بعد الغروب
أبريل 12, 2018
عدد المشاهدات 968
عدد التعليقات 0
بعد الغروب
للأستاذ حسين المهداوي
تعقيب إيناس ثابت
لا أريد لأحبابي
أنيتحدَّثوا عن موتٍ
قبل القيامة
وعن نورٍ توارى
خلف نافذتي في الظلام
لا أريد لأحبابي
أن يتحدَّثوا
عن سنونوات مهاجرة
من بلاد البلاء
وعن أعشاش لم تعد تبنيها
في دنيا الأنام
فداري في هاتيك الديار
لم تعد كوخا
قتلتنا الغربة يا حبيبي
وتورطنا حتى العظام
يد دافئة وكريمة امتدت نحوي منذ أيام قليلة، تنقذني منوحدتي وتهديني”بعد الغروب”، مع مودتي الصادقة وشكري الجزيل. كتاب خطته أنامل يد مخضبة بدم القلب ودموعالعين، وعنوان مميز يترك صدى في الذاكرة، عن حياة تنقضي وشمس في طريقها للأفول،ليردنا إلى الزمن الصبيح في “كفر بولين”.. زمن محمد عبد الحليم عبدالله،تغمَّده الله بواسع رحمته ورضوانه.
للوهلة الأولىبدا لي كأن الكتاب مجموعة قصصية قصيرة من وحي الكاتب وخياله. وحينما أنهيت قراءتهعلى مدى يومين..؟ وجدت دموعي تغسل وجنتي، وهو يرافقنا ويتجول بنا في محطات عمره،لا يكاد يرتاح قليلا من عناء السفر، حتى يستأنف رحلته باتجاه تيه جديد.
الكتاب ليس عملا روائيا، بل هو أشبه بالمذكرات والسيرةالشخصية للكاتب، وخلاصة تجاربه وعصارة عمره في أدق التفاصيل، دوَّنها الكاتبالصديق حسين المهداوي بتواضع ملحوظ، وصراحة تفيض بالضنى والشجن، والحنين إلىالأيام الخوالي.. حد القهر والندم والإيلام الشديد.
وحينما أتناولالمؤلف والكتاب..؟ فمن موقع القارئة وحسب، بعيدة تماما عن نقد لست مؤهلة له أويمكنني أن أدانيه. ليبقى المضمون فياعتقادي شديد الوضوح، ولا يعدو أن يكون إلاَّ إرثا عائليا، أهداه إلى روح زوجتهالتي رحلت منذ عهد قريب، وهكذا يشارك القارىء أهم مراحل حياته، وخواطره وأفكارهوانسجامه مع ذاته، ولو لم يعتمد الدقة في تسلسل الأحداث، لتأتي معبرةعن اضطراب خواطره.
تتحدث معظم فصول الكتاب عن علاقته المتينة بزوجته الراحلة،ومعاناتها مع مرض لئيم انتزعها باكرا من أسرتها المفجوعة، وما انعكس من الإحساس المؤلم عليه وعلىسائر أفراد الأسرة الموجوعة، الموت الذي شكل له صدمة شديدة، وخيبة أمل في الحياةونقمة على الموت، من خلال تكراره عبارة ” جريمة الوجود”، ويبقى من فصولالكتاب الأهم في اعتقادي..؟ وميض طفولة الكاتب في موطنه ودراسته ونجاحه، وتداعياتغزو الكويت، والهجرة بعد الحرب المنكرة على العراق، والويلات المتلاحقة على بلاد الرافدين.
لكن الملاحظة الأبرز تجلت في وفاة زوجته، والحرب اللئيمة “وطشاري”العراقيين عن موطنهم، وما عانوه من القسوة والتيه. هذان الحدثان أثرا في حياةالكاتب، وخالطا دمه وكيانه كله ليشكلا معظم أجزاء الكتاب. في الفصل الرابع يتحدثالكاتب عن طائر مصاب يحتضن طائرا آخر، والمشهد ينقلنا إلى الفصل الأخير واللحظاتالحاسمة من رحيل زوجته، أما مشهد “مجزرة الطيور الجماعية” في الفصلالثامن، فينقلنا إلى الفصلين العاشر والحادي عشر ومجازر الحروب وآثارها المدمرة.
وهكذا يمكن أن نشير إلى أن أهم الشخصيات التي تضمنهاالكتاب: الكاتب نفسه وهو صاحب الشخصية البسيطة المتسامحة والطِّيْبَة الظاهرةللعيان، التي تنأى بصاحبها عن العدوانية والشرور. وهو في الجانب الآخر متيم وعاشقوصاحب مشاعر فياضة ملتهبة. وأما الزوجة الراحلة فيبدو بوضوح، أنها ذات شخصية فذة وإرادةصلبة لا تخضع ولا تلين، أما الأخ الأكبر فهو نموذج الشخصية المثقفة، المستحكمةبتأثير عمره.
رغم الحزن والأسى والحنين في معظم فصول الكتاب، إلا أنهلا يخلو من ومضات مضيئة، وصوت أمل أطلقه الكاتب وخبأه بين صفحات كتابه وهو يقول:لا تحزني أيتها الشجرة الصديقة، لا تحزني أبدا سيعود الربيع بأوراقه اليانعة وتشرقالشمس على الكون، لتدب الحياة في أوصالالكائنات، وسوف تأتيك العصافير والحساسين تترنم بأنشودة الحياة والحب وربيع يخضوضر من جديد.
يقع الكتاب في تسع وثمانين صفحة، ويحتوي على اثني عشرفصلا، وقد أصدرته دار نشر فيشون ميديا في السويد، وريشة الفنانة الملفتة إيفانحكمت، هي التي تولّت تصميم الغلاف.