مقالات

سياق استراتيجي لمعركة “تكتيكية”

 

عريب الرنتاوي :

“كاتب ومحلل سياسي”

ليس السياق الانتخابي الإسرائيلي وحده، ما يفسر العدوان الإسرائيلي المبيّت على قطاع غزة، مع أن تجربة الفلسطينيين في صراعهم مع عدوهم، حافلة بمحاولات قادة إسرائيليين استثمار الدم الفلسطيني في لعبة الانتخابات..

يئير لبيد وبيني غانتس، ليسا استثناءً أبداً، والكنيست الـ25 على مبعدة أحد عشر أسبوعاً من الآن، فيما شبح نتنياهو يُطل برأسه الكريه من صناديق الاقتراع.

وليس امتحان الحصول على ”رخصة للقتل Licensed to kill“، هو ما يدفع رئيس حكومة بلا خلفية عسكرية ”صلبة“، لمحاولة إثبات قدرته على شن الحروب وتقتيل الفلسطينيين، وإحلال الخراب في مدنهم وقراهم، كما يفعل لبيد اليوم، مع أن كثرة من الخبراء، وحتى الإسرائيليين منهم، يقولون بذلك، وتاريخ رؤساء حكومات إسرائيل يحكي قصصاً عن هذه العينة من الساسة، الذين أبوا مغادرة المسرح السياسي، دون أن تتلطخ أياديهم بدماء الفلسطينيين واللبنانيين.

ما تقارفه إسرائيل اليوم في غزة، يندرج في سياق إسرائيلي استراتيجي ثابت في التعامل مع الفلسطينيين، لخصته نظريتان تتحكمان بقرارات المستويين الأمني والسياسي في دولة الاحتلال: ”المعركة بين حربين“، و“كيّ الوعي“..

الأولى تفترض استنزاف العدو وعدم السماح له بالتقاط أنفاسه، دون التورط في حرب شاملة، والثانية تنهض على الحاجة لترميم صورة إسرائيل الردعية باستمرار، وتذكير الأجيال الفلسطينية المتلاحقة، بقدراتها التدميرية الساحقة.

المعركة التي أطلقت عليها تل أبيب اسماً مشتقاً من أسماء الحروب والمعارك الفلسطينية ”بزوغ الفجر“، هي هذه ”المعركة بين حربين“، وقد تصبح حرباً إن خرجت تطورات الميدان عن السيطرة..

الحرب الفائتة ألحقت ضرراً فادحاً بصورة إسرائيل الردعية، إذ بدأها الفلسطينيون، وسجلوا نجاحات تكتيكية مؤثرة، قبل أن تبتلعها ”حفرة الانهدام“ التي تباعد ما بين فتح وحماس.

لقد حاول الفلسطينيون في معركة ”سيف القدس وانتفاضتها“ في أيار من العام 2021، استحداث الربط الوثيق بين القدس وغزة، من منطلق وحدة القضية والحركة والجغرافيا والساحات، وسطروا برغم انقساماتهم العامودية، تجربة متميزة في ”وحدة الميدان“..

هذا الأمر لم يرق لساسة إسرائيل، ويتناقض مع سياساتهم المُستلهَمة من الإرث الكولونيالي: ”فرق تسد“، إن في التعامل مع الديموغرافيا والفصائل الفلسطينية، أو في التعامل مع الجغرافيا الفلسطينية، وتفترض أن لا دخل لأهل غزة بما يجري في القدس والضفة، وما علاقة أهل الخط الأخضر، بما يجري خلف الجدار والستار؟ وما الصلة بين أهل اللجوء والشتات بهذه وتلك؟

إسرائيل غاظها أن يهدد ”الجهاد الإسلامي“ بالانتقام للاعتقال المهين لأحد قادته بسام السعدي، في جنين، فما يحصل في الضفة لا يتعين أن يتردد صداه في القطاع، أو هكذا تَفتَرض..

فيما زياد النخالة سبق له أن طوّر نظرية إسماعيل هنية للربط بين غزة والقدس بإضافة جنين إلى المعادلة..

نجح الفلسطينيون تكتيكياً في كسر خطٍ إسرائيلي أحمر في معركة ”سيف القدس“، وهم يحاولون اليوم تحويل هذا النجاح إلى ”معادلة“، فيما إسرائيل تحاول في الوقت ذاته، إعادة عقارب الساعة للوراء.

إسرائيل تقول اليوم، إنها لا تستهدف أحداً غير ”الجهاد الإسلامي“، ولا تتوقف عن إيصال الرسائل لحماس عبر الوسطاء طالبةً منها البقاء خارج ”لعبة الدم“..

حتى الآن، يبدو أن التكتيك الإسرائيلي قد نجح، فلا أثر دالّا على مشاركة حماس في العمليات الجارية العسكرية..

ونقول حتى الآن، لأن الدم الفلسطيني ينزف بغزارة والأحداث تتلاحق بسرعة، في سباق محموم بين التهدئة والتصعيد، الحرب والدبلوماسية..

سابقة 2019، عندما تَركت حماس الجهاد وحيداً، قد تتكرر في 2022، وقد لا تتكرر، فالمشهد ما زال في بدايته.

هي إذاً، معركة تكتيكية في سياق استراتيجي، وهي مكاسرة حول ”قواعد الاشتباك“ التي ستحكم العلاقة بين إسرائيل والفصائل..

ولأنها في بدايتها، ومفتوحة على شتى الاحتمالات، فمن السابق لأوانه المجازفة بالإجابة عن سؤال: كيف ومتى ستنتهي؟

*المصدر : ارم نيوز

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد ايضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى