قراءة في قصيدة / مسافات الألم / للشاعرة : منى كامل بطرس – كندا .
سبتمبر 17, 2021
عدد المشاهدات 289
عدد التعليقات 0
تجلّيات اللغة في القصيدة السرديّة التعبيريّة
الكيانات الجمالية العميقة
قراءة في قصيدة / مسافات الألم / للشاعرة : منى كامل بطرس – كندا .
بقلم : كريم عبدالله– بغداد – العراق 16/9/2021 .
يقول سركون بولص : ونحن حين نقول قصيدة النثر فهذا تعبير خاطئ , لأنّ قصيدة النثر في الشعر الأوربي هي شيء آخر , وفي الشعر العربي عندما نقول نتحدث عن قصيدة مقطّعة وهي مجرّد تسمية خاطئة , وأنا أسمّي هذا الشعر الذي أكتبه بالشعر الحرّ , كما كان يكتبه إليوت و أودن وكما كان يكتبه شعراء كثيرون في العالم . واذا كانت تسميتها قصيدة النثر , فأنت تبدي جهلك , لأنّ قصيدة النثر هي التي كان يكتبها بودلير ورامبو ومالارميه , أي قصيدة غير مقطّعة . من هنا بدأنا نحن واستلهمنا فكرة القصيدة / السرديّة التعبيريّة / بالاتكاء على مفهوم هندسة قصيدة النثر ومن ثمّ التمرّد والشروع في كتابة قصيدة مغايرة لما يُكتب من ضجيج كثير بدعوى قصيدة نثر وهي بريئة كل البراءة من هذا الاّ القليل ممن أوفى لها حسبما يعتقد / وهي غير قصيدة نثر / وأبدع فيها ايما ابداع وتميّز , ونقصد انّ ما يُكتب اليوم انما هو نصّ حرّ بعيد كل البُعد عن قصيدة النثر . انّ القصيدة السرديّة التعبيريّة تتكون من مفردتي / السرد – التعبير / ويخطئ كثيرا مَن يتصور أنّ السرد الذي نقصده هو السرد الحكائي – القصصي , وأنّ التعبير نقصد به الأنشاء والتعبير عن الأشياء . انّ السرد الذي نقصده انما هو السرد الممانع للسرد أي انّه السرد بقصد الإيحاء والرمز والخيال الطاغي واللغة العذبة والأنزياحات اللغويّة العظيمة وتعمّد الأبهار ولا نقصد منها الحكاية أو الوصف, أما مفهوم التعبيريّة فأنّه مأخوذ من المدرسة التعبيريّة والتي تتحدث عن العواطف والمشاعر المتأججة والأحاسيس المرهفة , اي التي تتحدث عن الآلآم العظيمة والمشاعر العميقة وما تثيره الأحداث والأشياء في الذات الإنسانية . انّ ما تشترك به القصيدة السرديّة التعبيريّة وقصيدة النثر هو جعلهما النثر الغاية والوسيلة للوصول الى شعرية عالية وجديدة . انّ القصيدة السرديّة التعبيريّة هي قصيدة لا تعتمد على العروض والأوزان والقافية الموحّدة ولا التشطير ووضع الفواصل والنقاط الكثيرة او وضع الفراغات بين الفقرات النصيّة وانّما تسترسل في فقراتها النصيّة المتلاحقة والمتراصة مع بعضها وكأنّها قطعة نثريّة . أنّ القصيدة السرديّة التعبيريّة هي غيمة حبلى مثقلة بالمشاعر المتأججة والأحاسيس المرهفة ترمي حملها على الأرض الجرّداء فتخضّر الروح دون عناء أو مشقّة .
وسعياً منّا الى ترسيخ مفهوم القصيدة السرديّة التعبيريّة قمنا بأنشاء موقع الكترونيّ على ( الفيس بوك ) العام 2015 ,اعلنا فيه عن ولادة هذه القصيدة والتي سرعان ما انتشرت على مساحة واسعة من أرضنا العربية ثم ما لبثت أنّ انشرت عالمياً في القارات الأخرى وانبرى لها كتّاب كانوا أوفياء لها وأثبتوا جدارتهم في كتابة هذه القصيدة وأكّدوا على أحقيتها في الانتشار وانطلاقها الى آفاق بعيدة وعالية . فصدرت مجاميع شعرية تحمل سمات هذه القصيدة الجديدة في أكثر من بلد عربي وكذلك مجاميع شعرية في أميركا والهند وافريقيا واميركا اللاتينية وأوربا وصار لها روّاد وعشّاق يدافعون عنها ويتمسّكون بجماليتها ويحافظون على تطويرها .
سنتحدث تباعاً عن تجلّيات هذه اللغة حسبما يُنشر في مجموعة السرد التعبيري – مؤسسة تجديد الأدبيّة – الفرع العربي , ولتكن هذه المقالات ضياء يهتدي به كل مَنْ يريد التحليق بعيدا في سماوات السردية التعبيرية .
لقد حاولت الشاعرة : / منى كامل بطرس / ومن خلال قصيدتها السرديّة التعبيريّة / مسافات الألم / أن تلتقط تلك الصور الشعرية العميقة القابعة في أعماق الذات , وأن تتسلسل هذه الصور بعفوية محمّلة بالأفكار والثُقل الشعوري العنيف , وكأنّها استخرجتها من نهر عميق يغلي نتيجة المعاناة والألم والفجيعة , فجاءت وكأنّها نهر عذب هادئ حاولت الإمساك بأمواجه المتلاطمة وترويضه واستخراج ما فيه ومزجه مع صفاء الروح الشاعرة , فجاءت كياناته كأضواء الشمس وهي تلهث فوق بركان المشاعر والاحاسيس المرهفة . لقد بعثت في مفرداتها طاقات جمالية وحمّلتا لكياناتها النصيّة العميقة , أي أنّ كل مقطع بثتّ فيه طاقات جمالية مختفية وراءها لا يمكن استخراجها ما لم يكن هناك قارئ مبدع يمتلك ذائقة ابداعية تمكّنه من استنطاقها واستشراف ما فيها من جماليات كثيرة . لقد جعلت الشاعرة / منى كامل بطرس / من عنوانها الملفت للنظر والمثير للكثير من التساؤلات والتأويل / مسافات الألم / مفتاحا للدخول الى عالمها الشعري والإنصات الى صراخ الروح ورؤية عوالمها الداخلية , أن عنوان القصيدة يحمل دلالات تعبيرية وثُقل جمالي متمثّلا بتعظيم طاقات اللغة التي تكشف عن شعوري عميق ومعرفة ودراية باللغة السرديّة التعبيريّة لدى الشاعرة , هذا العنوان هو عبارة عن قصيدة تعبيريّة كاملة , يجد فيه المتلقي متنفساً يبعث فيه الدهشة ويفتح لديه ابوابا كثيرة للتأويل . تبدأ الشاعرة قصيدتها بإشارات زمانية – كيان جمالي عميق / بين رحيل ومكوث / لتهيئ المتلقي للسفر معها في رحلة الألم والغربة والجمال , ثم تردف بكيان جمالي آخر وبإشارات مكانية / تلك البعيدة ما بين ضباب وسُحب / لتصوّر لنا كمية الصراع النفسي التي تعانيه وتشعر بثقله على ذاتها المتشظّية , وتحاول ان تصف لنا هذا الألم المتجذّر في أعماقها , فنقرأ لها كياناً جمالياً آخر / بماذا أصف تلك البقعة الجاثمة فوق قلب الزمن ..؟!! / , حيث تحاول هنا أن تنقل الينا هذا الشعور التأثيري العميق بلغة تعبيريّة مثيرة , ونقرا أيضا ومن خلال كيان جمالي عميق / اقدامها مغروسة في أعماق التراب / , هذا الثُقل الشعوري والنقلة التأثيرية بالموجهات الدلالية , لا لشيء سوى اضفاء بُعد تعبيري وجمالي , وتستمر الشاعرة في رسم كياناتها الجمالية العميق , وكأنّها تريدنا أن نرى بوضوح اعماقها البعيدة ونتحسس عمق آلامها وثُقل اوجاعها , فتوقل / جبينها ضارب بسحر الخيال , انفاسها توقّدت من حرقة الأعماق / , وتعود لترسم لنا كياناً جمالياً اخر نتيجة شعورها العميق بطاقات اللغة المنبعثة من اعماقها القصيّة / سكون من صمت رهيب يسامرها عن بُعد ابكم , همهمات مُتعبة من ضجيج الروح , حلمٌ , أفكار مبعثرة تملأ فضاءات الانتظار / , ونقرأ ايضا كياناً جمالياً آخر تحاول من خلاله ان توظف اللغة لأجل بُعد تعبيري عميق يتناغم مع عوالمها الشعرية العميق / احزان مكبّلة ما بين البوح ونذير الصراخ !! , عالم ازدواجي متردد الخطوات ما بين نداء القلب وقسوة الكبرياء / , وتتجلّى روح الشاعرة نتيجة ادراكها بالقدرة التأثيرية ومعرفتها بجماليتها وعمقها من خلال كيانات جمالية اخرى / فوق صخرة العناد أمطرت نداءات السُحب نيراناً أحرقت بقايا متعبة في ليل السكون / , وتجرّد لغتها الى أبعد تجريد وتعيد استنطاقها بطريقة مدهشة عن طريق هذه الكيانات الجمالية الفذّة / مكبّل بسلاسل الفقد , نادى , أرحلي , ارحلي , فالغيم بذاك الكهف المجنون وملكة العشق السرمدي كادت تموت ..!! / . من خلال البُعد التعبيري والقاموسي لدى الشاعرة / منى كامل بطرس / , احسسنا بوصول الرسالة وبوحها , وكذلك بجمالية لغتها السرديّة التعبيريّة و وخلقت لنا مزاجاً نفسيا شعوريا اثارت من خلاله التوق لدى المتلقي ان يتفاعل معها تفاعلا ايجابيا منتجاً , وعمدت الى تطرّف شعوري وبوح اقصى تجلّت من خلاله جماليات اللغة السردية التعبيرية في قصيدتها هذه / مسافات الالم / .
القصيدة :
مسافات الألم
بين رحيلٍ ومكوث , تلك البعيدة ما بين ضبابٍ وسُحب , بماذا أصفُ تلك البقعة الجاثمة فوق قلب الزمن !؟أقدامها مغروسة في أعماق التراب , جبينها ضاربٌ بسحر الخيال , أنفاسها توقّدت من حرقة الأعماق ! سكونٌ من صمتٍ رهيب يسامرها عن بُعدٍ أبكم ! همهمات مُتعَبة من ضجيج الروح , حُلُم , أفكار مُبعثرة تملأ فضاءات الانتظار , أحزان مُكبّلة ما بين البوح ونذير الصراخ!! عالمٌ ازدواجي متردد الخطوات ما بين نداء القلب وقسوة الكبرياء ! فوق صخرة العناد أمطرت نداءات السُحُب نيراناً أحرقت بقايا مُتعَبة في ليل السكون , مُكَبّلٌ بسلاسل الفقدِ , نادى ,! ارحلي , ارحلي فالغيم بذاكَ الكهفِ المجنون وملكة العشق السرمدّي كادت تموت !!! .
الكاتبة منى كامل بطرس