ادب وثقافة

تِرَاجِيديَا الذَّاتِ الشَّاعِرَةِ قِرَاءَةٌ فِي نَصِّ (عَذَابَاتُ هَامْلِتْ) للشَّاعِر صَابِر حِجَازِي

مارس 07, 2018
عدد المشاهدات 1053
عدد التعليقات 0
بقلم – عادل سعد 

النص:- 
عذابات هاملت
   ***********

أوفيليا
يا حب العمر
يا جرح الصمت
ما أشهى أن ننسي الدنيا
في لحظة صدق
ما أشهي أن ننسي 
 آنا نحيا
في زمن الـزيف
زمـن الـكبت
ما عادت تحيينا الكلمات
وصرنا
أغرابا في الأرض

***
أوفيليا

يا لحن القلب
يا أطهر أغنية في صمت الدرب
في كل صباح
تتفتح في روحي المشتاقة للنور
أحلام العمر المقهور
لـو تمتد اليد
تعصر بين  الديجور
إنسان الغد
لـو كان الإنسان…
الإنسان 
يطوى الخوف الزائف
ويجازف
أن يحيا – يوما – بالحب

***

أوفيليا
ما أشهي أن ننسي الدنيا
في لحظة صدق
لكن الحب يعود يمر علي حد السيف
– من ينقذ قلبي من هذا الخوف –

يا أوفيليا

ضاعت أوفيليا في جوف الليل
وانسرق الحلم
تشتاق الروح إلي النور
تشتاق الروح إلي النور
..      ..     ..     ..

تسقط أوفيليا في عمق النهر
يبلعها الديجور 
———————————
 – هي حبيبة هاملت في مسرحية شكسبير
  Ophblia أوفيليا –
 مأساة هاملت – Hamlet Tragedy-

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

في هذا النص القصير يعتمد الشاعر على نظام فني يقوم على بنية السياق المتدرج في التنامي عبر مرموزية (هاملت )و(أوفليا ) يمكن تسميته بالنسق المناجاتي المتدرج ، عبر إيحائية شعرية تستند لبوح شعري معبر عن (عذابات هاملت) وهو العنوان الرئيس للنص، وعبر هذه الترسيمة نجد أن الشاعر يعبر عن حالة الفقد بمقدرة عالية في استثمار المفردة ذات الظلال الموحية. والتي تتضافر مع الرؤية الجمالية الكلية للنص، ودلالته على المستوى الإنساني. 
ينهض النص في استهلال المناجاتي على تعارض زمنين زمن يعرفه الشاعر وينتمي له وهو زمن الصدق و زمن يحاول الفكاك من أسره وهو الكبت / الزيف بين تعارض الأزمنة ماض  /  حاضر، بهذا التوتر تتخلق تراجيديا الشاعر الخاصة.
ماضي يحمل كل البراءات، الزمن المعبر عن حالة الحب/ الحلم، زمن يوحي بثراء العلاقة، زمن الاستغراق الكلي في المحبوب، بل حالة فناء محض ينسى عبره الشاعر هذه الدنيا، لكن هذا النسيان ليس هو النسيان بل نسيان يعمل على خلق الحياة وانباتها  في تربة الصدق، وهنا يتشكل النسيان كإرادة واعية للحياة.
حاضر  يحيل إلى معاناة الشاعر فيه، حاضر الزيف، الكبت والخوف، حاضر تفقد الكلمات مقدرتها على الإحياء، وتسلم الكون الوجداني لدى الشاعر للعماء، إذ نلحظ أن الشعر بالنسبة للشاعر هو الوجود المتعين في المحبوبة(أُوفِيلْيَا) التي تشكل تقاطع الأزمنة.
هذا الفراغ الهائل الذي خلفه الغياب، الفراغ المتسائل عن المعنى في البَعْد، في الآتي في ليل الغربة   

أُوفِيلْيَا 
يَا حُبَّ الْعُمْر
يَا جُرْحَ الصَّمتْ
مَا أَشْهَى أَنْ نَنْسَى الدُّنْيَا
فِي لَحْظَةِ صِدْقٍ
مَا أَشْهَى أَنْ نَنْسَى 
 أنْ نَحْيَا
فِي زَمَنِ الـزَّيْفِ
زَمَـنِ الْـكَبتْ
مَا عَادَتْ تُحْيِينَا الْكَلِمَاتُ
وَصِرْنَا
أَغْرَابَاً فِي الأَرْضِ

نلحظ من خلال النمو المناجاتي المتدرج انكشاف الأعماق الجليلة لحالة الحب عبر ترسيم الشاعر أصداء الالتياع ووطأة الفقد. وهي ترين على روح الشاعر التي تتفتح فيها الأغنية مشتاقة للنور للمستقبل الذي يخرج من ركام الأزمنة. 

