فئة مارقة وغايات متعددة !!
ديسمبر 18, 2016
عدد المشاهدات 466
عدد التعليقات 0
محمد علي محسن
ما من شك ان الصراع في اليمن أخذ مناح متعددة متداخله في بعضها البعض ولدرجة حيرت المنطق والعقل وضللت البصر والبصيرة ، خاصة لأولئك المراقبين والمتابعين للحالة اليمنية من مسافة بعيدة .
وعندما يقف الانسان في الزاوية الخاطئة فهو إذن لا يرى الا صورة مقلوبة او مشوهة او ناقصة ، فتكون الحصيلة لديه صورة هلامية مضللة غامضة كتلك الهيئة التي عبر عنها وزير الخارجية الامريكي ” جون كيري ” في مبادرته لحل الازمة في اليمن ، عقب اجتماع الرباعية في مدينة جدة نهاية اغسطس الماضي .
المواطن اليمني العادي ، بكل تأكيد ، صُدم مما اعلنه وزير خارجية ” ماما امريكا ” . ولا الومه بذلك ، فالمتحدث هنا يمثل أكبر دولة نفوذا وقوة ودبلوماسية وهيمنة ،ومع هذه الهيلمة والجبروت والسطوة على العالم بدت صورة جون كيري في موضع الجاهل الغبي الذي يتذاكى على معلمه الفطن النجيب .
فلأول مرة يكون الصراع في اليمن قائم على هذا المنحى الغريب والعجيب ، الذي ابتدعه الساسة الامريكيين ، ودونما المام او ادراك بحقيقة ان البلاد ليست مشكلتها الرئيسة طائفية محضة كي يصح التحدث عن اغلبية سنية في مواجهة أقلية شيعية مُضطَهَدة .
نعم ، فمعضلة هذه البلاد كامنة بفئة مارقة اختطفت الزيدية كمذهب وسطي معتدل وذلك قبل ان تتوسع وتتمدد وتتضخم فتستولي على الدولة ومقدراتها ومؤسساتها وسلاحها ، وبعيد خطفها للمذهب وسيطرتها على السلطة ، ارادت فرض نفوذها وسلطانها على كامل البلاد والعباد ، ما توجب من غالبية اليمنيين مواجهتها واسقاط مشروعها القديم الجديد .
صحيح ان الهضبة القبلية الزيدية استأثرت بحكم الشمال قرونا نيفت العشرة ، واحيانا توسعت اطماعها حتى وصلت حضرموت شرقا ، وبرغم هذا الاستئثار الفج والوقح يصعب القول ان الحرب المستعرة منذ نحو عامين منحصرة بين أغلبية سنية وبين اقلية شيعية ، أو انها جهوية خالصة بحيث يمكن تفسير المواجهة القائمة على اساس جنوبية شمالية او شمالية شمالية .
الواقع اننا إزاء معادلة مختلفة كليا عن أي حروب شهدتها القرون السابقة ، فمن جهة انها أخذت بعدا طائفيا وجهويا وقبليا بالنظر الى تحالف الحوثيين والمخلوع ، وان تم صبغه بطابع اوسع تمثل بمشاركة شكلية لعناصر جنوبية موالية للطرفين ، وكذا إذا ما نظرنا ايضا لما تحقق في المحافظة الجنوبية .
ومن جهة ثانية فهذه الحرب اخذت بعدا وطنيا واقليميا ودوليا ، وهو ما يجعلنا نؤكد انها حرب جامعة شاملة تعدت كل المفاهيم السياسية التقليدية التي لا يود الساسة المعتقين التعاطي معها بموضوعية وواقعية باعتبارها تؤسس لدولة اتحادية مختلفة كليا عن الدولتين الشطريتين وعن الدولة البسيطة التي فشلت في ان تكون واحدة وعادلة .
ما اخشاه هو ان تبقي الحرب محلك سر ، ما بقيت الغايات مختلفة ومتعددة ، واعتقد ان المضي خلف غايات متعددة لن يحقق الا التمزق والمزيد من التشرذم ، وهو ما يعني استدامة الحرب ، وإذا ما ظلت الحرب متوقدة دونما توقف او حسم ، فحتما ستجرنا الى مجاهيل مخيفة والى حروب ثانوية لم تكن قط بالحسبان .
وعلى هذا الاساس ينبغي ان تكون خياراتنا واضحة ومحددة وان كانت بعيدة وصعبة ، فما هو متوافر الان ان هناك دولة مازالت سلطاتها تتشكل رويدا رويدا ، ويستلزمها الكثير كي تنتقل من الافكار النظرية الى واقع مجسد ، ومع تعقيدات المشهد جنوبا وشمالا ، اعدها الخيار الانسب والمتاح والممكن ، على الاقل لمن قرا تاريخ هذه البلاد .