لبنان والانتخابات… والوصاية الإيرانية المعلنة
مايو 06, 2018
عدد المشاهدات 878
عدد التعليقات 0
خيرالله خيرالله
يتداول اللبنانيون على مواقع التواصل الاجتماعي نكتة هي في الواقع شعار سياسي في غاية الأهمية والجدية والدقّة يصلح عنوانا للانتخابات النيابية التي يشهدها البلد اليوم الأحد: تقول النكتة التي تصلح عنوانا لما هو على المحك في الانتخابات “في صباح السادس من أيار – مايو لازم توعى وتروح تنتخب… مش تروح تنتخب وبعدين توعى”.
سيندم اللبنانيون كثيرا بعد ظهور نتائج الانتخابات. سيندمون أوّلا على السماح بتمرير قانون انتخابي عجيب غريب، أقلّ ما يمكن أن يوصف به، أنّه وضع على قياس “حزب الله” الذي حوّل الطائفة الشيعية إلى طائفة منغلقة على نفسها.
لم يعد مسموحا داخل الطائفة لصوت آخر بأن يعبّر بالفعل عن التطلعات الحقيقية لشيعة لبنان الذين لديهم بعض أفضل العقول اللبنانية على كلّ المستويات وفي كلّ المجالات. هؤلاء الشيعة كانوا ينتمون إلى كلّ الأحزاب غير الطائفية في مرحلة معيّنة ولعبوا دورهم في النهضة التي عرفها لبنان حتّى منتصف سبعينات القرن الماضي.
اختزل “حزب الله” الشيعة في لبنان بفكرة السلاح غير الشرعي الذي يمتصّ موازنة الدولة اللبنانية ويدمّر مؤسساتها ويقيم في البلد اقتصادا ريعيا يعتمد على موارد مشبوهة وعلى ما يتوفر من إيران. لم يخف الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله يوما أن إيران تموّل “حزب الله” وتسلّحه وأنه “جندي” في خدمة “ولاية الفقيه”. لا شكّ أن قسما من الشيعة اللبنانيين سينتفض في وجه “حزب الله” بكلّ ما يمثلّه، خصوصا بعد مشاركته في الحرب على الشعب السوري ووصوله إلى دعم الأداة الجزائرية المسمّاة “بوليساريو” من أجل التحرّش بالمغرب، البلد المسالم أوّلا وأخيرا.
ستؤكّد نتائج الانتخابات أنّ لا تغيير في نهج “حزب الله”. ستؤكد أيضا ذلك القسم من الشيعة الواعين لما يدور في البلد والمنطقة لن يكون كافيا لإحداث تغيير كبير يمكن القول بعده إنّ لبنان انتصر على المحاولة الإيرانية التي تستهدف تحويله إلى مستعمرة وجعل بيروت مدينة على المتوسط تدار من طهران.
كان الهدف الأوّل والأخير من القانون الانتخابي الذي يعتمد النسبية والصوت التفضيلي في الوقت ذاته شرذمة الطوائف اللبنانية باستثناء الشيعة. هذا قانون يخلط بين الزيت والماء، أي بين ما يصلح لبلد فيه أحزاب سياسية معروفة المعالم من جهة وطوائف تتناحر في ما بينها من جهة أخرى.
سيقود هذا القانون إلى كارثة على الصعيد اللبناني، لا لشيء سوى لأنّ لدى “حزب الله” القدرة على إنتاج مجلس جديد للنوّاب لا أكثرية واضحة فيه للقوى التي تنادي بالسيادة والاستقلال وتدرك تماما النتائج التي ستترتب على ما الذي تعنيه عودة رموز لمرحلة الوصاية السورية إلى الواجهة. لعبت هذه الوجوه دورا ما، على الصعيد الأمني، في التمهيد لاغتيال رفيق الحريري. لعبت هذا الدور من حيث تدري أو لا تدري، والأرجح أنها كانت تدري، خصوصا أن النظام السوري الذي كان يشغّل هذه الوجوه كان يدري مسبقا بأنّ عليه توفير الغطاء لعملية تفجير موكب “أبوبهاء”.
ما الغرض من إدخال وجوه من هذا النوع إلى مجلس النوّاب عن طريق “حزب الله”؟ هل المطلوب الاستعانة بخبرة هذه الوجوه في مرحلة الوصاية الإيرانية المعلنة التي يعتقد الحزب أنّها صارت على باب قوسين أو أدني؟
لا يجوز للبنانيين الاستخفاف بما يمكن أن تسفر عنه الانتخابات التي تجري يوم السادس من أيار – مايو 2018. ما لا يجوز بأي شكل هو التغاضي عمّا سيكون على المحك في المرحلة المقبلة. ما سيكون على المحكّ هو تشريع سلاح “حزب الله”. هذا هو الهدف كلّه من إصرار الحزب على القانون الانتخابي الجديد وعلى إيصال مرشّحين سنّة ليس لديهم من برنامج سياسي غير الحقد على سعد الحريري. هذا الحقد جعل هؤلاء المرشحين، المعروفين ببخلهم الشديد وكرههم الشديد لكلّ ما له علاقة بالصدق، يصرفون في بيروت وطرابلس ملايين الدولارات فجأة. هؤلاء يعملون لدى “حزب الله” وينفذون برنامجه مهما تغنوا ببيروت وطرابلس.
من لا يدرك أن المعركة التي يخوضها سعد الحريري هي معركة عروبة لبنان ورفض عزله عن محيطه العربي يهرب من الواقع ويتظاهر بأنّ هناك واقعا آخر ليس موجودا سوى في مخيلة ذوي النفوس المريضة التي ترفض رؤية ما فعلته عناصر “حزب الله” قبل أيام قليلة حين اجتاحت منطقة الجميّزة في قلب بيروت الشرقية على دراجات نارية رافعة أعلام الحزب ومطلقة شعارات مذهبية. كانت الحجة الاحتفال بفوز فريق ريال مدريد على بايرن ميونيخ ووصوله إلى نهائي مسابقة بطولة الأندية الأوروبية حيث سيواجه فريق ليفربول الإنكليزي. ما دخل الجميزة بفوز فريق إسباني في إطار بطولة أوروبية؟
كان الهدف الحقيقي إظهار الدعم لمرشّح ماروني يستخدمه الحزب في تلك المنطقة، على الرغم من أن هذا المرشّح ميليشياوي سابق في صفوف “القوات اللبنانية”. صار هذا المرشّح “مقاوما” لمجرّد أنّه قرّر نقل بندقيته من كتف إلى آخر. ولكن ما العمل عندما يكون الحزب يريد فرض مرشّحيه على مسيحيي لبنان ولم يختر من أجل ذلك غير أولئك الذين على يدهم دماء؟ يبدو أن الصلة الميليشياوية لدى الحزب أهمّ من أيّ صلة أخرى.
بعد الانتخابات ستطرح الاستراتيجية الدفاعية. هذا ما وعد به رئيس الجمهورية ميشال عون. سيتبيّن مدى جدّية هذا الطرح الذي يُفترض أن يعني أن لا سلاح شرعيا غير سلاح الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية. أي دور سيلعبه مجلس النوّاب الجديد في إيجاد ثغرات ينفذ منها “حزب الله” بسلاحه إلى الاستراتيجية الدفاعية عن طريق صيغ غامضة مثل الحاجة إلى “المقاومة” من أجل صدّ العدو الإسرائيلي أو “داعش”؟ هل من فارق بين “داعش” السنّي و”الدواعش” الشيعية التي يقف في وجهها بالفعل رجال مثل سعد الحريري لا يؤمن بغير الاعتدال والوسطية والانتماء العربي للبنان. يتصدّى سعد الحريري لكل أنواع التطرّف، بغض النظر عمّا إذا كان شيعيا أو سنّيا، هو ووزير الداخلية نهاد المشنوق الذي حدّد باكرا معالم معركة بيروت وأهمّية الدفاع عن عروبتها في مواجهة الميليشيات المذهبية من كلّ نوع وكلّ الأوباش المتفرعين عنها.
يفترض باللبنانيين أن لا يضيعوا البوصلة. يفترض بهم الّا يخطئوا في العنوان. العنوان هو سلاح “حزب الله” الذي يسعى حاليا إلى إيجاد طريقة تبييض لنفسه، على طريقة تبييض الأموال. سيعمل “حزب الله” لتشريع سلاحه. هل يعي اللبنانيون ذلك أم أنهم مقدمون في 2018 على ما هو أسوأ من اتفاق القاهرة في العام 1969 الذي يتحمّل سنّة لبنان مسؤولية كبيرة عنه؟ لم يدرك هؤلاء معنى الخطيئة التي ارتكبوها في حقّ أنفسهم أوّلا إلّا بعد اغتيال رفيق الحريري. حصل ذلك في مرحلة لم يفهم فيها زعماء المسيحيين، باستثناء ريمون اده طبعا، أن لا معنى للوصول إلى رئاسة الجمهورية بأيّ ثمن كان. هل يدرك المسيحيون خطورة ما هم مقبلون عليه وأبعاده إذا لم يتداركوا أمرهم في الساعات التي تفصل عن موعد الانتخابات… أم أنّ أوان ذلك قد فات؟
إعلامي لبناني