ادب وثقافة

حوار مع الشاعر والكاتب والناقد جوتيار تمر

يناير 17, 2018
عدد المشاهدات 2989
عدد التعليقات 0
الشاعروالكاتب والناقد جوتيار تمر: للكتابةقوانينها ومناهجها، والكاتب يمكن أن يصبح رمزاً، لكن الصفة لا تأتي بمجرد الكتابة
جوتيارتمر: القصة قصيرة جداً أراها قفزة نوعية كماقصيدة النثر الحداثية
 
حوار مع الشاعر والكاتبوالناقد جوتيار تمر/ خالد ديريك
يحتفظ جوتيار في مخيلته ببعض الصور عنطفولته، لا سيما تلك التي تخص دراسته وحض والديه له على القراءة المستمرة وتحديدأوقات اللعب (اللعب بالكرة مع الأصدقاء)، وكيف كانت العقوبة تنتظره إذا ما تجاوزالأوقات المحددة للعب، أو التأخير عن العودة إلى البيت.
كما يحمل بعض الصور الأخرى التي تخصالكتب والمجلات التي كان والده يتداولها، فتركت في نفسه رغبة في معرفة ما تحتويهاتلك الكتب، على الرغم من كونها أغلبها باللغة العربية أي ليست بلغته الأم، إلا أندراسته منذ البداية كانت باللغة العربية.
أما الصور التي يحملها في مخيلته فيمرحلة الشباب، فتختلف قليلاً لكونه انتقل من إحدى الأقضية التابعة لمحافظة دهوك إلىالمدينة نفسها، حيث أصدقاء جدد ومعطيات أخرى تفرضها المرحلة العمرية من جهة،والدراسة من جهة أخرى، ولكن أهم ما في تلك الصور هي التي اختزلتها الذاكرةوالمخيلة معاً حول الصراع الذي كان قائماً بين البشمركة (القوات الكُردية) وحكومة نظامالبعث العراقي وصوت قذائف الهاون والرصاص ومن ثم الانتفاضة وبداية مجيء البشمركةحيث تركت هذه الصور أثراً كبيراً في مخيلته، ناهيك عن الهجرة المليونية فيما بعد،في عام 1991 التي عمقت الصور بشكل آخر، وجعلته كما بقية أقرانه يخوض تجربة مؤلمةجداً حتى أصبح بعدها يقارن ما حصل في مدينة حلبجة وحملة الأنفال سيئة الصيتبها(الهجرة المليونية).
جوتيار تمر الأب، فهو طفل صغير، تلعبمعه أيقونته الفريدة “تالا” بشكل ربما قد يستغرب منه من يجد جديته فيالتعامل مع الأمور بصورة عامة، وهذا ما خلق في الأساس شخصية جوتيار الإنسان، الذيينظر إلى الأشياء بعين أخرى غير الظاهرة، ويحاول دائماً أن يقارنها بالممكنالوجودي الإنساني كي لا تتعارض مع إيمانه بكون الإنسان يجب أن يرسم مساره بنفسهدون فرضيات مسبقة، ودون إجحاف بوجوده، ولكن جوتيار الإنسان دائماً يجد نفسهمصدوماً من كون الإنسان نفسه يحترف صناعة وخلق ما يبيده ويدمره ويدمر أقرانه.
 
رحلة النشأة والتكوينالأدبي:
هو جوتيار تمر صديق، من مواليد 1972محافظة دُهوك ـ إقليم كُردستان ـ العراق. بدأت رحلته منذ أن كان في مرحلة المتوسطة”الدراسة” حيث محاولته في قراءة الكتب وكذلك بعض الجرائد، ولدت رغبةلديه للكتابة أو لنقول التعبير عن بعض المشاعر التي تنتابه وكذلك تدوين بعضالأفكار التي غالباً ما كانت تؤرق ذهنه.
يقول:بدأت وقتذاك أقلد بعض الكتابات في تلك الجرائد، ومن ثم حاولت فرض أسلوبي والذي طغىعليه الوجداني في البداية وشيئاً فشيئاً بدأت الأفكار الغريبة عن المجتمع تخرج إلىالأفق، وبلا شك البيئة الخاصة بي خلقت مساحة واسعة للعمل الأدبي، حيث كانت الظروفالمحيطة بنا تفرض علينا انطباعات خاصة حول المسارات التي نتخذها في الكتابة معالصور الملتصقة حينذاك في المخيلة، إلا أن الطابع الوجداني كان الغالب، فالوالدةبالذات كانت ولا تزال مدرسة مليئة بالمشاعر الجياشة التي جعلتنا نتأثر بها كثيراً.
حال الأدب والثقافة في أجزاءكُردستان:
تحاول الرؤية الثقافية والأدبية فيإقليم كُردستان ـ العراق مواكبة التحديثات الجارية على الساحة الكُردية العامة منجهة والعالمية من جهة أخرى، لا أنكر بأن المسارات أحياناً تتداخل وتتشابك في دائرةالتقليد أو التكرار إلا أن الأمر يستحق الحديث عنه، لكونه (الإقليم) خرج من بيئةمضطهدة كما يعلم الجميع، ومر بالعديد من الكوارث والمآسي الإنسانية، ومع ذلك فإنالرؤية الثقافية والأدبية أراها تنتقل من مرحلة إلى أخرى وبشكل تتناسب مع الواقعالعياني للإقليم.
أما عن إمكانية وجود اختلافات بين تلكالرؤية مع باقي أجزاء كُردستان، أراها أمراً وارداً في نواح كثيرة على الرغم منوجود النواحي المشتركة، باعتقادي أن الفكر السائد في كل جزء لاسيما الفكر السياسيهو الذي يتحكم بمفهوم الثقافة والأدب، مع وجود المشتركات كالمسائل المتعلقةبالديكتاتوريات التي تحكم تلك الأجزاء والسياسات التعسفية تجاه الكُرد فيها،والحلم الكُردي، هذه الأمور مشتركة، ولكن الاختلافات الحاصلة تكمن في البنيةالفكرية والسياسية لكل جزء وكيفية النضال والتعامل مع الأجزاء الأخرى، وهذه الأمورتشكل اللبنة الأساسية في الاختلاف.
وفيما يخص التواصل والنشاطات معهم(مثقفو وأدباء بقية أجزاء كردستان) هي في الحقيقة على أرض الواقع قليلة ولا تتعدىكتابة تقديم لديوان شعري لأحد الشعراء أو الشاعرات أو قراءة حول نص أدبي، أومشاركة في حوار سياسي، ولكنها على الشبكة العنكبوتية موجودة ومستمرة.
 
حول مفهومه للحداثة فيالشعر وعن بنية الشعر الكُردي يقول:
الحداثة الشعرية حسبما أرى هي إخراجالكلمة الشعرية من قالبها المتحجر المقيد وفسح المجال أمامها كي تؤثث عوالمهاالخاصة لتكون وسيلة استبطان واكتشاف، ولتثير وتحرك وتزلزل وتهز من الداخل وماتختلج في الأعماق وتفتح ممرات الاستباق لها.
إما بنية الشعر الكُردي فإنها بينماضيها الغارق في المؤثرات الدلالية الخارجية، وبين حاضرها الساعية لخلق مساحات منرؤى منوعة ومستحدثة بقوالب تنفي المزج اللغوي القديم وتبيح للواقع العيانيوللمخيلة الخصبة أن تنتج أواصر الربط بين ماضيها وحاضرها لتفتح الآفاق أماممستقبلها، أجدها يمر بمرحلة استباق واكتشاف، على الرغم من كونها لا تزال تتمحورضمن دوائر الرصد الوجدانية العاطفية والملحمية “الوطنية” وقلما نجدخروجاً عن تلك الدوائر إلا إنها على العموم تعطي انطباعاً تجديدياً يمنحنا الثقةبها، ويعطيها في الوقت نفسه تميزاً لكونها تنمو ذاتياً على الغالب وتخلق مساحاتهاالصورية والمشهدية والسردية وحتى البلاغية الدلالية ضمن الموجودات الحسيةوالعاطفية التي تُلم بها.
 
ومشواره مع القصة بدأت بمايسمى في النقد الحديث بالرواية القصيرة، والتي هي في بنيتها تشبه الرواية ولكنهاضمن هيكلها الحداثي لا تخرج عن دائرة القصة القصيرة.
والموضوعات التي بنيت القصص عليها، فإنهابدأت بالمخالجات والرؤى الذاتية بكل تصنيفاتها من وجدانية، نفسية، عاطفية، وكذلكمن الوخزات الذهنية الفكرية المتقدة التي تبيح التجول في المعيقات الخارجة عنالسائد كالخوض في المسائل الاجتماعية واللاهوتية والسياسية معاً ضمن دوائر مغايرةللسائد.
والقصة القصيرة جداً فهي الوخزة المكثفةالتي يمكنها أن تعطي صاحبها مفتاح الولوج في العوالم الأدبية بقوة، لكنها تعتمدعلى اللغة القوية والرؤية الثاقبة والتكثيف الممنهج، لذا أراها قفزة نوعية كماقصيدة النثر الحداثية.
 
يسهب جوتيار تمر في شرحهعن الاختلافات بين الكتابتين المسرحية والقصصية قائلاً:قد تكون كتابة بعض الأجناس الأدبية الأخرى كالرواية مثلاً من حيث المبدأ أصعب منكتابة النص المسرحي، ولكن في الحقيقة أن الأخيرة أيضاً لها صعوبات كثيرة ومن طليعةتلك الصعوبات هي ازدواجية اللغة، وكذلك صعوبة التوفيق بين النص المسرحي المكتوبوبين اختيار الممثل الذي يمكنه أن يؤدي المكتوب بأداء يشبه التقمص المرن والمتميز،ناهيك عن كون النص المسرحي في طوره الإبداعي يخلق لدى الكاتب العديد من المشاكل،فالكاتب عليه أن يكون حاضراً ذهنياً في جميع مراحل الكتابة ويقوم في الوقت نفسهبالمقارنات اللازمة بين ما يكتبه ” الممكن ” وبين الواقع الذي يعيش فيه” اللا ممكن ” فمثلاً من إحدى الصعوبات التي يواجهها المسرح في الكثيرمن الأماكن هي ما تتعلق بالحالة الاجتماعية لاسيما فيما يخص مشاركة المرأة وغيرذلك، لذا نجد بأن الكاتب دائماً ما يواجه تحديات ذاتية وأخرى خارجية قد تقيد حركتهأثناء الكتابة.
 والاختلاف بين القصة والمسرحية، فالقصة كما هو معلوم، نص أدبي يسرد فيهالكاتب أحداثاً معينة، تجري بين شخصين أو عدد من الأشخاص، يستند في قصِّها علىالوصف والتصوير، مع التشويق، حتى يصل بالملتقي إلى نقطة تتأزَم فيها الأحداث وتسمى”العُقدة”، فيتطلع المتلقي معها إلى الحل الذي يأتي في النهاية، ويُشترطفي القصة من الناحية الفنية أن تحتويَ على ثلاثة عناصر: تمهيد للأحداث، ثم عقدةتتأزَّم عندها الأحداث، ثم خاتمة يكون فيها الحل.
إما المسرحية: فهي نص قصصي حواري،يصاحبه مناظر ومؤثرات فنية مختلفة. ويراعى في المسرحية جانبان: جانب النص المكتوب،وجانب التمثيل الذي ينقل النص إلى المشاهدين حيًّا، وتتفق المسرحية مع القصة فيبعض الجوانب وتختلف عنها في جوانب أخرى، فالعناصر المشتركة بين المسرحية والقصة:الحدث، والشخوص، والفكرة، والزمان والمكان.
والعناصر المميزة للمسرحية: البناء،والحوار، والصراع، ومع ذلك لا يمكن حصر جميع العوامل المتشابهة والمختلفة ضمن هذهالدائرة فحسب.
 
يؤكد بإن للكتابةقوانينها ومناهجها: لا تسير الفضاءات الكونية ضمن دوائرالعبثية الفوضوية، فحتى العبثية نفسها وحسب ما ذهب إليه كامو(ألبير كامو كاتبومسرحي وروائي فرنسي ـ جزائري) تستند على فكر ناضج، لذا فالكتابة يمكن أن تأتي منإحدى الفسحات التي ذكرتها، وقد تأتي من اجتماع أكثر من واحدة وقد تأتي بأسلوب جمعيشمولي، وهذا يعني بإن للكتابة أغراضها وأهدافها ووسائلها ومناهجها وقوانينهاأيضاً، على الرغم من التيارات الداعية إلى رفع جميع القيود عن الكتابة، فإنهانفسها لا تستطيع أن تتجاوز أهدافها في رفع القيود وذلك مما يعني مهما حاول الإنسان” الكاتب ” تجاوز المنطق الساعي لخلق هدف للكتابة فإنه يقع في دائرةالهدف نفسها الذي يحاول أن يتجاوز بها الأهداف القيدية الأخرى.
 
ويرى جوتيار تمر بإنالكاتب يمكن أن يصبح رمزاً، لكن الصفة لا تأتي بمجرد الكتابة، ويقول:تعج الساحة الأدبية بالعديد من الكتاب على جميع الأصعدة، فمن الهاويين ومنالمثابرين الساعيين لخلق مكانة لهم، ومن البارزين الذي خلقوا مساحات واسعة لوجودهمالفعال ضمن الأجناس والهياكل الأدبية، ولكن كوجهة نظر خاصة، إطلاق صفة الكاتب أوالشاعر لا تأتي بمجرد الكتابة أو نشر نص ما، لكونها (الصفة) تحتاج إلى معاييروتلازميات ترافق العملية الكتابية والإبداعية معاً، فعدم اتباع نهج ضمن منظومةأدبية وكذلك عدم الإلمام بالأساسيات المعرفية للكتابة والأجناس الأدبية قد يخلقهوة سحيقة بين مفهوم الكتابة وصفة الكاتب أو الشاعر.
والكاتب الرمز، بلا شك باستطاعته أنيكون أو يصبح رمزاً، فحين يوظف ويكرس إمكانياته وحياته لقضية ويصمد أمام جميعالمعيقات والقيود فإنه في وقتها يفتح أمام قضيته أبواب الخلود ويتحول هو إلى رمزلتلك القضية.
وعن كيفية اختيار النصوصالنقدية قال: هنا علينا ألا نتجاوز بعض الخطوط ذاتالعلاقة بموضوع الاختيارات النقدية قبل أن أخوض في موضوع من يلفت النظر، ربما تجدالشاعرات أكثر حضوراً وأنا سأتحدث عن تجربتي ولن أعمم، لكونهن أكثر جرأة في الطلبوالسعي لإبراز أعمالهن، فالشاعر (الذكر) على الغالب يرى نصه وشعره أرفع من أن يكتبعنه مثلاً أي ناقد، لذا يبقى ضمن دائرته الفوقية تلك ولا يبحث عمن يقرأ ويكتب عنتجربته إلا ضمن حدود الفوقية نفسها، أي إلا إذا استطاع من إقناع ناقد له شهرتهومكانته وإلى غير ذلك.
إما الشاعرات فهن يدركن بإن المسيرة يجبأن تبدأ بكسر الحواجز والمعيقات الأساسية التي تواجهها كعنصر أدبي، فتبحث عمن يكتبعن نصوصها لتدخل دائرة الرصد الأدبي عبر النقد نفسه، وهذا ما يجعلهن بنظري أكثرحضوراً، ناهيك عن أمر آخر فأنهن يؤمنن بأن النقاد ليسوا كلهم نقاد أدب، بل ومنخلال تجاربهن أصبحن يؤمنن بإن الكثير ممن يدعون النقد لا يقدم لهن شيئا دون مقابل،وهذا أيضاً يفسر بحثهن عمن يحترم وجودهن ويثقن به.
والشيء الملفت لنظر الناقد، بالتأكيدنظرياً يجب أن يكون النص هو الأساس للتفاعل النقدي والاختياري، ولكن هذا لا يمنعأبداً أن يختار الناقد، نصاً على الأساس الطلب أو المعرفة الشخصية على أن يلتزم الناقدبالأساسيات الممنهجة في دراسته، وشخصياً أرى أن النقد الذي يحاول أن يقتل الكاتبفي نصه، بعيد كل البعد عن الرؤية الحداثية للنص الأدبي، لأنه لا يوجد نص كامل،فتجد دائماً هناك ما يشوب النص، ولكن على النقاد التعامل مع ذلك بعين لا تحط منقيمة الكاتب فالنقد الحقيقي بنظري لا يبنى على محاولة عرض العضلات أثناء كتابةالدراسة النقدية أو القراءة النقدية، لكون النقد الحقيقي بنظري هو ما يمجد الفعلالإنساني الأدبي، ومحاولة في إبراز مكنوناته الذاتية عبر تلك الدلالات التي قدتأتي ضمن دوائر النقد بصورة إيجابية أو قد يشوبها بعض الخلل.
معاينة النصوص النقديةلديه: أقرأ النص في أول الأمر، ثم اكتب أهمالانطباعات التي تراودني أثناء القراءة وبذلك يتشكل عندي المسار الذي قد اتخذه فيالقراءة،  ولذلك أعود للنص لاختار وأحسمالمسلك أو المنهج الذي قد اعتمده في الدراسة والقراءة ومن خلال ذلك، اختار العيناتاللازمة لإبراز تلك المعالم النصية التي احتاج إلى ذكرها سواء الإيجابية منها أوالسلبية، ومن خلال المعاينة والدراسة والمتابعة والتفاعل مع الحراك النصي أضعالنقاط على الحروف، فأشير إلى المبهر والمدهش والمثير والجدي والجميل والمعيقوالسلس والخارج عن السرب والضعيف والمغاير والزائد والناقص ضمن منظومة تفاعليةتعطي لصاحب النص والمتلقي القدرة على الاستيعاب والفهم دون الاعتماد علىالاصطلاحات التي قد تعيق الإدراك الصحيح للرؤية النقدية، وغالباً ما أحب المزج بينالمدرسة البنيوية والنفسية في القراءات.
 
مفهومه لمصطلحي الناقدوالمبدع: الشمولية تعطي الناقد القدرة على خلقالكثير من الممرات الإبداعية ضمن الدوائر والأجناس الأدبية التي يعمل عليهافيستطيع أن يعطي لكل منها خصوصيتها النقدية، ولكن هذا لا يعني أن درجة الإبداع لاتأتي إلا بعد بلوغ أعلى الدرجات لكون المعايير التي تعتمد لاختيار أعلى الدرجات هينفسها مثار نقد ونقاش بين الأوساط الأدبية، لذا اعتقد بإن المعيار يعتمد على نوعيةالعطاء الذي يقدمه الناقد وليس كمية العطاء، فالنوعية هنا يمكنها أن تعطي للناقدتلك الصفة الإبداعية العامة.
وما يثير من مقولة “الناقد شاعرفاشل” هنا سأقف. لأني لا أعلم بعد إذا كنت شاعراً فاشلاً أم لا…؟ مع إني لاأحب أن يصفني أحد بالشاعر، لكوني كَتخصص انجذب إلى التاريخ الفلسفي والخوض فيالجدليات التاريخية أكثر من العمل الأدبي الذي غالباً ما أخوض في طياته للضرورة.
 
وعن سر اهتمامه بالتاريخيوضح: كما قلت أنجذب وأحب التاريخ وسر اهتماميبه، هو كوني أراه يقربني للبشرية بصورة أعمق وأكثر، ويجعلني أقف على المساحاتالترافقية للسعي البشري لخلق مسار غير مسبق لوجوديته، ففي التاريخ وحده يتعرفالإنسان على بداياته وعلى الوسائل التي ابتعها لخلق اسطورته الحالية والتي أصبحتتتحدى كينونته المسبقة.
كما أن التاريخ أيضاً يجعلني أقف علىتلك المسارات التي أخرجت الإنسان عن إنسانيته في الكثير من المراحل التاريخية،وبذلك يمكنني أن أجمع سعيه لخلق وجوديته، وبين المعيقات التي أخرجته عن طوعهليتحول إلى مدمر لنفسه، فكما أقول دائماً: الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يصنع مايدمره وينشر الخراب على خرابه الأرضي.
 
الحيادية في كتابةالتاريخ: لا أنكر بإن الحيادية في كتابة التاريخأصبحت أمراً مستعصياً، فقلما نجد من يتجرد ليكتب تاريخاً دقيقاً بعيداً عنالانحياز والتعصب لاسيما القومي والديني والمذهبي والطائفي، ولكن هذا لا يمنع أنالتاريخ كعلم ومن خلال منهج البحث العلمي التاريخي استطاع من تنقية الكثير منالأحداث التاريخية وفق رؤية عملية محايدة، وبذلك انتصر التاريخ على كتابه، وهذا مايجعل من التاريخ نفسه ذا حراك ديناميكي تقويمي يساعد على الفهم المتعدد للحدثالواحد، وعلى التأويل التعددي للحدث الواحد، ومن ثم البحث في المعطيات اللازمةلتحديد الفهم الأرجح للحدث ومن خلاله تجاوز عقبة القومية أو الانتصار لبني جنسهعلى حساب الحياد والتجرد.
 
إيصال رسالة الكُرد إلىالشعوب الأخرى وفق منظومة مدروسة:
لقد انتبهت إلى هذه الحالة منذ سنواتطويلة، ولطالما انتقدني أبناء قوميتي بأني اكتب باللغة العربية أكثر ما اكتب باللغةالكُردية، فكنت ومازالت أقول بإن الكُردي من المفترض إنه يعلم عن بني قومه ويسمععن بني قومه أكثر من الآخرين، لذا علينا من يجيد اللغات الأخرى العمل وفق منظومةمدروسة بعيدة عن التعصب القومي لمحاولة إدراج العمل التاريخي للكُرد ضمنالاستدراكات العلمية والأدبية” الإنسانيات”  التي ينتهجها كي يستطيع إيصال الرسالة الكُرديةلجميع القوميات الأخرى التي تنظر إلى الكُرد بشكل مغاير عن ما هم عليه، وتاريخياًيوجد في كتب المستشرقين و” الكوردناس ” ونقصد بهم مع المستشرقين كل منكتب عن الكُرد من غير الكُرد، العديد من المعلومات الخاطئة عن الشعب الكُردي، لاسيما من حيث الدلالات القومية والانتمائية والجغرافية وحتى الدينية لا يمكن الخروجمن تأثيراتها على الشعوب الأخرى إلا من خلال اتباع منهج أكاديمي لطرح الرؤيةالصحيحة التي تقنع الآخرين وتجعلهم على اطلاع كامل بالتاريخ الكُردي.
 واعتقد بأنني من خلال بعض الدراسات، قدمت أكثرمن موضوع تاريخي أكاديمي يساهم في خلق فهم صحيح لتاريخ الكُرد “التطورالتدويني لظهور تسمية كُردستان في المصادر التاريخية، آراء ومقولات حول الأصل الكُردي،مفهوم مصطلح الكوردناسي، تقسيم كوردستان ….” وبعض المقالات الأخرى التيتعطي انطباعاً خاصاً عن الشخصية الكُردية سواء السلبيات أو الإيجابيات منها. مععدم الإنكار بأنني في بعض المقالات اندفعتُ بصورة جعلتني أتجاوز عن الحياد أحياناًولذلك لضخامة الضغوطات الأخيرة والتي أثرت على نفسيتنا.
 
أهم ما جاء في كتابان له”أمراء في الدولة الأيوبية” وكتاب ” الكُرد القيمرية”:
في البداية أشكر دار تموز لمساهمتها فينشر مثل هذه الدراسات والكتب التاريخية التي تساهم في الوقوف على بعض ملامحالتاريخ الكردي.
سأبدأ بالكُرد القيمرية باعتبار هذا الكتابطبع أولاً:
القيمرية كانت إحدى القبائل الكُرديةالمقيمة بإقليم الجزيرة – حسب التقسيمات الإدارية في العصر الإسلامي –  وهاجرت على ثلاث مراحل، واندمجت بسرعة مع الأحداثعلى الصعيدين الداخلي والخارجي التي عصفت بالعالم الإسلامي، ففي خضم هذه المرحلةالانتقالية ظهر القيمريون وبرزوا من خلال مواقفهم وتنامي دورهم حيث شاركوا فيالأحداث بشكل مؤثر وفعال أثناء العهد الأيوبي، وبعد سقوط الدولة الأيوبية برزوا فيمحاربة الاعتداءات الخارجية على ديار الإسلام ويظهر ذلك من خلال مشاركتهم في معركةعين جالوت ضد المغول، وكذلك مشاركتهم في صد الصليبيين.
 ومن جهة أخرى، فإن المنشآت العمرانية التيشيدوها شاهدة على سمو مكانتهم وعلوها، وهي إجمالاً تفرض على الباحثين تقصيها،وتخصيص دراسات عنها.
إما كتاب “أمراء في الدولةالأيوبية”: فقد حاولت أن أركز على نظرة الدولة الأيوبية العميقة والمعاصرةللأحداث، فقد أدرك الملوك من البيت الأيوبي أن الاعتماد على الكُرد فقط سيشكلعائقاً أمام امتدادهم نحو المناطق الأخرى، وكذلك ستكون تحركات القبائل غير الكرديةمن العرب والتركمان خطراً ملموساً على أمن وسيادة الدولة، لذا فإنه كان من الضروريإسناد بعض المهام الخطرة والحساسة إلى أمراء غير الكُرد، حيث ساهموا بشكل أو آخرفي توسيع المدارك السياسية للدولة من جهة، وأعطوا زخماً عسكرياً وقوة من جهة أخرى ،أمثال الأمير “جهاركس الصلاحي” و”جمال الدين بن يغمور” و”شمسالدين لؤلؤ” الذين شكلوا علامات فارقة في تاريخ الدولة الأيوبية من الناحيةالعسكرية والقوة التي تميزوا بها، وكذلك من الناحية الإدارية، حيث استطاعوا منخلال سير الأحداث إلى كسب ثقة السلطات الأيوبية، بحنكتهم السياسية، ونفاذ بصيرتهم،وقوة حضورهم في الأحداث، وفي الوقت نفسه كان هناك أمراء آخرين أمثال “زينالدين الحافظي” كانوا وباءً على الملوك والدولة حتى أن أمثالهم أثارواتساؤلات كثيرة حول المعايير والمقاييس التي يتبناها بعض الملوك والأمراءالمسلمين  بصورة عامة وقتها في اختياروزرائهم وأمرائهم.
 
أسباب تأليف الكتبالمشتركة مع كُتاب آخرين: لدي في الأساس تسعأعمال خاصة التي طبعت ورقياً والكترونياً.
إما الأعمال الأخرى فهي تأتي في الغالبوفق رؤية خاصة نتبناها فيما يتعلق بمزج الحضارات، ومحاولة التقارب بين الحضاراتوالقوميات، واعتبرها مدخلاً مهماً لتعريف الآخرين بنا ككُرد، لذا ولحد اللحظة لمأجد أبداً ما يشوب تلك الثنائيات ولا التشاركيات بالعكس تماماً وجدتها خلقتنموذجاً جميلاً للشخصية الكُردية بعين الآخرين لاسيما المحيط العربي.
 
أهم إنتاج الإبداعيللشاعر والكاتب والناقد جوتيار تمر:
 
تاريخياً:كتاب “الكُرد القيمرية” ـ كتاب “أمراء في الدولة الأيوبية، فضلاًعن الأعمال الفكرية والفلسفية مثل: كتاب “بشر يمتهنون صناعة الآلهة”.كتاب “قراءات حول الإرهاب” ـ كتاب “البركان الذي لا يخمد”قراءات في أوضاع الشرق الاوسط والقضية الكُردية؟
 
أدبياً:ديوان شعري ” سيثل – sepal” ـ كتاب نقدي “قراءات نقدية حول نصوص كردية مترجمة منالشعر الكردي المعاصر” ترجمة ونقد ـ مجموعة قصصية ومسرحية “موت أكبر منموت” ـ كتاب “قراءة في دوافع هلكورد قهار الشعرية وتنوع مصادره”.
 
فضلاً عن بحوث تاريخية منشورة في مجلاتأكاديمية والعديد من الدراسات والمقالات المنشورة في الكثير من المواقعالالكترونية والمجلات المحلية.
 
في الختام:الشكر موصول لكم على فتح هذه النافذة لي كي أستطيع من خلالها التقرب إلى الكتاب والأدباءوالقُراء معاً، وبحق مثل هذه المساحات تعد ذات أهمية قصوى لنا ككُرد (بعيداً عن التعصب)ولكن كي نستطيع أن نوصل للمتلقي غير الكُردي رسالتنا وفكرنا وإنسانيتنا وتاريخنا.
.
 
حوار أجراه: خالد ديريك

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى