لا يعرفُ العنصرية والتّعصب
يونيو 06, 2018
عدد المشاهدات 837
عدد التعليقات 0
لا يعرفُ العنصرية والتّعصب
الجزء الثاني
إبراهيم يوسف – لبنان
بروحيَ تلك الأرض في “شمس الجبل”.. أرض الطفولةواللهو والعبث البريء، التي ننتسبُ إليها طوعا وحبا خالصا؛ ما دامتْ أرضُها أنعمتْعلينا بالحياة، وتربتُها قرب “النّبي ساما” في الطريق إلى “المعصرةوالشعرة”، “وضهر المغارة” وغابة السنديان في “السّلوقي” تترفقبرفات موتانا وأحبابنا ممن ينتظرون قدومنا إليهم في أي حين. بأبي أنتَ وأمي وأهلييا شيخي، وكل ما بقي من النور في عينيَّ وفي قلبي. أنت صديقي لكنك لا زلت مغشوشابمظهري وسلامة أحوالي، وشخصية “دون كي شوت” التي تحكَّمت في خيالكَعنِّي.. وتلبَّستني.
ولو أنني أبدو واقفا على قدميّ ولم أنحنِ كثيرا، إلاَّأنني هشٌ وشديدُ الخواء والوهن، من الداخل المستور بقشرة مزيَّفة، ومرارة لامعةللعلن وغطاء كاذبٍ لم يعد يجدي. يستبدُّ بي الضعف والانكسار السريع، ولستُ كمايتراءى لك كالعملاق أو المارد الجبار، فلا أزيد في الحقيقة عن أرنبٍ جبان وحملٍمتشائم، أعجز من أن يدفع عن رقبته شفرة السكين.. بقايا بشري متهالك تدمع عيناهبسرعة، وتغسل وجنتيه وتقسو على قلبه لأسبابٍ لا تستحق البكاء.
هذه حصيلة هشاشتي وانكساري، وهذا سِرِّي أرميه بين يديكبلا مكابرة أو خداع. والله لا أدري يا صديقي من أين تأتيني هذي الدموع المستنفَرةالبغيَّة فتغزوني وتقهرني من حين إلى حين..؟ لكأنها نشوة نهاية العمر وانتفاضةالعشق الأخير..؟ فترفق بقلبي قليلا وأنت تَصِرّ على موعظتي دون أن تيأس مني، مادمتُ أقلِّدُكَ ومن مريديك وما دمتَ مرجعي وصديقي وشيخي، وأستاذي الذي لا أنكرفضله.
وهكذا لا يمكننيأن أحبطك، أو أنال من عزيمتك في الخيال والشعر، “ودلعونا والروزانا، وزهرالبنفسج يا ربيع بلادنا”. مما أحببناه في وَعْيِنا وأحببناكَ بجانبه، وأراهنأن أحدا في البلدة والجوار ممن عرفوك على وجه العموم، لا يحمل لك في داخله، غيرالحب والاحترام والمودة الخالصة ومكانة الشيخ الجليل.
https://www.youtube.com/watch?v=jQT_JBeA7mk
وماذا سأفعل أوأقول أمام مخزون معرفتك بالرياضيات والفيزياء، وحساب معادلة سرعة الصوت والنور،وعلم الكواكب والنجوم وسبع سماوات طباق، لا ندري سرَّها أين تنتهي وكيف يمكن أنتكون..!؟ وقريحتك المتوقدة وهذا الجموح المتمرد العجيب، ولون شعرك الرمادي تهيم به- بصوتٍ خافتْ – مراهقاتُ هذا الجيل، ورؤيتك المميزة لسائر الأمور تتجاوز حدودمعرفتي إلى الآفق البعيد؛ فأنت ممن لا يتسع لحضورهم خيال الشعراء، ولا سهرات الصيففي الريف، أو ما ينالني على يديك من تحريض وتنكيل.. وتجريح لطيف.
فلم أنسَ بعد “حميدان والبدوية الحسناء”، ولانسيَ المعجبون القراء، حكاية الليل والبخور وسوى ذلك من قول يأسر القلب، ويحفر فيالوجدان العميق، ليستوطن بوداعة في قلبي وقلوب “الكثيرين” ذكورا غلاظا أوإناثا أشدُّ فتنة من زهر البريّة في الحقول، وأطهر من عطر النرجس وصفاء البنفسجعلى قمة الكرمل في فلسطين. تلك الحكايات أذهلني سحر بيانها وسكبها في قالب أبهى منالفراش الملون، وأكثر رونقا من النحل على زهر الخزامى، وصوت الحساسين على حَوْرِالمطاحن في “حُشبى”، وعلى أشجار اللوز والمشمش في البساتين.
كثير.. المفردة التي وردت في الفقرة السابقة، لا تحتاج إلى تعريف..؟ فلتكنالبداية من هنا وأنت ممن يَشْهدُ على كفاءتِه معظم من عرفك من الطلاب، وتتمتع بحسنالتعاطي والمودة والقدرة على الصداقة المترفعة العميقة، وفي شريعتك كما فيشريعتي..؟ ليس ما يمنع من تعريف مفردة كثيرٍ أو.. قليلْ، ولا من التقاء الساكنينأو الخطَّين المتوازيين، رضي أو غضب نيوتن وعبدالله العلايلي.. وأنشتاين، وسائرالحريصينعلى الآداب ومختلف العلوم ما دام “بعضها” لم تتأكد “صحته” بعد.ولا خوف أبدا على لغة القرآن من التحريف، ولو أن اللغة التي لا تتحرك وتتفاعلوتواكب المبتكر الجديد، سيصيبها الوهن والهرم والتخلف الأكيد.
كنت على أطراف الماضي البعيد أعلّم ابنتي، حينما أصرَّتأن تستخدم la بدلا من le حرف التعريف الذي يسبقMusée و Lycée ، وكانت حجَّتها أن المفردة مؤنثة ما دامت تنتهي ب e الحرفالساكن الأخرس، ولا يصح إلاّ أن تكون مسبوقة بالتعريف المؤنث La. وحينمالمستُ إصرارها حدَّ العناد..؟ استجبتُ لها وتركتُها تفعل ما تشاء، وأنا أعجز من أنأسيء إلى آدآب اللغة الفرنسية، بفعلالتواطؤ مع ابنتي وعلتنا في التذكير والتأنيث.
وابنتي المعنية بالإشارة، كان من نصيبها أن تتخرج منجامعة فرنسية عريقة. لكنها لا زالت ناقمة على شواذ وشوائب اللغة التي تَعَلَّمَتْها.وتسهرُ في الوقت الحاضر أرفعُ المراجع اللغوية الفرنسية على غربلتها “وتشذيبها”كما أخبرني ذات حين “صديقك الحكيم”، ونحن على منحدرات ضهر البيدر فيالطريق إلى شتورة.
فما بالك بلغةتستخدم عشرين مفردة على الأقل، لتدل كل واحدة منها على “حُبٍّ” أضعناه، وعلى”خَمْرٍ” لا يتعاطاه إلاّ المنحرفون الفاسقون، “وسَيْفٍ”طالما روّجنا له حتى سلَّطوه على رقابنا، وبات من أسباب علتنا حتى تقوم الساعةوينفخ في النفير؛ حينما جيَّرَه بعض أهل الأرض، للدفاع عن الحق “المُزَأْبَق”ونصرة الدين الحنيف.
إذا بخلت السماء واحْتَبَسَ القَطْرُ في السَّنَةِ..؟فهي: قاحِطَةٌ وكاحِطَةٌ فإذا ساء أثرُها..؟ فهي: مَحْلٌ وكحْلٌ، فإذا أتتْ علىالزَّرعِ والضَّرعِ..؟ فهي: قاشورَةٌ، ولاحِسَةٌ، وحالقةٌ، وحَراقٌ. فإذا أتلفتالأموال..؟ فهي: مُجْحِفَةٌ، ومُطْبِقَةٌ، وجَدَاعٌ، وحَصَّاءُ..! قل لي بربك: هلسمعتَ أحدا على مساحة الوطن العربي المجيد، من يستخدم مثل هذه المفردات الباليةالتي استهلكها العث والعفن.. وما آلت إليه أسباب المعرفة ووسائل العصر ودنيا الحواسيب..!؟
وهذه البلوى الأخرى في أَسمَاء اللَّيْل وأحلامنا المغتصبة..!؟كالصريم، والعقبَة، والجنان، والسمر، والطِّفْل، والكَافِر، والظل، والخدارى، والخدر،والأخدور، والعكامس، والغاسِق، والأغضف، والغميس، والدجوجى، والدامخ، والحندس، والطيسل،والعمساس، والضارب، والطوفان، والسرمد، والساهر، والردف، والدحمس، والدامس، والقسقاس،والعيهب، والدلهمس.. وكفى “يا ليل الصبر يا مسهر دموع العين، لا أنا عارفلمين أبكي..؟ ولا عارف لمين أشكي”..؟ هذا العذاب اللغوي السقيم.
وإذا كانت “رسالة الغفران” إيَّاها..؟ للملحد “الشَّافِر”- بلغة أهل اليمن – صاحب الرأس المقطوع في معرة النعمان، قد تمحورت حول الحشر ومافي الجنة والنار، حيث يتحلق المؤمنون حول المآدب في الفردوس، ينعمون بخيرات ماأعدَّ الله لهم من لحم طير مما يشتهون، ومن حور حسان وما في”الجليس الأنيس وأسماءالخندريس”، وكؤوس الطلا ومزاجها من الخمر الأصيل، وسعادة نعيم مقيم لا ينقضيأو يزول..؟
هكذا صاغ المعرّي صورة الجنة تبعا لما في أذهان العامةومعتقداتهم، لتتحول الجنة إلى ما يشبه شؤون كل الشهوات على الأرض، فتستباح فيها “المحرمات”على أنواعها، ويغدو التَّمنَّع عن إرضاء الشهوات في الدّنيا، إن هو إلاّ ضربٌ من الذكاءوالحكمة والحيلة والدّهاء،ّ وتأخير في المتع مما سيناله المؤمنون في الفردوس. وربما يضيق سكان النعيم برخائهم في السماء..؟ ليُجْمِعوا على التظاهر والمطالبة بالعودةإلى الفساد في الأرض.
وما دمتَ شيخي وأستاذي ومن علَّمني التِّيه، والخروج عنسياق الموضوع، فلم تنصحني مرة وتمسكني من يدي، وتردني إلى صوابي وترشدني إلىالطريق الصحيح..؟ فتعال معي واسمع ما قالته هذا الصباح إحدى المذيعات، قبلالمباشرة بقراءة الأخبار (وذلك) “بوحي من رسالة الغفران”. قالت بصوت متهدجمن خشية الله ومن شدة الإيمان:
من قرأ هذا الدعاء مرة قبل طلوع الفجر..؟ كتب الله لهشجرة تفاح في الفردوس، حملتْ بذرتها ملائكةالسماء من جبال العاقورة في شمال لبنان، يفيء إلى ظلها مع حورية حسناء – كبدويتك -تخطر مزهوة “بهدوم” مبتكرة من حرير الصين “والساتان” والديباج،وتلتصق بحنايا جسمها الفاتن الريَّان، فتأسر العين وتهفو النفس إلى نعومة جسمهاالأبيض الوهَّاج.. أرأيت بنفسك كيف تكون بداية الفردوس..!؟
ومن قرأ الدعاء مرتين..؟ كُتبتْ له الحورية بقميص نومشفاف. يكشف عن مفاتن جسدها، أشد نقاء من العاج وضوء الشمس في رابعة النهار. يفوحمن أردانها “عطر الفردوس من الشام”، وتلوح عاصفة من الرغبة الموجعة منبين نهديها وردفيها البارزين. لكن من قرأه ثلاث مرات على التوالي كتبت له الحوريةبلا لباس، في حديقة غنَّاء تعجُّبالسمراوات والشقراوات، والخلاسيات من أشهى وأجمل النسوان. فيها ما لذ وطاب من اللوزوالجوز، ومن التِّين والخوخ والتفاح والرمان. “.
وأما من قرأه أربع مرات متواليات..؟ فقد زاد الله له منخيرات الرزق في البستان، نهرا من العسل واللبن وساقية من الخمر الحلال، مع كُبَّةٍنيئة بالزنجبيل من لحم الحجال، في الجرود وعلى قمم الجبال، تُعِدّها بأيديهن حريم الجنة منأشهى وأجمل النسوان، تزوّد الذكور بطاقة جنسية هائلة قلّما عرفها أقوى الرجالوأشجع الفرسان، وأشجار صفصاف خجولة تميل مع هبّات الهواء، وتنحني دلالا على ضفافأنهار يوشوشها النسيم، تفيء إليها البلابل والحساسين، وتترنم بالتغريد على أغصانهاآناء الليل وأطراف النهار.
ومن طوَّل باله وقرأه خمس مرات بلا انقطاع..؟ كان نصيبهمن الجنة بحرا نظيفا كساحل “لارنكا” حيثما ولدت “أفروديت” ربةالحب والشهوة والخصوبة والجمال. تسبح على شواطئه قبيلةٌ من الإناث العاريات. “جنسوأكل وشراب وطاقة بلا ضوابط، وراحة وفضاوة بال وحدائق مخضوضرة على الدوام”. هكذافلن تخلو الجنة من القمامة والسرجين، والمخلفات الملوِّثة نتيجة حتمية الإقبال علىالطعام والشراب. الجنة بذاتِها سيلوِّثها هذا الإنسان.
وهذه فحسب بعضسمات الفردوس. ألم ترَ إلآم أوصلنا التطرفوالدواعش من شغل “الأتراك والأميركان”..!؟ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْفَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ. فبأيِّ آلآء ربِّكما تكذبان..!؟ وكيفالسبيل إلى الصحوة وانتزاع هوية هؤلاء الخارجين على انتمائهم، لدين الحق والرحمةوالعدل في الإسلام..!؟
وأما من قرأ الدعاء إياه مئة مرة قبل طلوع الشمس،”دقق جيدا بالرقم”، فهات “إيدك” والحقني من كثرة العطاء..!فمتى يا شيخ الشباب ومولانا صاحب العمامة والقفطان، سأجدُ الوقت الكافي لأتنفسَولو قليلا، فأعمل وأكد وأشتري خبزا للعيال..!؟ أنا والله في حيرة من أمري، وفي رأسيالفارغ تتزاحم وتصطخب مختلف الدواهي وأسوأ الأفكار، وأتجشم ما عاناه الهدهد صفيّبلقيس، من المهانة على باب سيده وولي نعمته سليمان..؟ فهل من فتوى يا مولانا الشيخ..؟ليرحمك رب العباد ورب الإنس والجان..؟
يتبع في الجزء الثالث
——————–