اليمن: ماذا صنع المجلس؟
فوجئ اليمنيون فجر السابع من أبريل (نيسان) 2022 بوزير الإعلام يقرأ البيان – الإعلان نيابة عن الرئيس عبدربه منصور هادي وقال في مقدمته إنه “لتجاوز الصعوبات التي وضعت أمام تحقيق متطلبات المحافظة على النسيج الاجتماعي ووقف نزيف الدماء وتضميداً للجراح وللمحافظة على وحدة شعبنا في دولة مدنية تحمي الجميع، فقد قرر إنشاء مجلس القيادة الرئاسي وكلفه تلبية طموحات شعبنا في التغيير والإصلاح، وإزالة عناصر التوتر سياسياً وأمنياً”.
وأكد في المادة نفسها الفقرة ب “اختصاص المجلس بجميع صلاحيات نائب الرئيس، كما شدد البيان – الإعلان في المادة 4 – م على اعتماد القواعد المنظمة لأعمال “المجلس” وهيئة التشاور والمصالحة والفريقين الاقتصادي والقانوني خلال 15 يوماً من تاريخ توصية الفريق القانوني بمسودة القواعد المنظمة وتصدر بقانون، وفي المادة نفسها الفقرة (ن) من البيان – الإعلان قال الرئيس هادي “يقرر رئيس مجلس القيادة الرئاسي الإجراءات التنفيذية اللازمة لتسيير أعمال المجلس وهيئة التشاور والمصالحة والفريق القانوني والفريق الاقتصادي حتى اعتماد القواعد المنظمة”.
لقد عمدت إلى نقل هذه النصوص تحديداً لأنها تفتح الباب واسعاً لنقاش يجب أن يكون جاداً حول ما الذي تم وما الذي يجب وما الذي يتوقع إنجازه بعد أن سمعنا التكليف الواضح من الرئيس هادي للأعضاء الثمانية، عقب تنازله عن كامل صلاحياته الدستورية لهم “من دون رجعة”.
وإذ مرت فترة تزيد على الأشهر السبعة كانت التوقعات خلالها كبيرة والآمال مبالغة عند كثيرين (ولست منهم) بأن المجلس مجتمعاً سيعمل ككتلة واحدة لتحقيق هدف واحد معلن في البيان الذي قرأه رئيس الحكومة في السابع من أبريل الماضي داخل مجلس التعاون الخليجي وهو وقف الحرب، وأن ذلك هو المسار الوحيد المتاح، وأكد أن الحل العسكري قد أثبت فشله بعد أن حصد مئات الآلاف من القتلى والجرحى وتسبب في دمار، وعاظم الأحقاد في كل ربوع اليمن (وهو أمر ينطبق على الحكومة والحوثيين).
توقعت، وقلة، أن يعكف المجلس بداية ويولي اهتمامه منذ اليوم الأول لتنظيم إدارة أعماله وأن يركز على كيفية التعامل مع القضايا الملحة التي تشغل بال المواطنين وتقض مضاجعهم، لأنه من دون تحديد للمسؤوليات والواجبات داخله سيبقى عرضة للشخصنة والقدرة على فرض القرارات وتمريرها بطريقة لا تدل على النضج السياسي في مرحلة تستدعي تفاهمات كبرى غابت عن أذهانهم، كما لا يمكن التعويل على الرياض لحل كل أزمة تطرأ، ثم اللجوء إليها عند كل ضائقة، فهي دولة كبيرة منشغلة بقضايا داخلية وخارجية وتنموية تستلزم التفرغ الكامل بعد ما يقارب من ثماني سنوات قادت فيها التحالف العربي في اليمن واستنزف من جهدها ومالها كثيراً.
يجب على الجميع أن يفهم، الرياض وصلت بعد سبع سنوات من الحرب إلى قناعة كاملة في أن اليمنيين هم وحدهم الأقدر على حل نزاعاتهم ولعل الرسالة التي وجهها الملك سلمان خلال كلمته أمام مجلس الشورى يوم الأحد الماضي كافية، وقال فيها إن المشاورات السياسية هي المدخل والمخرج للأزمة اليمنية. وكانت الكلمات واضحة في مقاصدها السياسية والقومية حين أعرب عن أمله في “أن تؤدي الهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة تماشياً مع مبادرة المملكة لإنهاء الأزمة في اليمن للوصول إلى حل سياسي شامل وتحقيق السلام المستدام بين الأشقاء اليمنيين”. وجدد موقف بلاده “الراسخ والداعم لكل ما يسهم بوقف إطلاق النار بشكل دائم وبدء العملية السياسية بين الحكومة اليمنية والحوثيين بما يحفظ لليمن سيادته ووحدته وسلامة أراضيه”. وطالب بضرورة “وقف الانتهاكات الاستفزازية الحوثية المسلحة داخل اليمن”.
إن وقف الحرب هو المطلب الذي يجب على كل يمني الدفاع عنه والعمل لأجله بعد أن تبين العجز الفاضح لحسمها عسكرياً، ومن هنا فإن “المجلس” عليه مسؤولية مواجهة الأزمات والتصدي لها بما هو أبعد من الوعود، وأعود لأكرر بأن البداية هي في تنظيم عمله وضبط إدارته، ويجب أن يكون حازماً في توجهاته وواضحاً في عدم السماح بتسلط البعض وتغوله على البعض الآخر، ثم فرض القرارات بقوة الأمر الواقع، وإذا ما استمر عمل “المجلس” بالطريقة الحالية فلن يمر وقت طويل دون أن تظهر الشروخ على السطح وتخرج الخلافات المكتومة إلى العلن مهددة الكيان كله بالانهيار فيتم اللجوء عندها مرة أخرى إلى الرياض المثقلة بالملفات.
ومن الطبيعي أن تصبح الشكوى ثم تكرار مطالبة “المجلس” بتدخل الرياض الدائم لحل النزاعات داخله، أمراً محرجاً ومزعجاً لها، وفي الوقت نفسه معيباً بحقه مبرهناً على عدم كفاءة إدارته وضعفها، ولا شك أن المحاولات السعودية للإصلاح تجلب إحراجاً لدى المسؤولين في الرياض لأنها تفرض عليهم اقتحام قضايا هي ترغب صادقة في الابتعاد عن الانخراط فيها حتى لا يبدو الأمر كأنما هو فرض لرؤيتها في كيفية تسيير أعمال “المجلس” وسياسة البلاد، بالتالي الحكومة ومؤسساتها.
كما من المؤكد أن بقاء “المجلس” يرتبط عضوياً بالانعقاد المنتظم وبلائحة داخلية معلنة وبأهمية وجود كل الأعضاء في مكان واحد، ومن الغريب أن الرئيس لم يتوجه لزيارة ما يسمى “المناطق المحررة” وليس في الأمر ما يبرره على الإطلاق، وإذ كان المواطنون ينتقدون غياب الرئيس هادي المستمر عن البلاد وأنه لم يقم بأية زيارة داخلية مكتفياً بزياراته الخارجية فإن الأمر لم يختلف الآن، وفي حين كانت الحجة حينها أنه غير قادر على تأمين الحماية اليمنية الكافية له ولمرافقيه فالأمر لم يتبدل.
من المسلمات السياسية أنه من العسير إدارة قيادة جماعية لا تتفق على رؤية وطنية واحدة، ولا يمكن التعويل على التصريحات التي تتغنى بالتوافق داخل “المجلس” حول مجمل القضايا، فذلك أمر لا يخدع إلا السذج والمطبلين مدفوعي الأجر الذين تكاثروا بعد السابع من أبريل، وصاروا يتوهمون أنفسهم من المؤثرين في الرأي العام الذي يسخر منهم ومن مموليهم ويتعامل مع كتاباتهم بسخرية ولا مبالاة.
اليمن يقف على حافة هاوية ينحدر إلى قاعها بسرعة فائقة ويغيب عنه القادة الأكفاء المهرة الذين يضعون مصالح الناس وقضاياهم قبل مصالحهم الخاصة، وهنا يصبح السؤال الجاد، ما الذي تغير منذ السابع من أبريل 2022 وحتى اليوم؟ الجواب واضح، لا شيء.