كتاب عدن

بلاد ولدت من الخرافة !!

أغسطس 05, 2017
عدد المشاهدات 378
عدد التعليقات 0
محمد علي محسن

قيل بان وراء كل رجل عظيم هنالك ثمة امرأة عظيمة ، ولا ارى في قصة كوريا الجنوبية وعظمتها، غير انها نتاج امرأة جميلة ،اقترنت بابن السماء وفق اسطورة قديمة .

تقول الاسطورة بان نمر ودبة توسلا الاله ” هاوودنغ ” ابن السماء كي يحيلهما الى كائنين بشريين ، وامام توسلاتهما ودموعهما رضخ الاله لطلبهما شريطة ان يخضعان لامتحانه .

اعطي الاله الحيوانين الاثنين حزم الثوم، وطلب منهما ، المكوث في غيهب جب مظلم ولمئة يوم ، لكن النمر لم يحتمل البقاء في كنف ظلمة ورائحة الثوم الكريهة ، فلقد نفد صبره وبعيد ثلاثة اسابيع ، فيما الدبة تحملت كل العناء والمشقة حتى بلغت اليوم المئة ، فتحولت الى فتاة ناضخة بالحسن .

لكنها ، وبمضي الوقت ، بدأت تضيق من حياتها الجديدة ؛ فلجأت ثانية للإله أبن السماء كي يساعدها في التغلب على مشكلاتها ، فما كان منه الا ان هبط من السماء ليقترن بالفتاة . ومن تحول الاله والدبة الى انسانين ولد الشعب الكوري ، المثابر والصابر والخرافي ايضا .

قصة كوريا الجنوبية تماثل الحديث عن الخرافات الاسطورية الاغريقية القديمة ، فمن بلاد فقيرة ، الا من الجبال والحروب واهوالها ، الى واحدة من كبريات الدول الصناعية ، والى واحدة من الدول الديمقراطية الراسخة .

نعم ، نهضة صناعية وعلمية ، بدلت ذلكم البلد الاسيوي الصغير ، وخلال فترة لا تتعدى العقود الاربعة التالية ، لتاريخ البداية والانطلاقة الفعلية لهذا التحول المثير للإعجاب والدهشة معا . كيف لا ؟ فكوريا الحديثة المنبعثة من اكوام الخراب والرماد ، تشبه لحد ما ولادة طائر الفينيق الاسطوري المبعوث من ركام النار والرماد .

فيكفي الان رؤية هاتف ” جلاكسي ” في يد طفل امريكي او فرنسي او هندي ، ليدرك الانسان ان مصدر هذه التقنية الساحرة للألباب ،هو كوريا الجنوبية ،الجزيرة الواقعة في اقصى الشرق .

لا احدثكم هنا عن ملايين السيارات الانيقة ” هونداي ” المشاهدة يوميا في شوارعنا ، ولا عن شركة ” إل جي ” عملاقة الصناعة المنزلية العالمية الحاضرة بمنتجاتها الفاخرة الموجودة في كل سوق وبيت ومتجر .

فقط يمكنني التكلم وبحسرة والم عن واقعنا الوطني والعربي التعيسين ، مقارنة بكوريا البلاد التي لم تنضم للأمم المتحدة ،غير نهاية حقبة السبعينات ، وبعيد عقد واحد فقط ،على فاتحة تحولها على يد جنرال عسكري وصل الى السلطة ،على ظهر دبابة ، وفي اول انقلاب عسكري ، يحسب له تغيير وطن وشعب ، وفي وقت قصير وقصة خرافية تماثل قصة زواج ابن السماء والدبة .

فلم تعرف كوريا الجنوبية الديمقراطية سواء نهاية الثمانينات ، فمنذ تاريخ انفصالها عن كوريا الشمالية عام 48م وكوريا الجنوبية واقعة تحت قبضة الحكام العسكريين الذين لا يختلفون كثيرا عن القادة العسكريين في دول ما سمي بالعالم الثالث ، وطبعا الدول العربية مجتمعه ضمن هذا العالم المتخلف اقتصاديا وسياسيا وصناعيا وحقوقيا وديمقراطيا .

 الرئيس ” روه ” ، الحاكم المتخلف الذي حكم كوريا الجنوبية ، منذ ما بعد انتهاء الحرب الكورية وحتى مطلع الستينات ،حين تم عزله بانقلاب عسكري ، في مايو 61م ،وقاده الجنرال العسكري المستنير والفريد ” بارك شانج “، الذي يعتبره الكوريين ،مفتاح السر في نهضة بلدهم ، وفي تحول مساره من بلد زراعي فقير الى دولة تزاحم الكبار في مختلف المناحي الاقتصادية والثقافية والعلمية والرياضية والتكنولوجية .

فمن بقايا صناعات قديمة تركتها خلفها او باعتها الاسر الغنية اليابانية ، قدر لكوريا ولوج عالم الصناعة والمصنعين ، بل واكثر، اذ تفوقت شركاتها مثل ” سامسونج  ” و ” ال جي ” على الشركتين الام ” سانيو ” و ” جولد ستار ” .

ما يثير حنقي ، هو اننا ورغم عجزنا الفاضح ، مازلنا نجيد اختلاق الاعذار والمبررات وبشكل وقح ومستفز لكل ذي بصر وصيرة ، فبدلا من تكون قصة كوريا او سنغافورة او ماليزيا او تركيا ا الصين او الهند  ، مدعاة للإلهام والتأثير فينا ، رحنا موظفين مواردنا – وما اكثرها – في صراعات عنيفة ، وفي ابتداع ادوات تدميرية ، وفي خلافات وازمات شخصية لا ترتقي لمصاف القضايا الوطنية او القومية ، وفي تفاهات الحكام ونزواتهم الغريبة المبددة لآمال مجتمعاتهم في اللحاق بركب الحضارة والتأثير فيها اسوة بالأمم الناهضة الأخرى.

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى