جمعية للرفق بالإنسان
ديسمبر 01, 2018
عدد المشاهدات 2082
عدد التعليقات 0
نهى الصراف
أكثر ما يلفت انتباهي في الأخبار التي تنشرها الصحف العالمية على مواقعها في الإنترنت، تعليقات القرّاء التي تأتي في ذيل الخبر. وهي وسيلة جيدة لقياس الرأي العام، حتى في أضيق حدوده، خاصة أن المشاركين قلما يفصحون عن أسمائهم الحقيقية.
قبل أيام مثلا، نشرت صحيفة بريطانية خبرا مفاده؛ أن أحد المزارعين حُكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ لأنه قام بحبس مجموعة من الحيوانات الأليفة، كلاب وقطط بمختلف الأحجام داخل أقفاص مخصصة أصلا للأرانب، من دون أن يوفر لها الحد الأدنى من الطعام والشراب، في أحد المنازل لغرض بيعها للزبائن الراغبين في الشراء، حيث قضت هذه الحيوانات البريئة أوقاتا عصيبة في الحديقة الخلفية من المنزل في انتظار دورها في البيع، كأي سلعة أو قطعة أثاث مهملة. وكانت السيدة مالكة المنزل، قد تولت مهمة البيع من خلال كشك صغير كان مخصصا لتسليم (البضاعة) للزبائن وقبض ثمنها. وبعد وفاة أحد الكلاب اللطيفة بسبب البرد والمعاملة السيئة، توالت الشكاوى من قبل بعض الزبائن والجيران قبل أن يداهم المكان أفراد من مؤسسة خيرية تعنى بمنع استخدام العنف ضد الحيوانات، ويسجلون الوقائع بالفيديو والصور التي أظهرت الظروف المزرية التي عوملت بها الحيوانات الضحية. وُجد المزارع مذنبا لانتهاكه قانون رعاية الحيوان والتسبب في معاناة لا داعي لها وحكم عليه بالسجن لمدة 20 أسبوعا مع وقف التنفيذ وغرامة قدرها 3000 جنيه إسترليني، كما حُظر (مدى الحياة) من اقتناء أو رعاية أي حيوان في المستقبل.
أما تعليقات القرّاء على الخبر فكان أبرزها؛ “من المخزي تماما أن تبقى الحيوانات في هذه الظروف بينما يعيش هؤلاء في بيت نظيف”، بينما كتب آخر؛ “أنا في حالة من الغضب التام، كيف تتم إدانة شخص ما بمثل هذا السلوك المستهجن بعقوبة مخففة كهذه”، بينما كتبت قارئة غاضبة؛ “يجب أن يسجن هؤلاء في أقفاص للأرانب طيلة مدة العقوبة”.
انصب اهتمام أغلب القرّاء على استهجان فعل المزارع ومساعدته وطالبوا بعقوبة رادعة وبعضهم كان قلقا على مصير الحيوانات. على الرغم من أن المؤسسة الخيرية تصرفت على وجه السرعة، فتكفلت بإيجاد سكن مناسب لها بظروف صحية ملائمة انتظارا لمنحها لمالكين جدد.
قبل أسبوع، قام مدير مدرسة في الموصل العراقية بتوجيه عقوبة الضرب المبرّح لمجموعة تلاميذ في مدرسته كأسلوب لتأديبهم. استشاط أحد المسؤولين في السلّم الأعلى غضبا من فعلة المدير غير الإنسانية، فاستدعاه إلى محل عمله وأمطره بكمية وافرة من الإهانات على رؤوس الأشهاد. وكل ذلك كان موثقا بشريط فيديو صادم، رفع القضية من مستوى الإساءة إلى تلاميذ صغار إلى الإساءة إلى المؤسسة التربوية بأكملها، فظهر المعلم تارة بصورة جلاد وتارة أخرى في ملابس الضحية وهو يتلقى عصا التوبيخ باستسلام كامل. صورة محزنة تناولتها وسائل التواصل الاجتماعي بالبحث والتحليل، ثم الاستنكار والتشفي بالطرفين.
وفي حمى تبادل الاتهامات وتوجيه اللوم واحتراق الأخضر بسعير اليابس، لم ينتبه أحد إلى أن هناك كائنات مغلوبة على أمرها ذهبت ضحية التهميش في حمى المعركة غير العادلة.
لم يلتفت أحد إلى الآثار المدمرة التي تركتها عصا المدير على هذه الأرواح الغضة، قبل أن تتركها على أجسادهم فضاعت أصواتهم وسط الفوضى والضجيج، ولم تتصدّ لنكبتهم جمعية للرفق بالإنسان فصاروا مجبرين، كما يبدو، على الانتظام في الدراسة في اليوم التالي في نفس المدرسة بصفوفها المكتظة التي تشبه أقفاص الدجاج، وهم يطالعون الوجه ذاته الذي مازال يحمل العصا بيده، العصا التي انتصرت في النهاية.
كاتبة عراقية