عالم الفن

فيلم وودي ألين الجديد: الحب والخيانة والمشاعر الملتهبة

مارس 25, 2018
عدد المشاهدات 943
عدد التعليقات 0
لا يزال المخرج الأميركي المرموق وودي ألين، بعد أن أصبح شيخا تجاوز الثمانين من عمره، يملك القدرة على إدهاشنا بالجديد من أفلامه التي لا تنقطع. وفي فيلمه الجديد “عجلة الدهشة” Wonder Wheel، وهو الثامن والأربعون، يواصل ألين التعبير عن أفكاره القلقة المعذبة، الممتدة في أعماله من فيلم إلى آخر وكأنه يصنع الفيلم نفسه في كل مرة.

“عجلة الدهشة” ليس فيلما من نوع الكوميديا بل ربما يكون أقرب إلى “المأساة” التي تتراكم طبقاتها واحدة فوق الأخرى كلما تقدم الفيلم تدريجيا في الكشف عن مأزق شخصياته. وكما هي عادة ألين، فمعظم الشخصيات تنقل قلقه الشخصي وتلعثمه وتردّده ومشاعره المتناقضة التي تعذبه وقد تسبب الارتباك لمن يحيطون به.

في الفيلم الجديد الكثير مما سبق أن عبر عنه في “مانهاتن” (1979) وفي “جاسمين الحزينة” (2013) وغيرهما. وهو يختار أن يعود إلى عام 1950، وإلى جزيرة كوني الواقعة قرب بروكلين (نيويورك) حيث توجد مدينة الملاهي الشهيرة. و”عجلة الدهشة” عنوان يشير إلى أحد معالم مدينة الملاهي أو “لونا بارك”، كما يشير مجازا إلى ما يدور بين الشخصيات المختلفة وهي أساسا خمس شخصيات رئيسية في الفيلم.

لدينا أولا “جيني” (كيت ونسليت في دور مختلف عن كل أدوارها السابقة).. وهي امرأة جميلة تقترب من الأربعين من عمرها، متزوجة من “همبتي” (جون بيلوشي) المترهّل الطيب القلب، الذي يعمل في إدارة إحدى ألعاب مدينة الملاهي. لكن همبتي هو الزوج الثاني لها بعد زوجها الأول الذي وقعت في حبه في شبابها عندما كانت تعمل ممثلة في فرقة مسرحية صغيرة، وكان هو عازف إيقاع، ورغم أنها كانت تحبه إلا أنها أقامت علاقة مع شاب يصغرها، وانتهى الأمر بأن رحل زوجها الأول واختفى من حياتها تاركا لها ابنهما “ريتشي” الذي أصبح الآن في العاشرة من عمره.

جيني وهمبتي يقطنان في مسكن يقع في قلب مدينة الملاهي، وهي وزوجها يعانيان من الصخب والضجيج الذي لا يتوقف. وتستعين جيني بالعقاقير لتهدئة الصداع النصفي الذي يطاردها كثيرا، لكنه ناتج كما سنرى، عن اضطرابها وتوترها، فبعد أن كانت تحلم بأن تصبح ممثلة مشهورة انتهت حاليا إلى العمل كساقية في حانة، ولكنها مدمنة على مشاهدة الأفلام السينمائية والاستماع لتمثيليات الراديو، يصفها زوجها بأنها تعيش في الخيال وتعتقد أن ما تسمعه في الراديو حقيقي. تعتقد جيني أنها قد عثرت على حب حياتها بعد أن تلتقي بشاب يصغرها هو ميكي (جاستين تيمبرلك).

ميكي شاب رومانسي وكاتب غير متحقق يعمل حارسا للشاطئ لكنه ذكي وعاطفي ويؤمن بالحب من أول نظرة. إنه قد يكون -على نحو ما- المعادل الدرامي لشخصية وودي ألين نفسه، ولكن على صعيد آخر تحمل شخصية جيني أيضا جانبا من شخصية وودي ألين: التوتر وعدم الإشباع والرغبة في العثور على الحب مع شخص يصغرها.. ومن ثم الوقوع في “الخيانة” لكنها الخيانة التي يجد لها ألين مبررا.

جيني تجد في ميكي منقذا لحياتها لكنه يشعر بأنه لا يريد التورط معها أكثر مما يقدر. وهو يهدي جيني في عيد ميلادها الأربعين كتابا يضم مسرحيات يوجين أونيل. لكنها تريد أن تغدق عليه في عيد ميلاده، فتشتري له ساعة ثمينة تختلس ثمنها من مدّخرات زوجها. لكن ميكي يرفض قبولها لأنه لا يوافق على أن “تشتري” جيني عاطفته بعد أن أصبح يشعر بأن مشاعره تتجه صوب كارولينا.

فيلم وودي ألين القادم عن هواجسه الجنسية

يواصل وودي ألين تصوير فيلمه الجديد بعنوان “يوم ممطر في نيويورك” الذي يقوم ببطولته جود لو وإيل فانينغ وسيلينا غوميز وربيكا هول.

وقالت تقارير صحافية أميركية إن قصة الفيلم يمكن أن تشعل الجدل حول ما يوصف بـ”انحرافات وميول وودي ألين الجنسية”، ففي الفيلم يقوم جود لو بدور مخرج سينمائي في الأربعينات من عمره، يطارد الفتيات الصغيرات الباحثات عن الشهرة مما يجعله عرضة للسخرية، ثم يقيم علاقة مع فتاة في الخامسة عشرة من عمرها تقوم بدورها إيل فانينغ.

وتواجه الفتاة الكاميرا في أحد المشاهد وتعترف بعلاقتها برجل يكبرها كثيرا في العمر لكنها تقول إنها في الحادية والعشرين من عمرها.

وفي أحد المشاهد تتشاجر زوجة الرجل معه بشأن علاقاته النسائية المتعددة وتسأله: هل كل هؤلاء الفتيات من أجل المتعة أم في سياق البحث عن الفتاة الأنسب للعمل؟

وحسب ما ذكرته بعض المصادر القريبة من وودي ألين، فإن زوجة الرجل (التي تقوم بدورها ربيكا هول) تسأله خلال مشاجرة علنية أمام الجميع: هل الفتاة الصغيرة هي إحدى عشيقاتك؟ وترد الفتاة (فانينغ) مدافعة عن نفسها فتقول إنها في الحادية والعشرين.

وتقول المصادر إن الفيلم لا يصور علاقة جنسية مباشرة بين الاثنين. والفيلم الجديد ليس الأول الذي يصور فيه وودي ألين قصة تدور حول العلاقة بين رجل كبير في العمر مع فتاة صغيرة، ففي فيلم “مانهاتن” الذي يعتبر أحد أهم وأشهر أفلام ألين، يقوم هو بدور كاتب في الثانية والأربعين من عمره، يقيم علاقة مع فتاة في السابعة عشرة تقوم بدورها مارييل همنغواي.

وفي فيلم “أفروديت الجبارة” يقيم ألين علاقة مع هيلينا بونهام كارتر التي تصغره بـ31 عاما، ومع ميرا سورفينو التي تصغره بـ30 عاما، وفي فيلم “أزواج وزوجات” يقوم بدور رجل على علاقة بجوليت لويس التي تصغره بـ37 عاما.

وكان ألين قد أثار الجدل بعد أن علق مؤخرا على فضيحة المنتج الهوليوودي هارفي وينستين، فقال إن القصة بأسرها “مؤسفة لكل من كان طرفا فيها”. ولكنه عاد فأوضح لبي.بي.سي قائلا “إن ما قصدته عندما قلت إنني أشعر بالأسى لهارفي وينستين كان مقصودا به بوضوح أني أراه رجلا حزينا ومريضا”.

أما كارولينا (جونو تيمبل) فهي ابنة همبتي التي هبطت عليه وزوجته بعد غياب عن البيت لخمس سنوات، فقد رحلت عندما كانت في الخامسة عشرة من عمرها، بعد أن وقعت في حب رجل عصابات تزوجت منه رغم إرادة والدها، وقد هربت منه الآن بعد أن أدركت حجم الخطأ الذي ارتكبته، ولجأت إلى منزل والدها لكي تختبئ عنده. رغم عتابه القاسي لها في البداية إلا أن حبه الدافق لها يتغلب على مشاعره، فيدفعها دفعا لاستكمال تعليمها، مؤمنا بعبقريتها وبأنها يمكن تصبح مدرسة للغة الإنكليزية. وهي تواصل الدارسة بالفعل كما تعمل ساقية في الحانة التي تعمل بها جيني. وسيكون خطأ كارولينا العفوي أنها ستروي لجيني كل ما يحدث لها مع ميكي بعد أن يلتقي بها، من دون أن تعرف أن جيني على علاقة غرامية به وأنها تعتزم الرحيل معه والتخلي عن والدها!

يقع ميكي في غرام كارولينا الربيعية المتفتحة، وتشعر جيني بميله نحو ابنة زوجها فتأكلها الغيرة. أما ابن جيني “ريتشي” من زوجها السابق، فيعاني من غياب الأب ومن العيش في كنف زوج أمه (مدمن الخمر الذي أقلع عنها تحت ضغط جيني لكنه لا يستطيع أن يستمر طويلا في الإقلاع بسبب تراكم المشكلات عليه). ريتشي يختلس المال من همبتي لكي يذهب إلى السينما، ويسيطر عليه هاجس إشعال الحرائق في كل مكان، ويرفض الاستجابة للعلاج النفسي.

إنها شخصيات هامشية، تعيش من دون أن يشعر بها أحد، تمضي حياتها في سلسلة من المفارقات واللقاءات والافتراقات والمشاجرات والخيانات والتوترات اليومية، تحيط بها المشكلات المادية والنفسية. هناك خيط في الفيلم يتعلق بعالم العصابات والجريمة، وبمطاردة كارولينا من جانب زوجها السابق ورغبته في استعادتها أو الفتك بها بعد أن قالت ما لم يكن مسموحا بقوله لضباط المباحث الاتحادية عن نشاطه، لكن هذا خيط رفيع للغاية يعبر في ثنايا الحبكة دون أن يجعل “عجلة الدهشة” فيلما بوليسيا مثيرا. ورغم ما فيه من مصادفات والكثير من المواقف القدرية والتي تتصاعد فيها المشاعر، إلا أن الفيلم لا يسقط في دائرة الميلودراما كما لا ينتهي إلى المأساة، ولكنه يظل في دائرة سينما الواقع الإنساني القاتم التي يبرع فيها وودي ألين.

من عالم يوجين أونيل
يريد وودي ألين، سواء في اختياره لزمن الأحداث أو للحبكة والشخصيات، أن يعيد خلق عالم الكاتب المسرحي الأميركي المرموق يوجين أونيل (1888-1953) الذي يتميز بواقعيته الاجتماعية النفسية. إنه يحاول هنا تجسيد فكرة أونيل الخاصة بالعلاقة بين العمل الدرامي ومؤلفه. إن كل الشخصيات هنا – حسب قانون يوجين أونيل في مسرحه- مدانة، فقد أخطأت في حق نفسها وفي حق غيرها: كارولينا أخطأت في حق والدها ونفسها، وجيني أخطأت في حق ولدها وزوجها، وهمبتي لم يهتم كما كان ينبغي بزوجته ولا بنفسه.

 فكل همّه الصيد مع أصدقائه ومشاهدة مباريات البيسبول، وميكي أخطأ في حق جيني التي خدعها حين أوهمها بأنه يحبها وعلى استعداد لأن يبدأ معها حياة جديدة، لكنه سرعان ما استسلم لحب كارولينا. لكن هذه الشخصيات هي في الوقت نفسه، شخصيات طيبة، أي ليست شريرة بطبعها بل هي تتصرف وفقا لمشاعرها المباشرة الحقيقية، وربما تكون على نحو ما أيضا ضحية واقع اجتماعي قاس، أي شخصيات محبطة تعاني عدم التحقق.

يسيطر على الفيلم الطابع المسرحي: في الأداء والحركة وتصميم المشاهد والحوار. إن وودي ألين يبدو كما لو كان يحاكي إحدى مسرحيات يوجين أونيل السوداء التي تتميز بواقعيتها القاسية وشخصياتها التي تسير نحو مصائرها، كما يستخدم مثل أونيل، فكرة التحليل النفسي والولع بتصوير شخصيات متدفقة المشاعر، لا تملك التحكم في مشاعرها، تفلت منها جميع الخيوط رغما عنها ويلعب القدر دورا أساسيا في بلوغها نهاياتها.

مرة أخرى يستعين وودي ألين بمدير التصوير الإيطالي المرموق فيتوريو ستورارو الذي ينجح في إضفاء الكثير من الجمال على الصورة: استخدامه اللون البرتقالي الذي ينعكس على وجه كيت ونسليت، وكيف يصبغها بمشاعر الحب والغيرة. والاستخدام الخاص الخلاب للخلفية عندما يجعل مناظر مدينة الملاهي والبحر تتبدى في اللقطات التي تدور داخل منزل جيني وزوجها من خلال تلك النافذة الضخمة المطلة على الخارج. ولا شك أن وودي ألين يختار بعناية ديكوراته، كما يبرع كعادته في استخدام الأغاني الرومانسية الكثيرة المعبّرة عن فترة الخمسينات من القرن الماضي.

عن الراوية
هناك فقط مشكلة تتعلق بالبناء أو بسياق السرد، فالفيلم يبدأ من اللقطة الأولى بميكي حارس الشاطئ وهو يواجه الكاميرا على طريقة مايكل كين في فيلمه الشهير “ألفي” (1966) ليروي لنا الأحداث كما شاهدها وعاشها وكما عرفها. وهو يظهر بين وقت وآخر يستكمل ويربط ويشرح ويعلق بل ويسرد أيضا الكثير عن مشاعره وتردده ما بين التمسك بعلاقته بجيني التي يشعر بالارتياح معها، بل بدافع الاشتهاء الجنسي الشديد أيضا، كما يعبر عن مشاعره المتدفقة تجاه كارولينا التي وقع في حبها وكيف يجد الكثير من الإثارة في حياتها المحفوفة بالمخاطر.

 إنه يستمع مبهورا لما ترويه له عن حياة التجوال والسفر والعيش في أماكن جذابة مثل هافانا التي كانت في الخمسينات مقرا للعصابات ونوادي القمار وغسيل الأموال، فهو مثل معظم شخصيات الفيلم (جيني وكارولينا وريتشي) باستثناء همبتي، شخصية تعيش في الخيال أكثر مما تعيش في الواقع. وتكون النتيجة أن هذه الشخصيات تدفع جميعها ثمنا باهظا.

إن ميكي هو المؤلف الذي يعبّر عن ضمير وودي ألين، وهو الذي يروي ويستمر في السرد لكن لسبب ما يقرر وودي ألين أن يجعله يتخلى عن دور الراوية في المشاهد الأخيرة من الفيلم التي تستمر من تلقاء نفسها دون أن يظهر مجددا، لينتهي الفيلم نهاية مفتوحة دون أن تكتمل التراجيديا، فحسب مسرح يوجين أونيل الواقعي تستمر هذه الشخصيات “الصغيرة” في الحياة، كما لو كان وودي ألين يريد أن يقول لنا “هكذا هي الحياة، بتقلباتها ومشاكلها وصراعاتها التي لا تنتهي إلا لكي تبدأ من جديد!”.العرب

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى