هدايا

مارس 08, 2017
عدد المشاهدات 1163
عدد التعليقات 0
ريم قيس كبّة
كنت أعرفها من بعيد عن طريق أحد الأصدقاء.. لا علاقة لي قريبة بها ولم أحرص يوماً على التقرب منها أو معرفتها أكثر.. غالبا ما كنا نلتقي بالصدفة.. في بيت أحد الأصدقاء أو أثناء حضور نشاط ما أو ندوة أو محاضرة أو معرض فني.. لكنها كلما رأتني غمرتني بمحبتها واهتمامها.. وكنت غالبا أبادلها عبارات المجاملة والترحيب.. حتى فاجأتني ذات يوم بشيء أربكني..
قالت ببساطة “رأيت هذه القطعة أمس في السوق.. وأعجبتني جدا.. لكنني سرعان ما حدست أنها لا تناسب ذوقي.. وتذكرتك.. فهي تشبه ذوقك.. ولطالما انتبهت إلى حبك لهذا اللون وهذا النوع من الأشياء.. فاشتريتها.. خذيها.. إنها هدية متواضعة لك!”..
غمرتني عبارتها بأمومة عجيبة.. فهذا ما تفعله الأمهات غالبا.. وهو ما أفعله شخصيا مع أولادي بالدرجة الأولى ومع أحبتي وأصدقائي.. فنحن نادرا ما نفكر بإهداء أحد ما هدية دون مناسبة.. فقط لأننا وجدنا شيئا جميلا في السوق ولم نتخيل سوى أنه له!.. ولكن لعجبي كانت هديتها تلك بداية صداقة من نوع خاص.. فقد وجدت نفسي، بعد أن أخفيت خجلي وارتباكي، وأنا أسألها أسئلة عنها وعن حياتها وراحت ترد علي ببساطة مطلقة وكأنها تعرفني منذ سنين.. حتى لكأنها بهديتها فتحت باب قلبها لي مثلما فتحت الباب لأسئلتي وأسئلتها معا.. هكذا كانت البداية.. هدية بسيطة جدا ومتواضعة.. لكنها تضمر فرحا ودعوة بريئة للمحبة..
بعد سنوات من صداقة جميلة نمت بيننا.. جلسنا ذات يوم معا وتذكرنا الهدية التي ألفت بين روحينا.. وطفقنا نحكي عن الهدايا.. قلت لها إنني فرحت بهديتك الصغيرة لأنني أعشق الهدايا البسيطة الحقيقية التي تهدى من صميم القلب.. دون إحساس مزعج وكأنها ثقل نفسي ومادي.. فالهدية تحكي قصة صاحبها دون كلمات.. وعرفت بأنها مثلي لا تحب الهدايا الغالية.. وقالت “تلك الهدايا الغالية تضعني أمام مسؤولية البحث عن رد مناسب لها قد يرهق كاهلي.. وكاهل من أهديه.. أما الهدايا البسيطة المنتقاة بعمق واهتمام فهي التي تذهلني وتسحرني وتغمرني بالسعادة”..
مما لا شك فيه أن الهدية رمز للتواصل وللتعبير عن المحبة والاهتمام.. وانتقاؤها بعناية واهتمام يدل على ذوق صاحبها واهتمامه ومدى محبته للمهدى إليه.. وقيمتها لا يمكن أن تكون في ثمنها فقط.. فكم من هدية غالية الثمن رخيصة في معناها وفحواها وتضمر معاني تطالب بأن ترد بما يفوق ثمنها معنويا ونفسيا.. ومن جانب آخر ثمة هدايا قيمتها المعنوية عظيمة، ومعناها يفوق ثمنها ويدل على معزة خاصة ومكانة كبيرة مميزة..
أما هدايا المحبين فوحدها يمكن أن تملأ مجلدات ودواوين شعرية وروايات.. ناهيك عن الأغاني التي تحاكي الهدايا وفكرتها وما الذي تعنيه للعشاق.. فهم ينتظرون المناسبات بلهفة ليعبروا عن عشقهم بما يمنحون من هدايا.. وتكون للخصام حصته أيضا إذ ينتهي ما إن يبتدئ البحث عن هدية للتصالح.. وإذ يحل شبح الفراق تصبح الهدايا أولى ضحايا نهايات الحب!..
أما أنا.. فإنني شخصيا لا أجد من هدية تهدى لي أغلى من وردة.. فللورد معي قصص تبدأ ولا تنتهي.. وليس كمثله ما يمنحني الفرح والحبور.. ويجعلني أسامح وأغفر أعتى الخطايا.. ويفتح في روحي ألف نافذة للحب والجمال..
صباحكم ورود وهدايا عاطرة..
شاعرة عراقية مقيمة في لندن