لهذا تحدث الأخطاء والتجاوزات الأمنية
ديسمبر 21, 2016
عدد المشاهدات 584
عدد التعليقات 0
صلاح السقلدي
لا يمكن أن يمارس الناس حياتهم الطبيعية في عدن – وفي أي مكان في العالم- باطمئنان ورويّـة خالصة إلا بوجود الأمن بواسطة مؤسسة أمنية رسمية نظامية , ولا يمكن لهذا الأمن أن يستتب ويترسخ بشكل مكتمل وجذري – أو أدنى من ذلك- إلا بوجد الهيئة القضائية والرقابية بما فيها بالطبع النيابات العامة. فبغياب القضاء بشكل كلي أو شبه كلي كما هو حاصل اليوم بعدن وبكثير من محافظات الجنوب تظل الخطوات الأمنية التي تتم لتثبيت الأمن وتستهدف تتبع العناصر الارهابية (التي كشّـرت أنيابها وأبرزت براثنها الناشبة بقوة بالآونة الأخيرة), والعناصر التخريبية الفوضوية مشوهة الصورة مهزوزة الثقة ،وتستغل بشكل سيء مِـن قبل مَـن لا يريد لهذا الوطن أن يعيش بسلم وسلام.
فالأمن بالأساس وفقا لقوانين كثير من دول العالم هو جهة ضبطية قضائية قبل أن يكون مؤسسة أمنية تملتك اسلحة واطقم عسكرية وعربات, وعمله مع الجهات القضائية هو عمل تكاملي يعتبر فيه الأمن همزة الوصل بين المجتمع وبين القضاء (النيابة) باعتبار -هذه الأخيرة- هيئة قضائية أساسية تربطها رابطة قانونية بالأجهزة الأمنية باعتبار الأمن جزء لا يمكن تجزئته عن القضاء بكل هيئاته ومنها بالأساس النيابات العامة, وتشرف- أي النيابة -كجهة رقابية عن عمل هذه الأجهزة , فضلا عن مهمتها بإقامة الدعوى العامة ومباشرة إجراءاتها أمام الجهات والمحاكم المختصة بذلك, والاشراف على عمل مأموري الضبط وفقا للقوانين النافذة كقانونَيّ الاجراءات المدنية والجزائية وغيرهما.
ولمــّا كانت الجهات القضائية والنيابات بدرجة أساسية غائبة اليوم في كثير من مدن ومحافظات الجنوب منذ بداية الحرب الأخيرة لأسباب مبررة وغير مبررة فقد كان من الطبيعي أن يشوب عمل الأمن شوائب كثيرة ويعتريه قصور واخطاء وتجاوزات كثيرة, منها على سبيل المثال لا للحصر افتقار الأمن للمصوغ القانوني لعمليات الاعتقالات وحالات الدهم الضرورية التي يقوم بها بين الحين والآخر لمنازل ومواقع العناصر المفترض انها خطرة على المجتمع مما يتسبب ذلك بحالة من السخط الشعبي عند كل حالة دهم تتضح بعضها انها كانت خطأ لأسباب مختلفة ( في عدن نموذج من ذلك) ما يعني ذلك إعراض المواطن عن التعاون مع هذه الأجهزة ،ما قد يصيب عمل الأمن بحالة من الارتباك باعتبار تعاون المواطن حجر الزاوية لنجاح العمل الأمني في كل الأحوال.
ضف الى ذلك أن ثمة جهات ذات مرام حزبية وسياسية تستغل مثل هكذا أخطاء وتجاوزات ،وتوظفها الوجهة السياسية والحزبية لها لتثبت بالتالي فشل هذه الاجهزة وفشل السلطات المحلية ككل. هذا علاوة على أن غياب الجهاز القضائي و جعل الاجهزة الأمنية وحيدة بالساحة يجعل على كاهلها كل الاعباء التي بسببها ترتكب اخطاء هنا وتجاوزات هناك بدون قصد في معظم الحالات -على ندرتها- منها على سبيل المثال إطالة فترة احتجاز المحتجزين لعدم الفصل بنفي أو ثبوت التهمة لغياب أو شلل الادوات والوسائل التي تؤدي للفصل بالحالات المحــّرز عليها. هذا علاوة على نشوء جهات غير نظامية تزعم بأنها أمنية وهي بالأصل مليشيات تفتقر لأدنى علوم العمل الأمني والقانوني وتمارس تجاوزات تحسب على المؤسسة الأمنية الرسمية, فضلا عن غياب الخطوات الاولية التي يفترض أن تقوم بها المؤسسة الأمنية من تحقيقات وتحريات وبحث جنائي وجمع استدلالات وادلة وغياب وتغييب عمل التكنيك الجنائي وغيرها من الإجراءات الأولية وذلك بسبب حالة الشلل التي تعتري الأمن لغياب الكوادر الأمنية المختصة والتهميش الذي تتعرض له من كثير من الجهات ذات الاجندة السياسية والرزنامة الحزبية الضيقة.
خلاصة القول ان الحالة الأمنية في الجنوب وفي عدن خصوصا لن يستقيم عودها إلا بتفعيل كل هيئاته واقسامه وتخصصاته بالتنسيق والتوازي مع عمل النيابات العامة وغيرها من الهيئات القضائية ذات العلاقة. فالمؤسستين الأمنية والقضائية جناحان لطائر واحد أسمه أمن الوطن المواطن وطمأنينته, وبغياب إحداهما أو كليهما لا يمكن له أن يطير ليشرف على استعادة باقي مناح الحياة وصورها, كون وجود الأمن في كل بلاد المعمورة- هو مفتاح الحياة وخيرها, وغيابه هو قفلها وشرها. بمعنى أوضح: الأمن هو مغلاقاً للشر ومفتاحا للخير والإيمان في كل زمان ومكان، بكل ما تحمله كلمتَـي أمن وأيمان من معانٍ ومدلولات مختلفة.! فهما أي الأمن والإيمان خصلتان متلازمتان, إحداهما توطن الأخرى وتأصلها, مع اسبقية الأولى على الثانية وفقا لرأي الكثير من الناس, حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم عند رؤيته الهلال قدّم الأمن على الأيمان بحديثه : ( اللهم أهِـلّـهُ علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام ).