الهبة الحضرمية والكائنات الطفيلية
د. عيدروس نصر
كل من يتابع تصاعد الهبة الحضرمية، والمقاومة الحضرمية المدنية لمشروع الاحتلال المتواصل منذ 1994م يلاحظ وجود ظاهرتين متلازمتين تلازم الضوء والظلام في حضرموت دون غيرها من مناطق الجنوب وهاتان الظاهرتان هما:
· التنامي المتزايد لحركة الرفض السلمي من قبل أبناء حضرموت لوجود قوات المنطقة العسكرية الأولى التي لا تمثل سوى استمرارٍ لحالة يوم 7/7/1994م المشؤوم الذي لا يتذكره الجنوبيون ومنهم أبناء حضرموت إلا مقترناً بالاجتياح والاستباحة والسلب والنهب والقمع والتنكيل ومصادرة الحريات العامة والعبث بكل قيمة سياسية واجتماعية وأخلاقية على طول وعرض مساحة الجنوب، وفي حضرموت بالذات يتجسد هذا أكثر من أية منطقة أخرى في نهب الثروات من نفطٍ ومعادنَ ثمينةٍ وغازٍ وثروةٍ سمكيةٍ، في ظل تغييب كلي لأبناء حضروموت بواديها وساحلها وصحرائها، وحرمان أبنائها من كل شيء حتى حق الحصول على المعلومة عن تلك المقدرات التي يذهب معظم عائداتها إلى جيوب اللصوص الوافدين.
· ومقابل ذلك هناك ظاهرة تتصاعد كلَّما تصاعدت حالة الغضب في حضرموت، وأصحاب هذه الظاهرة لا يتذكرون أنفسهم إلا كلما بلغت الهبة الحضرمية ذروتها، فيخرجون من شرنقاتهم مطالبين بـ”استقلال حضرموت”، وهو ما لم يفكروا فيه حينما كانت حضرموت ومعها كل الجنوب ترزح تحت القمع والقتل والنهب والسلب وملاحقة الأحرار ومصادرة الحقوق الخاصة والعامة من قبل قوات الغزو والاجتياح.
هؤلاء هم أشبه بالكائنات الطفيلية التي لا تظهر إلا عندما يكون الجسد الحي منشغلاً بمقاومة مرض حاد يهدد الحياة، فتستغل انشغال المقاومة ومنظومة المناعة ضد هذا المرض الفتاك لتنشر كائناتها الطفيلية في أنحاء الجسد متآزرة مع المرض الفتاك.
إن كل متوسط الذكاء يستطيع بأقل الجهد أن يكتشف ذلك التخادم بين مسببي الحالتين المرضيتين وهما هنا قوات الاحتلال الشقيقة المسيطرة على مناطق الوادي والصحراء مع محافظة المهرة، والمطالبين بــ”استقلال حضرموت”، وهذا التخادم لا يختلف عما يسميه علماء الأحياء بـ”التكافل” “Symbiosis”بين الكائنات الحية، حيث يقوم كائن صغير بخدمة الكائن الحي الأكبر مقابل حصوله على الفتات من الغذاء، كما تفعل بعض الطيور حينما تقوم بتنظيف ما بين أسنان التماسيح بعد التهامها الفريسة.
ليس هذا هو الأمر الغريب، فقد اعتاد الجنوبيون على مظاهر مرضية مشابهة كلما ارتفعت أصواتهم مطالبة برفع الظلم واستعادة الحقوق وإيقاف القمع والتنكيل وما نزال نتذكر ما أسميت بـ”لجان الدفاع عن الوحدة” التي مولتها مخابرات نظام صنعاء لمواجهة الحراك السلمي الجنوبي وما ارتكبته من جرائم بحق شباب الثورة السلمية الجنوبية، لكن هؤلاء ذهبوا أدراج الرياح وبقيت ثورة الجنوب حية متقدة تواصل طريقها نحو الحرية واستعاد الدولة الجنوبية.
أقول ليس هذا هو الغريب، بل إن الأغرب هو أن هذه الظاهرة التي تنطلق من اسطنبول، بينما قنوات اسطنبول ومراكزها الإعلامية (الحريصة على “الوحدة اليمنية”) لا تتعرض لهذه الظاهرة الطفيلية بكلمة واحدة، بل إنها قد تشيد بدعاتها وتروج لهم أقاويلهم ومواقفهم، في حين تقول في الثورة الجنوبية السلمية وقياداتها السياسية ما لم يقله مالك في الخمر.
لا أدري لماذا يقبل هؤلاء على أنفسهم الوقوف في وجه الشعب الجنوبي في حضرموت ويقدمون أنفسهم كطفيليات تدافع عن جرائم قوات المنطقة العسكرية الأولى التي لم تدع موبقة إلا وارتكبتها في حق أبناء وادي وصحراء حضرموت والمهرة.
باختصار شديد هؤلاء لم يتعلموا من التجارب الخائبة لمن سبقهم في لعب هذا الدور القبيح، بل لا يخجلون من تعرية مقاصدهم ولسان حالهم يقول ” إما أن نكون عبيداً وخداماً لغزاة 1994م وحماةً لمصالحهم، وإلا فإننا نرفض الحرية في إطار حضرموت الكبيرة الحرة كجزء من الدولة الجنوبية الفيدرالية المستقلة القادمة “.
اخجلوا قليلا يا هؤلاء فقد انكشفتم أمام الصغير والكبير ولن ينفعكم الذين يغششونكم الإجابات الخطأ فقد خذلوا من سبقكم
“ولكن أكثر الناس لا يفقهون”