العقيدة الحوثية تعبث بعقول أطفال اليمن
سبتمبر 18, 2017
عدد المشاهدات 2306
عدد التعليقات 0
صنعاء – يعود تاريخ تجنيد الحوثيين للأطفال إلى فترة ما قبل عمليات قوات التحالف العربي في اليمن؛ التي بدأت في 26 مارس 2015، إذ سبق للحوثيين أن جندوا الأطفال أثناء فترة الحروب الست التي شنوها ضد الدولة والمجتمع اليمني ما بين عامي 2004 إلى 2010 إبان نظام حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
نتج استهداف الحوثيين للفئة العمرية المراهقة لإدراكهم أن هذه الفئة هي أكثر الفئات تحمساً للحرب؛ بسبب طبيعة تكوينها النفسي والجسدي، ولميل المراهق دائماً، إلى محاولات إثبات رجولته وقدراته، وحبه لعالم المغامرات، وسعة خياله، واعتمال طاقاته النفسية والجسدية، الأمر الذي استغله الحوثيون بتوجيه تلك الطاقات الهائلة لتكون وقود معاركهم العبثية التي بلغت أوج استعارها بعد اقتحام الحوثي صنعاء في 21 سبتمبر 2014.
وبسبب حاجة الكثير من الأسر للمال مع تردي الأوضاع المعيشية، وتدني مستوى الدخل في البلاد، ومع استنزاف الحوثيين لمدخرات اليمن من العملة الصعبة، وعجزهم عن دفع مرتبات الموظفين، ومع تحولهم إلى السوق السوداء لدعم عناصرهم، وإفقار وتجريف قطاعات العمل والتجارة، كل ذلك دفع الكثير من الأسر للدفع بأطفالها إلى ترك مقاعد الدراسة، والالتحاق بالقتال مع الحوثيين، فيما ذهب الكثير من الأطفال للتجنيد قسراً بغير رضا أولياء أمورهم، ضماناً لإعاشتهم اليومية وحسب.
تذكر منظمة العفو الدولية أن أولياء أمور أكدوا أن الحوثيين يغرون بعض الأسر براتب شهري للطفل في حال أصبح “شهيداً” يسلّم لأسرته، حيث لا يتقاضى الأطفال مرتبات حال تجنيدهم، ولكن يحصلون على الطعام والشراب و“القات”، وهي مادة منشطة تعطى للأطفال لبعث روح من الإقدام والمواجهة، وأما الراتب الشهري الذي توعد به الأسر لأطفالها بعد “استشهادهم” فهو ما بين ما يعادل الـ65 والـ95 دولاراً أميركياً في الشهر، وفي كثير من الحالات تشكو الأسر التي تفقد أطفالها بأن هذه الوعود لا تنفذ، وتؤكد منظمة العفو الدولية أن معظم الأطفال الذين يتم تجنيدهم هم من المناطق الأكثر فقرا.
وعلى الرغم من أن الكثير من عمليات التجنيد للأطفال تتم لأغراض مادية، كما ذكر، إلا أن بعض العمليات يكون وراءها دوافع ترجع للقناعات الفكرية والأيديولوجية والدينية، والعوامل الثقافية والمجتمعية، حيث تعتقد بعض الأسر أن اشتراك أطفالها في الحرب إلى جانب الحوثيين يعدّ “واجبا مقدسا” دينيا وقبليا، لا يمكن تركه، من أجل هزيمة “أعداء الله والدين”، ومحتلي الأرض، من الأميركيين والإسرائيليين، الذين أكد كثير من أسرى الجماعة أنهم أوهموا من قبل قياداتهم بأنهم يقاتلون الأميركيين والإسرائيليين الغزاة في اليمن.
بعض الأسر تعتقد أن اشتراك أطفالها في الحرب إلى جانب الحوثيين يعد “واجبا مقدسا” دينيا وقبليا، لا يمكن تركه
ولذا فإن على تلك الأسر-من هذا المنظور- واجبات دينية وقبلية تحتّم عليها الموافقة على تجنيد أطفالها في الحرب من منظور طائفي ديني وقبلي اجتماعي، نتيجة لتطوير الحوثيين مفاهيم جهادية، والعزف على وتر النخوة القبلية وما إلى ذلك من أساليب التعبئة، لتحفيز هذه الأسر، وهؤلاء الأطفال على المشاركة في الأعمال القتالية.
وكما تؤثر العوامل الدينية في نفوس الأطفال وتدفعهم إلى التجنيد للقتال، فإن العوامل الثقافية بدورها تؤثر في تزايد عمليات تجنيد الأطفال في اليمن، بشكل مطرد. وتكمن تلك العوامل في عادات اليمنيين وتقاليدهم القائمة على ثقافة حمل السلاح، والتباهي بالقدرة على استعماله، والمفاخرة بخوض الحروب والدخول في الصراعات، وتمجيد روح المغامرة والقتال، واعتبار كل ذلك من علامات الرجولة، وهي العلامات التي يحرص الأطفال، وخاصة المراهقين منهم، على حيازتها ولو قبل أوانها.
وفي اليمن تتركز التجمعات القبلية الكبيرة، في مناطق شمال ووسط البلاد، حيث لا يزال للحوثي سيطرة تامة، وهذه المناطق هي أكثر المناطق التي يستمد منها الحوثيون قوتهم، والتي تمدهم بما يحتاجون إليه من الأطفال المجندين. وهنا يتضح وجود علاقة سببية قوية بين طبيعة المجتمع القبلي من جهة، وكثافة تجنيد الأطفال، من جهة أخرى.
هناك تناسب طردي بين ارتفاع نسبة تجنيد الحوثيين للأطفال، في الصراع المسلح في اليمن، وتدني مستويات التعليم لدى هؤلاء الأطفال. ولنا أن نعرف أن زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي لم ينتظم في الدراسة النظامية، وأنه تعلم القراءة والكتابة على يد والده، وعندما شب، عمل حارساً شخصياً لأخيه مؤسس الجماعة حسين الحوثي.
وبما أن القائد على هذا القدر من التحصيل العلمي، فإن عدم الاهتمام بالتعليم كقيمة يكون سمة بارزة لدى الأتباع، حيث يعد تدني مستويات التعليم، بيئة صالحة لتجنيد الصغار قبل الكبار لصالح مشروع هذه الجماعة الدينية، التي تعتمد على الفقر والجهل والمقولات الدينية لتمرير مشروعها الديني والسياسي في اليمن.
ويكاد تعمّد إفراغ العملية التربوية والتعليمية من محتواها أن يصبح سياسة ممنهجة لدى الحوثيين، لأن تلك السياسة تعمل لصالحهم بتجيير وعي زائف يخدم دعايتهم الدينية والطائفية، ومن هنا تأتي عمليات التجريف المستمر للعملية التعليمية، والمحاولات الدؤوبة لتغيير المناهج الدراسية، بما يخدم توجهات هذه الجماعة، وإعادة تشكيل الذاكرة التاريخية والوعي المجتمعي لصالح هذه السياسية.
والواقع أن الحوثيين نجحوا في بعض المناطق التي يسيطرون عليها في إنشاء ما يمكن أن يسمى بـ”التعليم الموازي”، وهو الذي لا يعتمد على مقررات العملية التعليمية الرسمية، بل على مقررات دينية وتاريخية موازية تخدم التوجهات الأيديولوجية للجماعة، حيث تشكل “ملازم” وكتيبات حسين الحوثي حجر الزاوية في هذه المقررات الدراسية.
* خلاصة من بحث محمد جميح “تجنيد الحوثيين للأطفال في اليمن”، ضمن الكتاب 128 (أغسطس 2017) “عودة المقاتلين من بؤر التوتر…” الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.