح في اليمن اكثر من دويلة وكانتون مما سيؤدي الى صراعات وحروب اهلية في الجنوب وفي الشمال وبينهما، أشبه بحروب الطوائف التي قضت على جوهرة الاندلس. كما أنه لن تنجوا من هذا الشر والفتن والصراعات والحروب دول المنطقة والدول المطلة على البحر الاحمر وغيرها بحكم الموقع الاستراتيجي الذي يتمتع به اليمن. ولهذا نطالب الجميع بصوت العقل والحفاظ على الثوابت الوطنية الجامعة كما نطالب القوى الاقليمية والدولية الفاعلة في الساحة اليمنية بالعمل الجاد والصادق على استعادة الدولة لأن في اليمن اليوم أكثر من رئيس وأكثر من حكومة وأكثر من جيش وأكثر من برلمان وأكثر من مجلس شورى وأكثر من سعر صرف للعملة. ومستقبل اليمن لايقرره حزب أو شيخ أو قبيلة وإنما يقرره الشعب الذي ناضل من أجل تحرير الجنوب من الاستعمار البريطاني وتحقق النصر في نوفمبر عام 1967 في مفاوضات جنيف مع الوفد البريطاني برئاسة وزير المستعمرات شاكلتون ووفد الجنوب برئاسة المناضل قحطان الشعبي و شارك في الوفد من حضرموت كل من خالد عبد العزيز و الليفتانانت حسين المنهالي ومحمود مدحي.
ولذا فان العمل على وقف الحرب لاحلال السلام في اليمن والمنطقة هو مدخل معالجة كافة مشاكلنا وقضايانا لأن استقرار اليمن استقرار للمنطقة بأسرها.
ونحن منذ الثمانينات حينما باركنا قيام مجلس التعاون الخليجي واتحاد المغرب العربي أكدنا على ألا تكون هذه التجمعات على حساب بيت العرب الواحد “الجامعة العربية” فالدول والشعوب قوتها في وحدتها والتعايش فيما بينها كما يحدث في أوروبا وآسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية. فلماذا لا تساعد هذه الدول اليمن للحفاظ على وحدته وأمنه واستقراره واستثمار خيراته. فاستقرار اليمن استقرار للمنطقة وللعالم.