خيارات مسعود بارزاني الصعبة

أكتوبر 19, 2017
عدد المشاهدات 1263
عدد التعليقات 0
هوشنك أوسي
الاحتلال الإيراني العراقَ اكتمل، بعد احتلال الحشد الشعبي والحرس الثوري الإيراني والميليشيات الطائفيّة محافظة كركوك. ذلك أنه بعد سقوط نظام صدام حسين، ثم رحيل القوات الأميركيّة عن العراق، وغزوة «داعش»، كان احتلال طهران العراقَ منقوصاً، لأن منابع النفط والغاز في كركوك، كانت خاضعة للسلطة الكرديّة. فالعراق بالنسبة إلى طهران ليس النجف وكربلاء والمقامات الشيعيّة «المقدّسة»، بل النفط والغاز وحسب. وألف نجف وكربلاء لا تعادل ربع مقام كركوك لدى القادة الإيرانيين.
من المؤسف القول: هذا الاحتلال لعب دوره فيه المتبقّي من حزب الرئيس العراقي السابق، الراحل جلال طالباني، والذي تقوده الآن عقيلته هيرو إبراهيم أحمد ونجلاها (بافل وقباد) وابن عمهما (لاهور شيخ جنكي طالباني)، وشاناز إبراهيم أحمد، ونسيب العائلة القيادي ملا بختيار… فهذه الجماعة الموالية لطهران والتي تقود الحزب، كانت «حصان طروادة» الذي مهّد لهذا الاحتلال. ومُخطط وواضع دور «حصان طروادة» أو «حصان كركوك» بخبث وجدارة ودهاء، هو، في غالب الظنّ، قاسم سليماني.
لم يعد خافياً تعرّض رئيس الإقليم مسعود بارزاني لخديعة كبرى، حين أوهمه «الاتحاد الوطني» بأنه شريك في الاستفتاء ومشارك فيه، وحضّر الحزب مهرجاناً جماهيريّاً ضخماً لبارزاني في مدينة السليمانيّة، معقل «الاتحاد»، شارك فيه عشرات الآلاف. هذه المشاركة المخاتلة في الاستفتاء خلقت انطباعاً لدى كل الأكراد، داخل العراق وخارجه، بأن صفحة الخلاف التاريخي بين الكرد طويت، وأن شبهة الغدر والطعن في الظهر باتت بعيدة أو مستبعدة من «الاتحاد الوطني». هكذا، اطمئنّ الكرد عموماً وحزب بارزاني على وجه الخصوص، إلى موقف «الاتحاد الوطني»، وأن الطعن قد يأتي من تركيا، وليس من الداخل الكردي؟ وصار بارزاني يأمن جانب جماعة هيرو إبراهيم أحمد، ولم يتخذ أي إجراء عسكري من شأنه مضاعفة الوجود العسكري الكردي في كركوك، وتغيير الرؤوس العسكريّة الكبيرة في المحافظة.
لكن وقائع «ليلة الغدر» في كركوك، كان لها كلام آخر، وبني عليها استكمال سيطرة بغداد على كامل المحافظة ومناطق أخرى مما كان ضمن المناطق المتنازع عليها، بحيث عاد الوضع إلى ما قبل 2003. في ذلك العام، أيضاً، بعد سقوط نظام صدّام، وانهيار الجيش العراقي، استولت القوات الكرديّة على مدينة كركوك. فقام حزب مام جلال، بإقناع مسعود بارزاني بضرورة حلّ المشكلة بالسبل القانونيّة والدستوريّة، وبأنه تجب إعادة كركوك إلى المركز – بغداد. وامتثل بارزاني لمشيئة ورغبة جلال طالباني وقتذاك. وحدث ما حدث، من تضمين الدستور العراقي المادة 140، ثم تعطيلها من الحكومات العراقية – الإيرانيّة الحاكمة في العراق، وصولاً إلى احتلال المحافظة، بدعم إيراني وتغطية وصمت أميركيين.
من جهة أخرى، على رغم الخلاف العربي الشديد مع إيران، فإن تعامل الإعلام العربي، المناهض لإيران، مع أزمة كركوك، حتى أثناء احتلالها من قبل إيران وبعده، جعله يبدو كأنّه إعلام الحشد الشعبي، لجهة إغداق الأعذار والمبررات لهذا الاحتلال، وأنه قضى على حلم «الانفصال»… واستخدام تعابير من هذا القبيل.
بات من شبه المستحيل إعادة كركوك إلى كردستان. وحملة النزوح التي شهدتها المحافظة، ستتسبب في إحداث تغيير ديموغرافي عميق وشديد في التركيبة السكانيّة للمدينة، ناهيكم بحملات التعريب التي ستمارسها الحكومة الإيرانية – العراقية الحالية في كركوك. ومع كل ما سلف ذكره، ثمة من الموالين لـ «الاتحاد الوطني الكردستاني» ممن يصفون الاتفاق المبرم بين بافل جلال طالباني والحكومة العراقية بأنه «خطوة عقلانية جريئة لحقن الدماء، وتجنيب المدينة دماراً هائلاً»، من دون الاكتراث لتبعات حركة النزوح، ومآلات مدينة تحت حكم «الحشد الشعبي»!
وسط هذه الحال المأزومة والانقسام الداخلي الكردي، والشعور بالخيبة والانكسار، تبدو خيارات مسعود بارزاني، شديدة الصعوبة والمرارة. فإمّا أن يتجرّع كأس سمّ الهزيمة، ويعود طائعاً صاغراً، إلى حظيرة نظام الولي الفقيه الحاكم في إيران والعراق وسورية ولبنان واليمن، أو أن يبحث عن خيارات مقاومة أخرى. وإلى جانب هذا وذاك، يطلّ برأسه الانقسام الكردي، ومساعي حزب «الاتحاد الوطني» إلى فصل السليمانية وحلبجة وكركوك عن كردستان وضمّها إلى العراق، في حال مضى بارزاني في خيار الاستقلال، بخاصّة أن مصادر إعلاميّة كثيرة تحدّثت عن نقاط الاتفاق الذي تمّ إبرامه بين بافل جلال طالباني وهادي العامري، في رعاية قاسم سليماني.
ثمّة قول كرديّ مأثور، مفاده: «التاريخ الكردي خطّان متوازيان: الخيانة والمقاومة. ودائماً كانت الغلبة للخيانة، لكنْ بما لا يقضي نهائيّاً وبالكامل وعلى نحو مبرم على المقاومة». وفي تجربة كركوك واحتلالها، عبّر هذا التوصيف عن نفسه.
في مطلق الأحوال، يتحمّل مسعود بارزاني جزءاً مهمّاً واستراتيجيّاً من المسؤوليّة حيال ما حصل في كركوك وبقية المناطق. وهي مسؤوليّة لا تتعلّق بالذهاب إلى الاستفتاء، بل بعدم التحوّط العسكري والأمني الكافي، والتحسّب لاحتمالات الالتفاف والخيانة التي قد تحدث في زمن الحروب والأزمات في كل مكان، بخاصّة في التاريخ والواقع الكردي الزاخر بالخيانات.الحياة
* كاتب كردي سوري.