ادب وثقافة

قراءة وتحليل لقصيدة “أشرعة العراء” للشاعر الفلسطيني “صالح أحمد كناعنة”

أكتوبر 02, 2018
عدد المشاهدات 920
عدد التعليقات 1
قراءة وتحليللقصيدة “أشرعة العراء” للشاعر الفلسطيني “صالح أحمد كناعنة”

 بقلم الأديب والناقد المصري الأستاذ”هيثم رفعت”
نص القصيدة:
///

أشرِعَةُ العَراء
شعر: صالحأحمد (كناعنة)
///
فتّشتُ عنيَومي فقادَتني المرايا للعيونِ الساهِراتِ على الوجَع
لا شَيءَ يُشبِهُنيهُنا!
لا شَيءَيُقنِعُني هُناك!
كيفَانزَلَقتُ إلى السّرابِ أنا الذي ما زلتُ أبحَثُ عَن حُروفٍ
أستَطيعُ بأنأصوغَ بِها أناشيدَ انطِلاقي كَي أرى…
شمسًا بحجميدي، وأمنِيَةً بحَجمِ بَراءَتي…
والريحُتجمَعُني، وأتبَعُها، وتَسحَبُني إلى…
أفُقٍ علىعَطَشٍ تَغَرَّبَ عن ملامِحِهِ ليبحَثَ عَن غَدٍ؟!
ويَصُدُّهاعنّي اختلاطُ الواقِفينَ على نَواصي المَوجِ…
ثمَّ يرُدُّنيلجُنونِها عطَشٌ، وما في الموجِ مِن نَجوى الزّبَد.
..
كيفَانزَلَقتُ إلى النّهاياتِ الغَريبَةِ أيُّها الحبُّ الذي…
ما زِلتُأبحَثُ عن خيوطِ شُروقِهِ…
ليكونَ ليصَدرًا ومَرفَأ؟
كلُّالمَفارِقِ للغُروبِ تَشُدُّني، وأنا الذي…
ما زِلتُأبحَثُ عَن شروقٍ ما يُفَجِّرُ فيَّ إنسانَ البِدايَة!
وتكونُ ليلُغَةٌ
وأكونُأغنِيَةً
وأحسُّ ليشَفَةً
تقتاتُ مِنشَغَفي
لتَصيرَ ليصِفَةٌ
وأعودُ أبحَثُعَن يَدي في لُجَةٍ…
أعتى مِنَالحُلُمِ الذي عاقَرتُهُ.. وأضَلَّني…
فغَدَوتُحَرفًا حَنَّطوه!
هذا صَداهُبلا جَسَد!
..
يا مَهبِطَالأحلامِ مِن وَجَعِ الصّدى
هل في المدىجِهَةٌ بلونِ ملامِحي؟
 
وجهي الغُروبُومعصَمي شفَقٌ أوى
وَجَعَالنَّشيدِ على جُنونِ جَوارِحي
 
عينايَسارِيَةٌ تخافُ مِنَ الهَوى
حتى مَوالأهواءُ كُنَّ مَسارِحي
 
بحثًا عَنالأبعادِ أهذي والرُّؤى
ريحٌ…سأوقِدُ شُعلَةً لجَوانِحي
 
وأعودُ أبحَثُعن مَفاتيحي التي غَرِقَت…
بِمَوجٍ مااهتَدَيتُ لسِرِّهِ..
ويجيئُنيغضَبًا على غَضَبٍ وأشرِعَتي العَراءُ..
وَمَوطِئيزِبَدٌ… وقَد وَزَّعتُ أعضائي على
جُدُرِالتَّنائي، والتّجافي، والتَّشَرذُمِ، واللَّهَب…
..
ظِلٌّ يَدي..
غَيبٌ غَدي..
لا حَرفَ ليآوي إليهِ لأتّقي
شرَّانفِصامي، واختِلافَ مَلامِحي!
كلُّ الحُروفِتَصُدُّني!
هَل أتّقيها؟
أم تُرانيأتّقي كَفّي التي عَقَّت يَدي؟
::::: صالحاحمد (كناعنىة) :::::
***
قراءة وتحليلالقصيدة بقلم الأستاذ “هيثم رفعت”

///
عرض شعري مبهريمثل تلك الكلمات الراقصة على مسرح الورقة بلحن شجي وعازف متنوع لفنون المجاز عبرالنظر إلى الخلف واسترجاع ما كان لمقابلة الحاضر من جديد
وهنا قدمشاعرنا النص الذي يشبع خيال القارئ وكان هذا النص كبحر شاسع يجدف فيه عقل ووجدانذلك القارئ حيث يشاء وهنا تظهر جمالية قابلية النص للتأويل- و إن غلب عليه النمطالوجداني – وبكل الانعكاسات الدلالية لرحلة المتن حيث استهلها شاعرنا بعنوان كاناللافتة المختزلة المعبرة عنه ، أشرعة العراء : الشراع أداة للتوجية ولكنها مغلوبةعلى أمرها و بحاجة إلى قوة تحركها أو تدفعها ، العراء مكان مفتوح محفوف بالمخاطر -ملكيته للعدم – وهنا لخص لنا شاعرنا الرحلة الانسانية في جملة مركبة مشعة بالحقيقةوالمعنى
من أدب الحكمةو الفلسفة وما أشرف ذلك من مداد .
و المفلتللنظر في هذا النص طريقة صياغته وذلك التنوع الفني لأنماط الشعر و هذه الصياغةتساهم في انتاج المعنى لأنها تعكس الرغبة الداخلية لوجدان شاعرنا في جمع الشتاتبالمفهوم الضيق والواسع ، الضيق أن الشعر كيان واحد و هو نبض الحقيقة مهما كان شكلذلك الوريد الذي يتدفق منه ،و المعنى الواسع يمثل الرغبة الملحة لجمع من تفرقوابلا سبب منطقي مفهوم وهو حال أوطاننا أو شعوبنا – (أفُقٍ على عَطَشٍ تَغَرَّبَ عنملامِحِهِ ليبحَثَ عَن غَدٍ؟!
ويَصُدُّهاعنّي اختلاطُ الواقِفينَ على نَواصي المَوجِ…))
و ما مثل ذلكمن قبول الاختلاف و امكانية العيش المشترك و هذا كله يعكس وجع شاعرنا الذي يعرفجيداً أن الفرقة هي راية الهلاك والفناء وفوق هذا كان هذا التشكيل الوجداني يمثللهيب العاطفة ومرارة التجارب التي أدت إلى الفقد و الضياع.
ويمكننا أننلاحظ أيضاً جمالية العرض التصوير الفني الذي بدأ من الداخل إلى الخارج وعاد مرةأخرى من حيث بدأ في خارطة كتابية دائرية الشكل
حيث بدأ هكذا:
-فتّشتُ عن يَومي …
ليتصاعدالايقاع النصي أكثر :
كيفَانزَلَقتُ إلى السّرابِ ((أنا ))الذي ما زلتُ أبحَثُ عَن حُروفٍ
وكرر السؤالباختلاف الدفة الدلالية :
كيفَانزَلَقتُ إلى النّهاياتِ الغَريبَةِ (( أيُّها الحبُّ ))الذي….الخ
ونلاحظ تناسبوتناغم كل محطة نصية على حدة فمثلا عندما تحدث مع أو عن الحب اختار السرد الرشيقالمختزل الناعم العرض :
ما زِلتُأبحَثُ عن خيوطِ شُروقِهِ…
ليكونَ ليصَدرًا ومَرفَأ؟
كلُّالمَفارِقِ للغُروبِ تَشُدُّني، وأنا الذي…
ما زِلتُأبحَثُ عَن شروقٍ ما يُفَجِّرُ فيَّ إنسانَ البِدايَة!
وتكونُ ليلُغَةٌ
وأكونُأغنِيَةً
وأحسُّ ليشَفَةً
تقتاتُ مِنشَغَفي
لتَصيرَ ليصِفَةٌ
وأعودُ أبحَثُعَن يَدي في لُجَةٍ…
أعتى مِنَالحُلُمِ الذي عاقَرتُهُ.. وأضَلَّني…
فغَدَوتُحَرفًا حَنَّطوه!
هذا صَداهُبلا جَسَد!
 
ونلاحظ أنالحيز الدلالي انطلق من ذات الشاعر إلى كل ما يحيط به ثم عاد من جديد إلى ذاته فيختام النص وكأنه يقول لنا أن رحلته في دائرة مفرغة
و أنه سيظلعلى ذمة الريح في قفلة النص الواهجة والأروع في النص :
ظِلٌّ يَدي..
غَيبٌ غَدي..
 
– أي روعة هذه ؟
وهنا بدايةالاستغراق مجدداً في العمق أو الذات وفوق هذا الطاقات الايحائية اللانهائية التيفجرها هنا يده هي ملك له – تكرر ذكرها ثلاث مرات في النص للتأكيد وللربط و لجرسالدلالة – ورغم هذا لايملك ظلها أو بمعنى أدق كيف سيفسر القدر ذلك الظل و هذاالمعنى يفتح شهية التأويل وما تحمله العبارة من رسائل سامية أننا مطالبون بالسببلا بالنتيجة مهما كانت العواقب أو أمواج الحسرة والضياع :
 
لا حَرفَ ليآوي إليهِ لأتّقي
شرَّانفِصامي، واختِلافَ مَلامِحي!
كلُّ الحُروفِتَصُدُّني!
هَل أتّقيها؟
أم تُرانيأتّقي كَفّي التي عَقَّت يَدي؟
 
والحقيقة أنالنص مكتظ بفنون وجماليات الشعر الرفيع المقام بما لا تكفيه هذه الاطلالةالمتواضعة و ليسمح لي أستاذي أن أهديه هذه الهدية المتواضعة فقد ذكرني النص بها
دامت قناديلمحبرتك الأفلاطونية الساحرة
بك الشعر أروع

هيثم رفعت / القاهرة

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى