التحدّي الأكبر
أبريل 03, 2022
عدد المشاهدات 218
عدد التعليقات 0
التحدّي الأكبر
إبراهيم أمين مؤمن-مصر
وصل أخيرا، نزل جاك عن السيارة قفزا وهرول لا يلوي على شيء نحو المرصد.حاول رئيس ناسا إدراكه -حتى تلاحقت أنفاسه- فلم يتمكن، عينا جاك تتقافزان لتسبقاه،فور وصوله قفز نحو التلسكوب، حدق به، فوجد الثقب يتنفس أبخرة على شكل هيجان من البلازمايلفظها بسرعة تقارب سرعة الضوء من على جوانبه وحوافه، يدور حول نفسه وهو يمارس زفيرافضلا عن شهيق أقل ولكنه كارثي.
وصل رئيس ناسا في اللحظة التي كان جاك يحدق في مركز الثقب المظلم، ووجدأن بعض الدلائل تشير إلا أن فمه مفتوح معظم الوقت.
فخر على الكرسي مصعوقا وهو يردد: «جسر أينشستاين مفتوح بصورة شبه دائمة.»
قال رئيس ناسا باكيا: «تقصد أنه جائع على الدوام؟»
أجابه: «نعم، لكنّ أملَ النجاة موجود بسبب أن معدل زفيره أكثر من معدلشهيقه، إلا إذا، إلا إذا ..»
تمتم ثم سكت. وكان سكوته بمنزلة رمي سهام القلق في روع رئيس ناسا فقالمضطربا:
-«إلا إذا ماذا؟»
– «نجاتنا منه مقترنة بنجاة الأجرام من حوله بأن تتحول إلى فرائس له.»
– «وإن لم تنج، تكن النهاية إذن؟»
– «نعم، كلنا سوف نكون له بنكهة جيدة، لكن لا تخش، فما دمت موجودا فلنيتمكن من هذا العالم.»
سكت هنيهة ثم قال: «سيادة الرئيس، أريد صورا أوضح لهذا الملعون.»
على الفور أرسل رئيس ناسا إلى المراصد المتطورة والتلسكوبات المتموضعةعلى متن الأقمار الصناعيّة للتأكد ممّا رآه هو وجاك.
وبعد أن جاءته قال: «للأسف صور المراصد الفضائيّة تؤكّد مما رأيته سيادةالرئيس.»
ساد الصمت لحظات، أمسك جاك خلالها الصور التي أرسلتها المركبة الفضائيةغير المأهولة التي تسبح في الفضاء خارج المجموعة الشمسيّة، حدق بها جيدا، ونقر بإصبعهعلى موضع في إحدى الصور منها وهو يقول بعد فكر وتدبر: «هذا هو أمل النجاة، بصمة بخارماء.»
قال رئيس ناسا: «ماذا تقصد يا جاك؟»
– «عندما تتبلور الفكرة جيدا في رأسي سأخبرك.»
صمتا هنيهة، قال جاك بعدها: «سيادة الرئيس أريد أن تعقد اجتماعا سريافورا.»
***
وحضر جميع أعضاء وكالة ناسا.
نظر بك إلى جاك نظرة إعجاب، وقال له: «لقد صدق ظنك يا جاك وهزمتنا جميعا.»
ناوله جاك صور الرصد وقال: «أرجو أن أستفيد بخبرتك سيدي بك، فأرجو إبداءرأيك.»
حدق بك جيدا بالصور، قال وهو يطاطئ رأسه: «إنّ قذفه الشديد وصعوبة التهامهينذر بفنائه قريبًا، فقذفه ينهي حياته، وصعوبة التهامه تدلّ على الضعف الشديد لجاذبيّته.»
قال جاك: «وماذا يحدث لو وقعت بعض الأجرام في أفق حدثه، تكون الكارثةإذن؟»
أجابه بك: «قلت لك يا جاك جاذبيته ضعيفة، ونجاتنا من فكه المفترس محتمة.»
قال جاك: «وماذا لو ذهبت إليه بعض الأجرام طوعا أو كرها، كثير من الأجرامعائمة في الفضاء سيدي بك.»
بُهت بك وهو يحدق به، ولم يجد وسيلة لحفظ ماء وجهه غير السكوت.
قال جاك: «لدينا أمل، بصمة بخار الماء.»
اندفعت أكتافهم إلى الأمام قليلا، وسلطوا أنظارهم إليه، وكاد بعضهم أنيبسط يديه إليه كالغريق، ومضت لحظات صمت وهم ينتظرون كلمته في وجل وترقب وجلودهم تقشعر.
قال جاك: «يا سادة، من مراصد التحليل الطيفي لأشعة الثقوب السوداء وُجِدبصمة بخار ماء في المنطقة المحيطة به، وظهر آثارها على بعد ملايين الكيلومترات.»
ردّ بكْ عليه: «بصمة بخار الماء في الغالب نتيجة البلازما الحارة التي يطلقها الثقب على مسافات بعيدة وتصيببعض المذنبات التي تحتوي على 80 % جليد ماء، لكن لم تخبرنا ما علاقة بصمة بخار الماءبالأمل؟»
ردّ جاك على الفور: «هذا الثقب من أنواع الثقوب الدوارة، وفي وسط فمهثقب دودي، وعلى طول الشريط الحدودي الواقع تحت جاذبية أفق حدثه بصمة بخار ماء، فضلاعن أن معظم الوقت ثقبه الدودي مفتوح وهذا يدل على أنه (الثقب الدودي) يحتوي على المادةالسالبة، وهذا كله يسهل علينا اختراقه.»
قال أحد الأعضاء البارزين: «طبعا، الثقب الدودي مُرغم على الفتح معظمالوقت لأن المادة السالبة هي المسئولة عن ذلك.»
فهم بك ما يرمي إليه جاك، ولذلك صاح به متمتما: «هل جُننت يا جاك؟! كيفتفكر في الذهاب إليه؟»
قطب رئيس ناسا فور صياح بك، وقال ممتعضا خوفا عليه: «ماذا تظن نفسك ياجاك؟ أنت أبله، أنت فاكر إن اللجنة عندما منحتك رسالة الدكتوراه في خزعبلاتك أنك عبقري،وعلى حق! تريد أن تذهب إليه بشراعك الشمسي المزعوم وجهازك الشامل، جهازك هذا مجرد وهم،لذلك لن أدعمك. جاك، لقد تخطيت حدودك، وحان الوقت كي تعرف قدرك.»
سكت رئيس ناسا، وساد الصمت في المجلس، وكأن معركة شرسة أقيمت وانتهت بسحقجاك وهزيمته هزيمة منكرة، أما جاك فإنه متأكد بأن رئيس ناسا أغلظ له في القول خوفاعليه، ولم يجد بدا في مواصلة فيما عزم عليه، قال: «ألم أقل لكم إن هذا النجم سيتحولإلى ثقب أسود ونكرتم علي؟! ألم أقدم رسالة الدكتوراه في ابتكار شراع شمسي وجهاز شامل،ورغم سخرية لجنة المناقشة فيما قدمته في الرسالة إلا أنهم لم يجدوا بدا في منحي الرسالةبسبب قوة حجتي وقوة استدلالاتي؟! وأقول لكم اليوم إني قادر على الخلاص من هذا الثقباللعين، والأحرى بكم أن تصدقوني وتثقوا فيما قلت بعد أن ثبت صدقي فيما أنكرتم علي منقبل.»
قال أحدهم ساخرا: «أنت فاكر إن الموضوع لعبة، تريد أن تسبح في الفضاءبشراع شمسي عشر سنين بقوة دفع اندماج نووي ومحطات شمسية عملاقة على سطح القمر، إن نفقةالرحلة قد تستنزف كل اقتصاد العالم.»
كظم بك غيظه بمغادرة قاعة الاجتماع. أما رئيس ناسا فوثب منتفضا وأشارإلى جاك بسبابته معنفا بقوله: «جاك، أعرض عن هذا وإلا طردتك من الوكالة.»
هب فيهم جاك جميعا، وصرخ: «أنا أستطيع أن أحدد مساري إليه، وأراه أماميرأي العين، أنا أستطيع أن أرسم خريطة فضائيّة بكل دقة لمجرة درب التبانة، وهذا المتمركز(يقصد الثقب الأسود) في أول سحابة أورط أهون علي من جناح بعوضة لو تكاتف العالم واتحدبدلا من تربص بعضهم بعضها، وإن كنتم ترتابون في قدرتي فإني أذكركم أيضا فضلا عما سبقبأني كنت حديث العالم يوم أطفأت حريق جامعة بيركلي بسيارة طائرة في حين عجزت طائرةالإطفاء العملاقة عن إطفائها، وإني أسألكم الآن، هل تذكرون فتى البركان الملثم الذيلم يعرفه أحد حتى الآن؟»
قالوا له: «وما علاقة هذا الفتى المعجزة بما نحن فيه؟ هل شرد عقلك لهذهالدرجة؟»
فاجأهم جاك: «أنا فتى البركان الملثم الذي كان ولا يزال حديث العالم-منذ أكثر من عشر سنين- ولاسيما أمريكا حتى الآن.»
تبسم رئيس ناسا ضاحكا فرحا وإعجابا بجاك الذي يعتبره أغلى من أولاده،بينما تسمر الباقون وكأن على رءوسهم الطير.
قال جاك: «والآن هل من الممكن أن أشرح خطتي؟»
قال رئيس ناسا: «اتفضل.»
قال جاك: «القمر نملك فيه بعض الخامات التي تصلح لصناعة مجموعة ليزراتقويّة، لكنها لن تكفي مطلقًا لخوض رحلة إليه، لابدّ من إرسال كلّ المواد اللازمة لبناءأجهزة ليزرات ضخمة عبر المصاعد الفضائيّة التي تمتلكها ناسا، على الفور. وعمل الشراعالضوئيّ على الفور.
وأنا سأعمل ليلاً ونهارًا على الجهاز الشامل. أرسلوا هيليوم -3 الى القمراللازم لعملية الاندماج النوويّ، ذلك الهيليوم الذي اغتصبتموه أنتم وغيركم منه، وكثّفواالبحث عن المزيد والمزيد منه فقد نحتاج كلّ الكميّة الموجودة على سطح القمر، أريد خبراءالفيزياء النوويّة على القمر خلال أيام.»
لم يجدوا مفرا من الموافقة رغم عدم قناعاتهم بكل ما بينه، وكأنهم يقنعونأنفسهم بأنهم أغبياء، أو كأنهم يقنعون أنفسهم بأنه على صواب وذلك من خلال انغلاق عقولهمأمام أسطورة عبقريته.
وقبل فضّ الاجتماع كلّمه رئيس ناسا واضعا يده على كتف جاك: «فتى البركانالملثّم أهلاً بك في ناسا، أنقذتَ جامعة بيركلي سابقا والآن سوف تنقذ العالم كله فيساحة سحابة أورط.»
***
في الوقت الذي كان يصارع فيه جاك أعضاء وكالة ناسا كان فهمان يصارع نفسهمن أجل دفعها نحو العمل على مصادم FFC-2.
فإن كان جاك يود مصارعة ثقب أسود في السماء، وهو يعرف مكانه بالضبط، فإنفهمان يجبر نفسه من أجل البحث عن المعبر الذي يؤدي به إلى بوابة إبليس والذي أسماهبالوتر الناري المهتز وهو وتر واحد فقط من بين مليارات الأوتار الفائقة التي تكلم بهاكثيرٌ من الفيزيائيين.
لم يستطع قلب فهمان ولا عقله استيعاب ما يحدث في العالم من حروب إلا منخلال أفعال إبليس.
أفعال إبليس وحزبه جاثمة علىصدره، فصرخ استغاثة: وعزة الله وكبريائه لن أتركك أيها الإبليس اللعين، إن كنت تظنأنك في مأمن مني وأنت قابع خلف بُعد محجوب عن البشر فأنت حالم واهم، مصادمي FFC-2 سوف يكشفبُعدك، وسوف أطرق البوابة وأدخل.
وسـتعلم قوة الطين عندما تصارع النار.