الوعي الاختياري لشعوب دول الجنوب
نوفمبر 21, 2018
عدد المشاهدات 7049
عدد التعليقات 0
الوعي الاختياري لشعوب دول الجنوب
جوتيارتمر / كوردستان
18-11-20018
لم يعدخافياً على احد بأن الشعوب التي لاتمتلك انظمة حكم ديمقراطية تعيش في حالة منالفوضى على جميع المستويات الداخلية والخارجية، فضلاً عن كونها تعيش حالة من ضياعالامن والاستقرار بدرجة ان فوبيا الازماتتلاحقها في كل لحظة تمر من تاريخها، ولاتقتصر الازمات على صعيد محدد انما تُطال جميعها خاصة حين يتعلق الامر بحاجيات الشعب، وذلك ما يفرض بقوة قضيةالاختيار الشعبي لقادته ولمن يتحمل مسؤولياته امامهم.
ان تلك الفرضيات التي دائما نتناقلها عبرالكتابات ووسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة تعد فيالكثير من الاحيان رسائل مبطنة الى الشعب كي يدرك بأن الوقت قد حان لفهم العمليةالديمقراطية وفق معايير مغايرة ، مفاهيم تستند على العمل لا على الاقول، علىالمنطق لا على الشعارات، فعلى الرغم من ايماننا باننا نعيش في واقع نحتاج فيه الىقاعدة متلاحمة وسلطة منظمة، نجدنا في الوقت نفسه نحاول تجاوز الكثير من الامورالتي هي في مضمونها تشكل معالم السلطة وملامحها،
وبنظرةسريعة الى الانظمة السلطوية في الشرق الاوسط وغالبية دول الجنوب التي تتميز بتعددمشاكلها الاقتصادية والاجتماعية وعلى هذا الاساس سميت بدول الجنوب وفق خط وهمي يفصل الدول المتقدمة عن الدول الفقيرة منذ السبعينيات من القرن الماضي ،نجد هذه الدول تعيش حالة من الفوضى السلطوية بجميع تصنيفاتها سواء العلمانية منهااو الثيوقراطية ” الدينية ” ، فليس هناك اية ضوابط تتحكم بها هذه الدولوهي منغمسة تماما في العدمية السلطوية ولايمكن اعتبار الدكتاتورية والقمع وحتىالاحتلال ” الاستعمار ” هي فقط الاسباب التي جعلت هذه الدول تعيش في تلكالدوامة الفوضوية، لان الشعوب ايضا تساهم وبشكل كبير ومباشر في ترسيخ تلك الانظمةوفق مسارات قد تكون مخططة لها من قبل تلك السلطوية احياناً، ومسارات اخرى تتعلقبوعي الشعوب بمفهوم السلطوية ضمن دائرة النعرات القبلية والانتماءات المذهبيةوالدينية .
ولوقارنا بين تلك الانظمة وبين غيرها في دول الشمال سنجد فارقاً واضحاً في البنيةالاساسية التي تعتمدها الشعوب لمفهوم السلطوية، بحيث يكون الوعي في الاختيار هوالاساس في الشمال، والانتماء القبلي العشائري او حتى الجغرافي هو الاساس في الجنوبوبين الوعيين يكمن القيمة الفعلية للسلطوية نفسها، فحين تكون مختاراً لانك او حزبكيملك مشروعا قوميا يحافظ به على قوة الدولة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياًوقتها سيكون ذلك الوعي الاختياري كالرقيب على جميع افعالك واعمالك وعلى ما تقدمهللدولة وما تنتجه للشعب، وسيكون لديكاعتبارات قد يراها البعض قمعية لكنها تخدم في الاساس المصلحة العامة للدولة والتيهي فوق جميع الاعتبارات الاخرى فالامن القومي مثلا لايمكن المساومة عليه في هذهالدول، وقد تمارس الدولة احيانا قمع فيئة او جماعة او حزب او شخصيات من اجل تثبيتدعائم الامن القومي، وهذا ما قد يراه الاخرون لاسيما في دول الجنوب بانه ايضا قمعودكتاتورية ولكنهم يتجاهلون تلك القاعدة الاساسية التي تبنى الدول المتقدمة عليهافيما يتعلق بالامن القومي لديها، فهذا الامن لايمس السيادة السلطوية فقط انما يمسالدولة باكملها وهذا ما يعني بالتالي ان حماية الشعب ” الدولة ” هيالقيمة الفعلية للانطمة لديها، في حين تتجاوز دول الجنوب تلك القيمة الفعلية لانظمتها،التي الاساس الفعلي لديها هي قوام السلطوية وقدسية الاشخاص والاحزاب السلطويةبعيداً عن المعايير التي يمكن تتماسك بها الدولة سياسياً واقتصادياً واجتماعياًوعسكرياً، ومن ذلك يظهر ماهية الاختيار لدى شعوب الجنوب بحيث اللاوعي الاختيارييتسبب في خلق جدران وهمية يتم من خلالها تقديس الاشخاص ” السلطوية ” وتمجيدهمبشكل يتنافى كلياً مع ما تقدمه السلطوية للشعوب ، فالشمالي يختار السلطة وفقمعايير ما تقدمه السلطة للشعب لاسيما في اهم حقول الحياة لديهم ولدى جميعالمجتمعات ،المؤسسات التعليمية والمؤسسات الصحية باعتبارهما اهم عنصرين لبناءالفرد والشعوب والاوطان، والتي تعتبر اكبر فارق بين كل من دول الشمال و دول الجنوبحيث شعوب الاخيرة تختار وفق مسار لا يخدم الا فيئة صغيرة من فيئات المجتمع، ناهيكعن تجاهلها لاهم مقومات الحياة لدى الشعوب لاسيما على الصعيدين التعليمي والصحي.
ان تلكالفوارق ليست عرضية او هامشية يمكن تجاوزها من اجل سيادة السلطوية، وليست منعدمةالقيمة للشعوب، بالعكس تماما فهي التي ترسخ مبدأ الديمقراطية الشعبية قبل السلطويةومن خلالها يتم غرس المفاهيم الاخرى التي تعطي الدولة قيمتها الفعلية سيادياًوشعبياً، فالفرد في دول الشمال يعيش مقتنعاً بالسلطوية لديه لانه في الاصل صحياًمُهيأ وذهنياً ونفسياً مؤهل، وهذا ماتفتقر اليه دول الجنوب حيث الاولوية لديه تقديس السلطوية الدكتاتورية”القومية ” او الدينية، حتى ان خروجهااحياناً على السلطوية ليس الا لترسيخ قيمة انتمائية حزبية او عشائرية او مذهبيةدينية اخرى تأخذ مكان الاولى، مما يعني الخروج من دائرة دكتاتورية قديمة الى خلقوصنع دائرة دكتاتورية جديدة وفق معطيات مستحدثة ظاهرياً، لتحقيق اهداف ومصالح فيئةعلى حساب الفيئات الاخرى داخل المجتمع الجنوبي.