أُوفِيلْيَا 
يَا لَحْنَ الْقَلبْ
يِا أَطْهَرَ أُغْنِيَةٍ فِي صَمْتِ الدَّربْ
فِي كُلِّ صَبَاحٍ
تِتَفَتَّحُ فِي رُوحِي الْمُشْتَاقَةِ للنُّورْ
أَحْلامَ الْعُمْرِ الْمَقْهُورْ

يستثمر الشاعر مشهدية جوانية تتمركز في النداء المستمر من بداية النص  (يا حب العمر- يا جرح الصمت – يا لحن القلب – يا أطهر أغنية في صمت الدرب…)، بهذه الصورة التي تقوم على اللغة الانفعالية يحاول الشاعر اشراكنا في النص من خلال هذا التتابع الانفعالي ( تمتد – تعصر – يطوى – يجازف – يحيا) هذه الجمل الفعلية تتميز بدينامية عالية تحمل محاولة الشاعر الانعتاق مما هو راهني، ليس هذا فحسب بل هي محملة بأفكار الشاعر ورؤاه، وهذا المركب الجُملي هو لحمة وسداة الخطاب الشعري. 

لـَوْ تَمْتَدَّ الْيَدْ
تَعْصُرْ بِيْنَ  الدَّيْجُورْ
إنْسَانَ الْغدْ
لـَوْ كَانَ الإِنْسَانُ…
الإِنْسَانُ 
يَطْوِى الْخَوْفَ الزَّائِفَ
وَيُجَازِفُ
أَنْ يَحْيَا – يَوْمَاً – بِالْحُبِّ

يصَّاعد النص الشعري متجاوزاً الزمن الآني، لعودة زمن الحب ، زمن الحب المسور بالخوف بالمرور بشفرة الآن، ليشكل الاستفهام  العلامي الأكبر من ينقذ قلبه  من الخوف؟ واٌجابة هي اوفيليا نفسها، أوفيليا في علامتها الكبرى، إذ هي بالطبع ليست معشوقة هاملت التي نعرفها في سردية الحب الشكسبيري، إذ لا يخفى علينا أن شكسبير على عظمه قدَّم صورة مهيضة ومنتقصة للمرأة حيث إنها تحضر في مسرحياته  المختلفة باعتبارها أساس كل الشر والإثم في العالم.
 
أُوفِيلْيَا 
مَا أَشْهَي أَنْ نَنْسَي الدُّنْيَا
فِي لَحْظَةِ صِدْقٍ
لِكِنَّ الْحُبَّ يَعُودُ يَمُرُّ عَلَي حَدِّ السَّيْفِ
– مَنْ يُنْقِذُ قَلْبِي مِنْ هَذَا الْخَوْفِ –

إن الشاعر في هذه القصيدة ذو مقدرة فائقة على الإمساك بأدواته التعبيرية التي تظهر جلياً من خلال الصورة الشعرية المعبرة عن عمق العلاقة بين ذاتين تتعرضان لانتهاك قسري في السيرورة الزمانية.
إنَّ غياب أوفيليا الديجوري هو إشارة ذكية من الشاعر لانتحارها الذي هو بالضرورة صيغة احتجاجية على المجتمع. 
وفي ظني أن هاملت بعذاباته وأوفيليا بغيابها ما هما إلا هوامش للنص الكلي لدى الشاعر يحاول من خلالهما تلمس غياب الحب والحرية، لتظل الكتابة هي وسيلة الخلاص الإنساني. 
 
ضَاعَتْ أُوفِيلْيَا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ
وَانْسَرَقَ الْحُلْمُ
تَشْتْاقُ الرَّوحُ إِلَي النُّورِ
تَشْتْاقُ الرَّوحُ إِلَي النُّورِ
..      ..     ..     ..

تَسْقُطُ أُوفٍيلْيَا فِي عُمْقِ النَّهْرِ
يَبْلَعُهَا الدَّيْجُورْ.

———————–
– عادل سعد يوسف 
– من السودان 
– كـــتب ونشر العديد من المقالات والنصوص الادبية من مسرح وقصة وشعر ونقد في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى