الخدمات سلاح لي الاذرع.. تقرير عربي: لماذا رفع علم اليمن في عدن؟
أبريل 21, 2017
عدد المشاهدات 558
عدد التعليقات 0
عدن اوبزيرفر-إرم نيوز:
في يوليو / تموز العام 2015 وبعد تحرير العاصمة اليمنية عدن من الميليشيات الانقلابية، عاد أهالي المدينة إلى منازلهم بعد أن قضوا عدة أشهر من النزوح خارجها ، حينها كان الأمل يملؤهم والأحلام تراودهم بعدن جديدة تنسيهم سنوات طويلة من الآلام والهموم التي عاشوها.
وبعد عامين من تحرير المدينة، تبخرت تلك الآمال وتبدّدت أحلام المواطنين وهم يشاهدون تدهور الأوضاع والخدمات الضرورية كالكهرباء والمياه والمرتبات، في حين يرى مراقبون ومتابعون للشأن اليمني أن الخدمات الأساسية بالمدينة باتت تستخدم كسلاح لليّ الأذرع بين أقطاب متصارعة.
ولم تتمكن الحكومة الشرعية من وضع حل جذري لمشكلة الكهرباء في عدن خاصة أنها باتت عاصمة مؤقتة للبلاد، وذات الأمر يتكرر بالنسبة للمياه والمرتبات وغلاء الأسعار والمشتقات النفطية وغيرها من المستلزمات الأساسية.
وبينما تعلن الحكومة في أكثر من مناسبة افتقارها للدعم المناسب لتحسين تلك الأوضاع ، يتهم سياسيون وإعلاميون وأكاديميون باليمن جهات في الحكومة بعمليات نهب واسعة طالت حتى المواد الإغاثية الواردة من الخارج.
مهام أخرى
ويعتبر نشطاء سياسيون أنه يفترض على الحكومة الشرعية تحويل المحافظات المحررة إلى نموذج مشرق في اليمن خاصة أنها تحظى باعتراف ودعم دوليين يمكنها من ذلك، وهو الأمر الذي -إن وقع- سيمنح الحكومة ثقة سكان بقية المحافظات التي ما زالت تحت سيطرة الانقلابيين.
ويقول الصحفي والقيادي في الحراك الجنوبي باليمن رائد الجحافي في تصريحات لـ”إرم نيوز” إن “الكهرباء في عدن أضحت شبه منعدمة ويمكن أن تتوقف نهائيًا في أي لحظة، بينما درجة حرارة الجو مرتفعة جدًا، والأهالي يكابدون الحياة من كافة النواحي، فلا خدمات ولا رواتب ولا فرص عمل، هذا بالإضافة إلى حالة عدم الاستقرار التي تشهدها عدن ومناطق الجنوب الأخرى”.
وأضاف:”أمام هذا الوضع المزري توجد شبه حكومة وبكل أسف تُمارس مهام أخرى مختلفة تماماً عن المهام التي يفترض أن تمارسها، مثل سرقة ومصادرة المساعدات الخارجية المتعلقة بالهبات الغذائية وغيرها، ومصادرة وتقاسم إيرادات الميناء، وشركة النفط ومصافي عدن، ورسوم الجمارك”.
وتابع الجحافي أن من بين تلك المهام أيضاً “تقاسم ونهب ما تبقى من أراض وعقارات كانت تعتبر ملكًا للدولة وكذلك نهب الممتلكات العامة، وتمكين العصابات من الاستيلاء على منازل وممتلكات بعض القيادات المحلية بحجة حماية الشرعية، وكذلك تشكيل عصابات مسلحة ودعمها واستقطاب المتطرفين وشحنهم مناطقياً ودينياً كقوة احتياطية تأتمر بأوامر شخصية”.
ويرى الجحافي أن الجميع في حكومة الشرعية والسلطات التابعة لها يؤسسون لِغَدٍ مشؤوم لا يخلو من التناحر والصراع الدموي، وفي حال استمر هذا الصراع فإنه سيساعد على تفشي ونشوء الجماعات المتطرفة التي ستستغل بالتأكيد هذه الورقة وستعمل على ترتيب الأولويات بحسب مصالحها الخاصة.
واختتم بالقول: “الأمر الأبشع صورة هو لجوء أطراف في الشرعية إلى اللعب بالخدمات الأساسية لحياة السكان خدمة لأجنداتها ونكاية كل طرف بالآخر دونما أدنى اعتبار لقيم الانسانية والدّين والوطن”.
خلاف مشاريع
كان الحوثيون وقوات صالح خصماً مشتركاً لدى أطراف عديدة مختلفة أيدولوجيا في جنوب اليمن، لكن عقب التحرير بدأ ذلك التحالف المؤقت بالتلاشي يوماً بعد آخر، لاسيما أن كل طرف له أهداف وأجندات مختلفة عن الآخر، فما يسعى له هادي وحكومته يختلف عمّا يهدف إليه الحراك الجنوبي والمقاومة الجنوبية وتيارات أخرى تدعو إلى الاستقلال عن الشمال واستعادة الدولة الجنوبية السابقة التي كانت قائمة قبل العام 1990، كما أن هناك أطرافاً جنوبية أخرى ومنها الحزب الاشتراكي وتيار مؤتمر القاهرة وكذلك تيار فريق القضية الجنوبية الذي انسحب من مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء يسعون إلى إقامة دولة فيدرالية مؤقتة من إقليمين “شمالي وجنوبي” مع حق الجنوبيين بتقرير المصير بعد ذلك.
ويبدو أن هذا الاختلاف في الأهداف ألقى بظلاله على الحياة العامة في العاصمة عدن منذ تحريرها، وهو الأمر الذي حدَّ بشكل كبير من تحسين أوضاعها الخدمية لاسيما أن كل طرف من هؤلاء يسعى إلى تنفيذ مشروعه مقابل إخضاع الطرف الآخر.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي اليمني صلاح السقلدي في حديث خاص لـ”إرم نيوز” إن الخلاف في جنوب اليمن وعدن تحديدًا هو خلاف مشاريع سياسية وإن بدا كأنه يحدث تلقائياً وعفويًا لكنه بالأساس ليس كذلك، مشيراً إلى أن النصر العسكري الذي ظفر به الجنوب مؤخرًا له أكثر من سبب وأكثر من جهة داخلية وخارجية تدّعي أنها هي صاحبة الجهد الأكبر بوجوده.
وأضاف أن هذه الجهات تختلف فيما بينها بمشاريعها السياسية والفكرية الدينية اختلافًا جوهريًا وإن كان قد وحدّها خصمٌ مشترك خلال الحرب الأخيرة متمثلاً في ميليشيات الحوثي وصالح، ما يعني بالضرورة أن كل هذه الجهات تريد اليوم أن توظّف هذا النصر لمصلحة تنفيذ مشروعها الخاص من خلال إضعاف شركائها وتحجيم مساحة تواجدهم سياسيًا وجماهيريًا وعسكريًا، وستزيد وتيرة ذلك كلما دار الحديث عن تسوية سياسية شاملة.
حرب رايات
وقد ثار جدل واسع مؤخرًا في الأوساط اليمنية، بعد أن قام أحد معسكرات شمال عدن أمس الأول برفع علم الجمهورية اليمنية على ساريته أثناء حفل تخرج دفعة من ألوية الحماية الرئاسية بقيادة مهران القباطي.
وهي الواقعة التي تداولتها وسائل إعلام محلية، واعتبرها الكثير من الكتاب والناشطين والقيادات الجنوبية، استفزازاً لمشاعر الجنوبيين وشهدائهم الذين قتلوا بأسلحة ميليشيات كانت ترفع نفس العلم، بينما قال آخرون إن ذلك هو علم الوحدة اليمنية التي يرفضها الجنوبيون المطالبون بالانفصال.
لكن هذه الحادثة كشفت أن عدن باتت ساحة صراع بين تيارات منضوية ضمن مظلة الشرعية، بينما في الواقع هذا الصراع ليس وليد اللحظة، بل هو ممتد منذ سنوات خاصة منذ 2007 حينما اندلع الحراك الجنوبي الذي كان يُقمع حينها من قبل قوات المخلوع صالح.
ويقول السقلدي أن ما نراه اليوم من حروب رايات وبيارق وأعلام في عدن ما هو إلا مؤشرات على بداية تخلي كل طرف عن تحفظاته التي ظل ينتهجها تجاه الآخر طيلة العامين الماضيين، والجهر بتنفيذ مشروعه الخاص على أرض الواقع.
ويضيف أن أطرافًا في الشرعية انتهجت منذ أسابيع التحرك على الأرض وعلى المضمار السياسي عبر ممارسة تهديدات بالإقالة وضغوط مسلحة بوجه السلطات المحلية والأمنية المحسوبة على الحراك الجنوبي في عدن كنوع من فرض الذات والشروع بالخطوة الأولى في مشروع هذه الجهات وهو مشروع الدولة الاتحادية من ستة أقاليم الذي يرفضه الحراك الجنوبي بشدة.
واختتم حديثه بالتأكيد أن تلك الجهات جعلت الخدمات الضرورية للمواطن من كهرباء وماء ومعاشات وغيرها من ضروريات الحياة وسيلة ابتزاز وتركيع لإضعاف السلطات المحلية أمام المواطن ليتم بالتالي حشرها بالزاوية لتكون جسر مرور نحو صفقة مشروع الأقلمة.
جس نبض
يرى المحلل السياسي اليمني منصور صالح أن رفع علم الوحدة اليمنية في معسكر بمنطقة دار سعد شمال عدن هو بمثابة محاولة جس نبض من قبل بعض القوى المقربة من الجنرال علي محسن الأحمر لفهم مدى تقبل الجنوبيين لمشاريع ترتبط بتحسين وضع وحضور القوى والقيادات المرتبطة بقيادات إخوانية وحزبية ترى أن الوحدة فرض عين وتسفه خيارات وتوجهات الجنوبيين نحو الاستقلال واستعادة الدولة.
وقال منصورفي حديث لــ “إرم نيوز” “لن نكون في سياق حرب رايات لأن هذه المسألة حسمت منذ سنوات تسبق الحرب عندما أنزل ناشطو الحراك الجنوبي أعلام دولة الوحدة واستبدلوها بأعلام الدولة الجنوبية السابقة وفرضوا ذلك في وقت كانت فيه عدن تئن تحت وطأة كثرة الأجهزة العسكرية والأمنية الشمالية المتمسكة بالوحدة فكيف سيكون الحال اليوم بعد طرد هذه الأجهزة وتمكن الجنوبيين من فرض سلطتهم على مختلف مدنهم”.
وسيلة ضغط
ويضيف منصور أن هناك من يعتقد أن العزف على وتر الخدمات سيمكنه من تحقيق أهداف سياسية في اتجاه إحراج قيادة المحافظة وإثبات فشلها، لأن فشل السلطة المحلية يعني فشل القيادات المنتمية للمقاومة الجنوبية المؤمنة بخيار استعادة الدولة الجنوبية، لذلك نتوقع زيادة في أعمال الضغط التي تمارس على المواطنين بهدف دفعهم للثورة ضد السلطات تحت شعار الخدمات.
ولفت إلى أن اوضاع الخدمات في عدن سيئة للغاية بل هي مدمرة كليًا وهي بذلك أكبر من قدرات وإمكانيات السلطات المحلية التي تشكو نقصًا حادًا في الموارد وتحتاج إلى جهود وامكانات دولة وهو ما لم نلمس له أثرًا حتى اليوم.
وحول تخوف البعض من أن هناك حربًا مناطقية بدأت تلوح بالأفق في عدن يؤكد منصور أن أحداث عدن تظل أحداثًا عرضية لايمكن البناء عليها كدليل على وجود صراع مناطقي، مشيرًا إلى أن هناك من يحاول تدمير الجنوب بالدفع به نحو اقتتال داخلي لتسهل له عملية العودة والسيطرة عليه، لكن القراءة العميقة في الأحداث تنفي عنها صفة المناطقية.
واختتم بالتأكيد أنه لا شيء يلوح في الأفق سوى بشائر الخير والسلام وقال: “هذا ما يقوله الواقع الذي يختلف كليًا عن الحرب الدائرة بمواقع التواصل الاجتماعي”.