تقارير

الكوارث الطبيعية تهدّد حياة المواطنين… والدولة غائبة!

أكتوبر 23, 2018
عدد المشاهدات 1058
عدد التعليقات 0
تشكل الظواهر الطبيعية خطراً كبيراً على كافة الأصعدة، تهدد حياة السكان من جهة، وتعمل في بعض الأحيان على تدمير المنشآت والمباني السكنية، وتضر بالزراعة وبالاقتصاد بشكل كبير من جهة أخرى.

الإعصار «لبان» كان المشهد بأكمله، فقد ضرب محافظة حضرموت وخلّف الخسائر، وقد هطلت الأمطار الغزيرة، وتدفقت السيول من الأودية، التي جرفت معها بعض جسور الخطوط الرئيسية في مدينة المكلا، وانقطعت منظومة الإتصالات عن المحافظة.

الإعصارات تتوالى

ويتوقع خبراء الأرصاد توالي الكوارث الطبيعية في خليج عدن والبحر العربي، مستقبلاً بسبب التغير المناخي، فإعصار «تشابالا» الذي ضرب محافظة حضرموت أواخر عام 2015م دمر نحو 44 منزلاً كلياً، فيما تعرض 76 منزلاً للهدم الجزئي، و21 قارباً للتكسير، وقد تسبب الإعصار في نزوح 2.400 أسرة بما يعادل نحو 12 ألف فرد، فيما سجلت حالة وفاة واحدة و25 حالة إصابات تم معالجتهم حسب تقرير غرفة العمليات، وغياب كلي للسلطات في تلك الكارثة ولم تقم بتعويض المتضررين.

أما إعصار «لبان» الذي ضرب حضرموت مؤخراً فلم يحدث أي خسائر اقتصادية أو بشرية كبيرة، سوى تسجيل حالة وفاة واحدة، وإصابة عشرة آخرين جراء المنخفض الجوي الذي ضرب المديريات الشرقية بالمحافظة، بعكس الإعصارات السابقة التي تسببت بخسائر فادحة على كافة الأصعدة، لا زال أثرها حتى اللحظة ولم تكلف الجهات المعنية نفسها بمعالجة الأضرار. 

منظومة الاتصالات «DSL» متوقفة عن الخدمة في معظم مناطق حضرموت، بسبب انقطاع الألياف الضوئية في محافظة المهرة التي كانت الخسائر فيها كبيرة، فيما أكد مصدر في الاتصالات لـ«العربي» أن «فرق العمل مستمرة في إعادة الخدمة، ومن المتوقع عودتها قريباً».

غياب الدولة

في كل إعصار يضرب محافظة حضرموت، لم يكن هناك أي دور بارز لسلطات الدولة في مواجهة الكوارث الطبيعية غير الشكل الصوري.

إعصار «تشابالا» العنيف ضرب حضرموت وسبب خسائر فادحة في البنية التحتية للمحافظة، في وقت كانت الدولة غائبة بالكامل عن مدن ساحل حضرموت، وكانت المدينة أنذاك، تحت سيطرة مسلحي تنظيم «القاعدة»، بعد هروب الجيش اليمني منها بشكل مفاجئ.

بعد خروج مسلحي تنظيم «القاعدة» من ساحل حضرموت، دخلت السلطات الحكومية بدعم من «التحالف» الذي تقوده السعودية، ولم تقم بأي معالجات للأضرار الناجمة عن الاعصار الذي دمر البنية التحتية، أو تعويض المتضررين. منطقة بروم غرب مدينة المكلا، لا زالت معظم شبكات الاتصالات لم تعد إليها منذ أواخر 2015م، وفي أحياء المدينة لم يتم تعزيزها بالشكل المطلوب.

الشوارع الرئيسية والفرعية والجسور الارضية، التهمت معظمها السيول الجارفة، وتوسعت فيها الحفريات وزاد الخراب فوق السابق، ولا زالت الجهات المسؤولة في سبات، حتى عقبة عبدالله غريب في هضبة حضرموت، التي أعلنت السلطات الحكومية عن إعادة صيانتها، وسفلتت الطريق من جديد، لم يمض على التدشين سوى أشهر إلا والحفريات تعود أدراجها في أوضح صورة عن الفساد الذي أنهك الحرث والنسل من قبل السلطات الحاكمة. 

 
البناء العشوائي

لن تشطب ظاهرة البناء العشوائي من دفاتر الحياة اليومية، بالتعامل معها على أنها سحابة صيف ستنقشع في القريب العاجل؛ فمجاراة هذه الظاهرة يعد خطأ كبيراً والسكوت عنها سيؤدي إلى استفحالها، كون السكوت علامة الرضى والحقيقة الأخرى، أن التهاون مع حادثة البناء الاولى مهد الطريق إلى المزيد والمزيد من حوادث البناء العشوائي، إلى أن أصبحت ظاهرة مزعجة يصعب الفكاك منها.

المكلا على سبيل المثال لا الحصر، في تسعينيات القرن الماضي، بعد الوحدة اليمنية، لجأ الناس إلى البسط والبناء العشوائي على المساحات العامة الخالية والجبال والتلال القريبة، بعضهم تحت وطأة أزمة السكن، والبعض الآخر بهدف الترابح والتكسب حتى ولو كان غير مشروع، هذا البسط العشوائي للأراضي العامة قد أضر أضراراً كبيراً بممتلكات الدولة، وسد المتنفسات الطبيعية ومجاري السيول، وشوه ايضاً جمال المدينة، وتم كل ذلك أمام مرأى ومسمع السلطات المحلية المعنية في تلك الحقبة.

إن أخطر وأسوأ حوادث البناء العشوائي تلك التي تمت بغطاء «قانوني» وبوثائق رسمية من عقارات الدولة على مجاري السيول وفوق قنوات الصرف الصحي وكابلات الكهرباء والاتصالات وأنابيب مياه الشرب، ما أدّى ذلك الى شل حركة الخدمات الضرورية للسكان، وتوصل أيضاً إلى أن ضعف المتابعة وعدم المحاسبة وغياب الرقابة على نشاط هذه الجهات الرسمية المختصة، كان سبباً رئيسياً لاستفحال ظاهرة البناء العشوائي في مدينة المكلا الجديدة وضواحيها.

 
فرق تطوعية

الفرق التطوعية في المدن لا تغيب إطلاقاً، مع كل كارثة تضرب حضرموت أو منخفض جوي، فتقوم بمهام كبيرة، برغم عدم مدهم بالمستلزمات الكافية للانقاذ والمساعدة من قبل السلطات الحكومية، أو المنظمات الدولية.

 لا يختلف دور المنظمات الدولية عن السلطات الحكومية المتخاذلة، فلم تقم بالشكل المرجو في تقديم العون والمساعدة للمتضررين من الكوارث الطبيعية، التي ضربت محافظة حضرموت في الفترة الأخيرة.

 
محاسبة المسؤولين

أعتبر الإعلامي عبدالجبار الجريري، أن ما حدث أيام الإعصار من عجز السلطات، هي فضيحة كبرى يجب محاسبة المسؤولين عنها وإحالتهم إلى التحقيق، أهالي المناطق الشرقية أيام طوال بلا كهرباء ولا ماء ولا إتصالات ولا إنترنت، ومحاصرين في قراهم ومدنهم بسبب السيول التي أحاطت بالمدن من كل الجوانب. 

وخلال هذه الأيام، كانت السيول تجري بشكل متدفق ومستمر فقطعت الخط الدولي وحاصرت الكثيرون في المناطق بين الريدة والديس الشرقية. 

وأوضح الجريري خلال حديثه لـ«العربي»، أن «السلطات المحلية بالمحافظة غائبة تماماً عن المشهد، ولم توفر أدنى متطلبات الطوارئ لمواجهة الإعصار، مثل أدوات السباحة والإسعافات الأولية ومياه الشرب وحبال الإنقاذ».

 
لا استجابة

في اليوم الثاني للإعصار، يقول الجريري: «تواصلت مباشرة مع غرفة العمليات بالمكلا، وتم إبلاغهم بخطورة الوضع في مديرية الريدة وقصيعر، وغياب السلطات وغرق السيارات، وحاجة المديرية إلى طائرة مروحية لإنقاذ المواطنين الذين غرقوا وسط السيول، وكذلك الحاجة إلى أدوات الإنقاذ ووعدوا بإيصال البلاغ إلى المحافظ، لكن لم يحدث شيئاً، ولم تستجب السلطات في المكلا لنداءات الاستغاثة التي أطلقها الأهالي».

 سيطرت أشجار السيسبان على كل مجاري السيول في مديرية الريدة وقصيعر، ومع ذلك لم تقم السلطات بعملية جرف لهذه الأشجار قبل الإعصار، إضافة إلى عدم توفير الطعام والمياه والأدوية اللازمة في المدارس التي أحتضنت بعض الأسر.

ومع توقعات خبراء الأرصاد والطقس بمزيد من التغيرات الجوية مستقبلاً، يبقى السؤال: ماذا جهزت السلطات الحكومية لمواجهة الكوراث الطبيعية؟ أم أنها ستتوارى خلف جدران الرفاهية، والمواطن إلى التهلكة؟

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى