كتاب عدن
ورحل أرسطو اليمن
د عيدروس نصر.
بصدمة كبيرة تلقيت اليوم نبأ وفاة الأستاذ الدكتور ابو بكر السقاف، الشخصية الوطنية المشهورة في جنوب اليمن وشماله، استاذ الفلسفة بجامعة صنعاء على مدى ما يقارب نصف قرن.
د السقاف تعرض مؤخرا لمرض أقعده الفراش في العاصمة الروسية موسكو حيث يقيم مع زوجته روسية الأصل، وتحدثت عن الصحف ووسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية العديدة، وصار حديث القاصي والداني في الجنوب والشمال، على السواء، إلا مواقع ورجالات السلطتين الحاكمتين في صنعاء وعدن، فقادتهما لا يأبهون لمفكر وفيلسوف ومربي مثل الدكتور ابوبكر السقاف وليسوا بحاجة له ولأمثالة بقدر حاجتهم للقتلة ومن يجيد التصويب على رؤوس وقلوب المواطنين ومنشآت البلد، ، لا بل إن هناك من يتضايق لمجرد ذكر اسم الدكتور السقاف وأمثاله من رجالات الفكر والأدب والثقافة..
منذ منتصف السبعينات وعندما كنت طالبا في دار المعلمين بأبين، كنت قد قرأت للدكتور السقاف كتابه الأول وأظنه كان بعنوان “كتابات” احتوى عددا من القضايا الفكرية والنقدية والسياسية المحلية والعربية والعالمية،
وما زلت اتذكر كيف استعرض بالنقد والتفنيد مفهوم “المركزية الاوروبية” التي كان ينتقدها المفكرون اليساريون بما في ذلك الاوروبيون الغربيون انفسهم.
وبعد افتتاح دار الهمداني للطباعة والنشر والتوزيع بعدن توالت كتايات الدكتور السقاق فأصدر كتابه الثاني “قضايا فكرية” والذي احتوى عددا من كتاباته ودراساته ومحاضراته الفلسفية والفكرية وطبعا السياسية.
في مطلع العام ١٩٩٠م التقينا في عدن لتأسيس الجمعية الفلسفية وكان قد قدم من صنعاء للمشاركة في ندوة “الديمقراطية في الوطن العربي” التي نظمتها الدائرة الآيديولوجية باللجنة للمركزية للحزب الاشتراكي اليمني أيام الدكتور المرحوم سالم عمر بكير عليهما رحمة الله.
في صنعاء التقينا مرارا وزارني في منزلي بمعية الزميل عبد العزيز الزارقة والأستاذ عبد الباري طاهر، بعد تعرضي لحادثة مرورية.
وكان مبتهجا عندما اهديته كتابي “من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة العربية الإسلامي” ووعدني بموافاتي برايه في محتواه، لكننا افترقنا في العام ٢٠١٠م ولم نلتقِ بعدها.
إحدى الصحف الصادرة في صنعا واسمها ” الديار ” وكان يشرف عليها الصحفي عابد المهذري، من ابناء صعدة، كانت تخصص ملفا في كل عدد عن إحدى الشخصيات اليمنية المؤثرة ، وخصصت ملف احد الأعداد للدكتور ابوبكر السقاف، وكنت احد الذين طُلِب منهم قول شيء عن الرجل.
ومما اتذكر انني قلته “إن هذه البلاد لا تعرف قيمة الفلاسفة والمفكرين، وأغلبهم يموتون دون ان يلقوا من يرعاهم او ينقذهم من الموت،
وقلت “إنه سيأتي الزمن الذي سنتباهى فيه بالدكتور السقاف مثلما يتباهى اليونانيون بارسطوطيل، والفرنسيون بفولتير وجان جاك روسي، والالمان بإمانويل كانت وهيغل وكارل ماركس، والإنجليز بآدم سميث وتوماس هوبس.”
رحل الاستاذ والمفكر والفيلسوف الدكتور ابوبكر السقاف تاركا سجلا حافلا بالمواقف الوطنية والإنسانية النبيلة والشجاعة والتراث الفكري والفلسفي المتوهج.
لم يعرف الدكتور السقاف التردد والمساومة عن الانحياز للحقيقة والتصدي للزيف والاباطيل مما عرضه للكثير من حالات الملاحقة والتنكيل والاعتقال والاختطاف والإخفاء
كان نصيرا للحريات العامة والحقوق الإنسانية، وهو أول من سمى ما تعرض له الجنوب في ١٩٩٤م ب”الاستعمار الداخلي”.
وكان عضواً في اول لجنة شعبية جنوبية بعد الحرب في مدينة عدن برئاسة رائد الصحافة العدنية الفقيد هشام با شراحيل الله يرحمه.
لن نستطيع جميعا إيفاء أستاذ الاجيال حقه ولن ننصفه ولو كتبنا عنه المجلدات فالرجل اكبر من ان تتسع له مقالة او بحث او حتى كتاب او مجلد لكنني ارى أن أحد اشكال الإنصاف للرجل ان يتم تجميع كتاباته وبحوثه ومقالاته ومحاضراته التي كان يقدمها لطلاب الفلسفة او تلك المنشورة في الصف والدوريات وتجميعها في كتاب او اكثر وإصدارها للحفظ والتوثيق اولا ولمنح الاجيال فرصة للتعرف على هذا الهرم الفكري الخالد.
ألف رحمة ونور تغشى روحك الطاهرة أيها الأرسطو الجديد
ابتهل إلى الله ان يغفر لك ويتجاوز عن زلاتك وأن يتغمدك برحمته الواسعة.
واتقدم بالعزاء الصادق والمواساة القلبية إلى اهل فقيدنا الكبير وذويه وتلاميذه وزملائه ورفاقه وكل محبية وان يلهمنا ويلهمهم جميعا الصبر والسلوان.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
من صفحة الكاتب على الفيسبوك