دين ودينا

غداً يوم عرفة

أغسطس 30, 2017
عدد المشاهدات 1855
عدد التعليقات 0
نبيلة حسني محجوب
ربط الإسلام الإيمان بالخُلق كما قال سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» وتبدل مفهوم الجماعة كما تقول د. سعاد الحكيم: «أوجد الإسلام مفهوم الأمة. والأمة هي الكيان الإنساني الضام لكافة المسلمين على تعدد أعراقهم وتنوع أقاليم سكناهم واختلاف أوضاعهم الاجتماعية؛ الأعجمي كالعربيّ، والغنيّ كالفقير، والراعي كالرعية، الجميع متساوٍ في الإنسانية وبالتالي أمام الشريعة، ولا فضل لواحد على آخر إلا بالتقوى.» تتجلى هذه المساواة في فريضة الحج حيث يجتمع المسلمون غداً على صعيد واحد في نفس المكان والزمان ويشتركون في أفعال واحدة وملابس متماثلة إقراراً للمساواة الإنسانية أمام الواحد الأحد، ويظهر خلق المسلم جلياً في سلوك الحاج وهو يؤدي فريضة العمر، فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج. هكذا يتمكن هذا العدد الذي أصبح يتجاوز المليون مسلم من أداء مناسك الحج في يسر وسهولة في اتحاد الزمان بالمكان.

مهما اختلف الزمان واختلفت معطياته، يظل المكان ثابتاً شاهداً على عظمة هذا الدين الذي يقر بالوحدانية لإله واحد سبحانه منذ الأزل وإلى الأبد، رب العالمين الذي أرسل رسله تترى بتوحيد الله والانصياع له وأداء فرائضه التي بدأت بأذان سيدنا إبراهيم الخليل للناس بالحج ليأتوه رجالاً إلى موضع واحد؛ مكة أم القرى ليشهدوا منافع لهم في أيام معدودات.

في هذه الأيام الفضيلة وضيوف بيت الله الحرام يقفون غداً على صعيد واحد في عرفات، تهف قلوبنا إلى الحج، ومشاركة الحجيج الوقوف بعرفات، من منا لا تباغته هذه الرغبة ليكون ضمن من تتنزل عليهم رحمات الله يوم عرفات، وهو يسمع ويرى هذا الخليط من خلق الله ملبياً دعوة أبينا إبراهيم عليه السلام ومستكملاً ركن إسلامه الخامس، هذه الأفواج الدافقة من كل فج عميق ليشهدوا مناسك لهم، ونحن في قلب المكان؟ كان مجرد التفكير في الحج، يغرسك في قلب عرفات، محاطاً بتلك الأفواج من البشر، تردد أصواتهم أم أنهم يستجيبون لصوتك؟ في مكان وزمان توحدت فيه الأهداف، وتساوت الرؤوس، وتلاحمت الأجساد، وتداخلت الأصوات، فلا تسمع غير صوت واحد يمتد من الأرض إلى السماء .. لبيك اللهم لبيك. 

اليوم الأمر ليس بتلك البساطة والسهولة التي تجعل مجرد التفكير في الحج فعلاً وحركة واستعداداً ثم حجاً، بل لابد من اتباع أنظمة الدولة كي تعينها على القيام بمهامها الجليلة في تيسير أمر الحجيج.

لم يعد بالإمكان الاستجابة للفكرة، والخضوع للشوق، والانطلاق إلى الحج بدون تصريح وتخطيط وبحث عن المؤسسات الملتزمة بوعودها والتي تسهل أداء هذه الفريضة عليك وعلى من يرافقك، لم يعد الأمر « فوضى « و» افتراش «وعرقلة مسيرة الحجيج والتسبب في الكوارث والمآسي لمجرد إسكات صوت الشوق والرغبة، وهو صوت يدوي في قلوب الجميع، كل من مارس تجربة الحج، أو أنه يحلم بتحقيق حلم الوقوف في عرفات، بعيداً كان أو قريباً، الضعيف والمريض، الفقير والغني، من يمتلك القدرة التي تمثل الاستطاعة المالية والبدنية، أو لا يملكهما أو يملك قدراً ضئيلاً منهما، كل منهم يمتلك الحق في الحلم وتدفق الشوق للمشاركة في هذا المشهد الذي يتابعه المسلمون في شتى بقاع الأرض « الوقوف في عرفات « بالشوق والدموع والحب، لكنه لا يملك القدرة على الاستجابة الفورية مالم يكن عقد العزم والنية من قبل، وحصل على تصريح الحج، كي لا يحجز ويغرم، لأنه « لا حج بدون تصريح» كي لا يستغل موسم الحج في التكدس وتكرار أداء الفريضة كل عام كما كان يحدث سابقاً، دون تصريح، يفترشون كل المساحات حول المخيمات وفوق الأرصفة، مما يعرقل حركة الحجيج بين المشاعر.

كان الحج في الماضي هيناً ميسوراً، خصوصاً لأهل مكة ومن جاورها، مع ما شرفهم الله به من شرف الطوافة والرفادة، ومع هذا تهف قلوبهم كل عام لأداء هذه الفريضة، يظل الوقوف بعرفة أملاً وحلماً لمن يستشعر قدسية المكان الأزلي مهما تبدلت المعطيات الحضارية، وتغيرت المعالم حول الكعبة، في المشاعر، منى وعرفات ومزدلفة، عبر الزمان لكن قدسية المكان ثابتة لا تتغير كثبات دين الإسلام ذاته.

حج مبرور وسعي مشكور لمن فاز بشرف تأدية هذه الفريضة العظيمة وكل عام وأنتم بخير.المدينة

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد ايضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى