حكومة أم حكومات ؟
أكتوبر 01, 2021
محمد علي محسن
الحكومة وأي حكومة في العالم ، لابد أن تتوافر لها شروط أساسية لنجاح مهمتها ، فمن أولويات أي حكومة تكنوقراط أو أئتلاف حزبي أو وفاق أو إنقاذ أو سواها من المسميات أن يكون لها أجندة ومسارات واضحة ومحددة تحقق غاية وطنية واحدة وشاملة .
وهذه المهام يتم صياغتها في خطة برنامجية مزمنة تتضمن أهم الخطوط العامة ، تتفرع منها عناوين وتفاصيل في مجملها تحقق رؤية سياسية واحدة وجامعة لكل الشركاء المنضوين في عداد الحكومة .
حين قلت إن حكومة مُعين ليست إلَّا تأزيمًا للحالة أكثر من كونها حلًا لحرب مستعرة في كل المناحي والجبهات ومنذ سبعة أعوام ويزيد ، ففي ذاك الوقت اعتبرني البعض متشائمًا ، ويقينًا أن النار دربها مزروع بالنوايا الحسنة .
المسألة لا تحتاج إلى دهاء أو ذكاء ، بقدر ما يستلزمها التأمل وببصيرة إلى هيئة الحكومة اليمنية ؛ وإلى غاياتها المختلفة ؛ وإلى جامعها غير المشترك .
فمن ناحية الشكل يمكن القول أن لدينا حكومة تتكون من ٢٤ وزارة ، يرأسها دكتور في الهندسة المدنية أسمه مُعين عبد الملك سعيد .
أما وإذا اقتربنا أكثر ونظرنا لمحتوى الوزارة ، ما يعني الرؤية الفكرية والنسق المنهجي واليات الأداء الحكومي ، فالواقع يؤكد أننا إزاء حكومات مختلفة ذهنيًا ، ومتعددة منهجيًا ، ومتصارعة مع بعضها البعض بحكم تنافر الرؤى والأفكار والأدوات والأقطاب .
وتزيد معضلة هذه الحكومة حين تكون نتاج إتفاق شكلي تم بضغط من دولة أو دول ، أو بمنطق القوة والسيطرة ، وهذا بالضبط ما حدث عند الأتفاق على حكومة يستحيل أن تنجح في عملها ، ما بقيت حاملة في تكوينها الفشل والإخفاق .
فلم يكن الاختلاف مقتصرًا على المسائل والامكانيات المادية والبشرية المأمل منها تحقيق الغاية الوطنية الجامعة ، وإنما الخلاف في الأساس جوهري وواقعي وهدفه نسف الغاية الوطنية التي تم إيجازها برغبة الحكومة استكمال تحرير كامل اليمن واستعادة الدولة وسلطاتها ومؤسساتها وخدماتها .
الواقع كشف عن خلاف قوي وعميق وفي صميم الغاية الجامعة ، وليس في المسائل الثانوية أو آليات الأداء . الأتفاق غفل أو تجاهل حقيقة القضايا الخلافية بين السلطة الشرعية من جهة والإنتقالي كسلطة أمر واقع من ناحية ثانية ، كما وأهمل حقيقة الخلافات بين الشرعية وبين الحلفاء ، فكان التعثر والإخفاق شيئًا اعتياديًا .
نحن إزاء أقطاب متعددة ، فكل فصيل يريد أن تكون الحكومة له ولغرض أهدافه وتحقيق غايته ، ويقينًا أن جميعها تتقاطع مع وظيفة حكومة يفترض أنها لكل اليمن ، ولمهمة تحرير اليمن ، ولمواجهة تحديات اقتصادية يعاني منها شعب اليمن .
فهذا الانتقالي يعد ذاته مكونًا رئيسًا في الحكومة ، ومع ترحيبه بعودتها إلى عدن يريد من حكومة المناصفة – وفق خطابه الإعلامي – أن تكون مجرد أداة لصرف المرتبات والإنفاق على الخدمات وتحمل مسؤولية الانهيار العملة الوطنية الريال .
نعم يرحب ويطالب الحكومة بمواجهة الأزمات الاقتصادية والخدمية والبنيوية والحياتية ، وكأنّه حزب معارض لا علاقة له أو شراكة في هذه الحكومة ، بل وأكثر من ذلك ، إذ أن فعله في الواقع كان معيقًا ومربكًا لجهود الحكومة ، ولعل سيطرته على عائدات مالية وتوريدها لحسابات خاصة به ما يغنينا عن الكلام .
وعلى ضآلة حصة الإنتقالي في الحكومة – أربع وزارات – لكنه وبحكم سيطرته العسكرية على عدن وجوارها لحج والضالع ومساحة من أبين ، تسبب في خلق حالة مضطربة يشوبها المياعة ، وأفضت إلى مشكلات وأزمات بلا حصر أو توقف .
السلطة الشرعية لها حساباتها ومصالحها الضيقة ، كما أن أدواتها الفاسدة وعجزها الفاضح في ممارسة سلطتها من أي مكان في اليمن ، هذه الأشياء أسهمت في إخفاق وفشل كل الحكومات السالفة أو الحالية .
الحلفاء ، وتحديدا السعودية والإمارات كان لتدخلاتهما المباشرة وانحيازهما لهذا الفصيل أو ذاك ، ووفق حساباتهما ومصالحهما ؛ كان لها عظيم الأثر على إخفاق الحكومات اليمنية المتعاقبة .
واقع الحال يؤكد أن حكومة الدكتور معين أسيرة لتجاذب أطراف عدة ، ما جعلها فاقدة القدرة على قيادة المرحلة الحرجة .
ويكفي القول هنا أنها لم تأتلف في اجتماع واحد منذ إعلانها ، فكيف لها تحقيق أهدافها أو إثبات حضورها كسلطة دولة نافذة بينما هي فاقدة القدرة على الألتمام بكامل هيئتها وفي المحافظات المحررة ؟؟.
لقد أسهمت الأطراف مجتمعه – الشرعية ، الانتقالي ، السعودية والإمارات – في تكوين ما يشبه حكومات مصغرة في كيان حكومة ضعيفة ليس لها هوية أو غاية وطنية جمعية ، بل ولا تدري اين تكون ولأي معركة أو مهمة وجدت ؟؟!.
والنتيجة حكومة هلامية فاقدة القدرة والحيلة ، فلا هي حكومة لتحرير اليمن من المليشيات الحوثية المنقلبة على الدولة والنظام العام ، أو أنها صارت حكومة إنقاذ لليمنيين من أزمات اقتصادية ومعيشية وخدمية وحياتية .
كما وليست حكومة منفى بحيث تتحمل كافة المليشيات المسلحة في الداخل مسؤولية إدارة السلطة مثلما هو حال الجماعة الحوثية في صنعاء ، أو أنها كانت حكومة موالاة للسعودية والإمارات ، بحيث تتحملان تبعات هذه التبعية والارتهان أو قولوا إن شئتم ” الإرتزاق ” .