شؤون محلية

الجنوب بإحاطة غريفيث.. تطوّر أممي يستدعي وعيا داخليا

أبريل 18, 2018
عدد المشاهدات 627
عدد التعليقات 0
(العربي) صلاح السقلدي:
ربما لا تختلف كثيراً الإحاطة التي قدمها المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي يوم الثلاثاء، وهي الإحاطة الأولى له منذ مباشرة مهامه، عن الإحاطات والتقارير التي قدمها سلفَاه، جمال بن عمر وإسماعيل ولد الشيخ، لكنها تضمنت أربع نقاط على الأقل تستحق التوقف عندها:

أولا: تأكيد غريفيث بصورة لافتة وقوية قياساً بمواقف المبعوثين السابقَـين بخصوص الجنوب والقضية الجنوبية، على ربط أي نجاح أي خطوة تفاوضية وتسوية سياسية يمنية بإشراك الجنوبيين فيها بصورة فاعلية وحقيقية.

ثانياً: كشْفُه ُلمِا سماه بــ«الإطار العام للمفاوضات» المرتقبة بين كل الفرقاء باليمن، والذي سيعرضه على مجلس الأمن خلال الشهرين القادمين، بعد أن أكمل جولته الاستشرافية بلقاءات مكثفة مع كل القوى اليمنية والإقليمية بالأسابيع الماضية.

ثالثاً: أغفَلَ بصورة واضحة ومتعمدة الإشارة الى ما تسميها سلطة الرئيس عبدربه منصور هادي، وحزب «الإصلاح»، بالمرجعيات الثلاث التي يشترطون بأن تستند عليها أية عملية تفاوضية مستقبلية، ونقصد بها: مخرجات حوار صنعاء – المبادرة الخليجية – والقرارات الدولية وأهمها 2216.

رابعاً: عبّـرَ غريفيث عن رفضه لأية اشتراطات مسبقة للدخول بالمفاوضات من أي جهة كانت. وهذا الأمر صادماً لسلطة الرئيس هادي وحزب «الإصلاح»، التي دأبت على تمسّكها بشرط المرجعيات الثلاث واشتراطات أخرى كتسليم «الحوثيين» السلاح، والخروج من المدن الرئيسية، وغيرها من الشروط التي رفضتها الحركة وقابلتها الأمم المتحدة بفتور كونها شروطاً تعجيزية تقف حائلاً أمام نجاح أي مفاوضات، وسبباً لأفشالها كما جرت العادة بالجولات السابقة.

وبالعودة إلى النقطة الأولى، نقطة «ضرورة إشراك الطرف الجنوبي»، فهذا التطوّر الأممي اللافت حيال القضية الجنوبية، وبرغم عدم ملامسته أو إشارته لصلب المطالب السياسية الجنوبية، إلا أنه يشكّل خطوة مهمة وانفتاحاً سياسياً دولياً كبيراً على القضية الجنوبية، وتمييزها عن باقي القضايا اليمينة الصغيرة، وشوطاً مهماً قطعه الجنوبيون بالمضمار السياسي الدولي، ارتقت به القضية الجنوبية مرتقاً رفيعاً، كما يشكل هذا التعاطي الدولي مع الجنوب وقضيته ورقة جنوبية هامة بيد القوى التي ستكون ممثلاً للجنوب كـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» وباقي مجالس «الحراك الجنوبي» الثورية فوق أية طاولة مفاوضات وتسويات، إن أحسنت التصرّف بها كورقة سياسية فاعلة بوجه القوى اليمنية التي تستميت على نزع الصفة السياسية من القضية الجنوبية، وتعتبرها مجرد قضية عادية من قضايا اليمن الكثيرة يمكن حلها في مرحلة متأخرة بعد الاتفاق على النقاط الرئيسية والمصيرية، وبعد التوافق على شكل الدولة اليمنية الاتحادية من ستة أقاليم «المزعومة»، ومرحلة إقرار الدستور، وربما بعد الانتخابات. وهذا الأمر ما يرفضه الجنوبيون بقوة.

ولكن في ذات الوقت لابد من الإشارة الى أن ما يحول دون تحقيق الجنوبيين لتطلعاتهم السياسية ومشروعهم التحرّري، ليست فقط القوى اليمنية بل وقوى جنوبية بعضها لحسابات حزبية سياسية وبعضها لمصالح نفعية بحتة، وقوى إقليمية خليجية تتصادم مصالحها ونفوذها التوسعي المتعاظم بالجنوب براً وبحراً مع التطلعات الجنوبية، برغم ما يبدو ظاهرياً أنها تدعم قوى جنوبية تتبنى مشروع استعادة الجنوبية كـ«المجلس الانتفال الجنوبي»، لكن هذا الدعم لم يتجاوز بعد شرنقة التبعية، ولم يتخطً حاجز التابع والمتبوع – على الأقل هكذا يبدو لنا المشهد حتى اليوم – برغم أهمية الخطوات والنجاحات الأخيرة التي أحرزها «الانتقالي» على الأرض، وتسيّده مساحة كبيرة من الجنوب، واتساع قُـطر دائرة حضوره الجماهيري يوم إثر يوم.

على كل حال، يبقى مستقبل الجنوب مرهوناً بمستقبل اليمن الذي هو بدوره مرهوناً بيد قوى إقليمية طامعة يتوسع نفوذها داخل أراضيه باضطراد منذ ثلاثة أعوام، وربط الجنوب واليمن عموماً إلى مؤخرة العربة الخليجية، هذا بالضبط ما تريده القوى الأقليمية الخليجية، وتؤكد عليه مراراً كل من السعودية والإمارات، كهدف ومطمع تاريخي، إنفاذا لمصالحها الاقتصادية والتوسعية وهواجسها الأمنية والإيدلوجية، وتماهيا وخضوعاً لمصالح دولية كبرى باليمن والمنطقة، في إطار صراع وتقاسم نفوذ ومصالح دولي إقليمي، يزداد كل يوم احتداما وتعقيداً من سوريا شمالاً إلى ليبيا غرباً، والصومال جنوباً.

وهذا ما تؤكده القوى الدولية والإقليمية بكل مناسبة، كان آخرها يوم الثلاثاء، بمجلس الأمن الدولي أثناء تقديم المبعوث الدولي إلى اليمن إحاطته، المشار إليها آنفاً. حيث تبدو كلمات بعض الأعضاء بمجلس الأمن الدولي مثل مندوبتَي الولايات المتحدة وبريطانيا، واضحة وهي تعكس حالة الصراع بالمنطقة والتنافس المحموم، وكيف صار اليمن مرهونا بهكذا صراع وتنافس. وتبدو صورة خلافاتهما مع إيران والرغبة الأمريكية بالمحافظة على سوق تجارة سلاحها بالخليج مزدهرة، ويتضح ذلك من قول مندوبة أمريكا إن «إيران تدعم الحوثيين في استهداف السعودية، وأن المجلس لم يخضع إيران والحوثيين للمساءلة، ويجب أن لا نخشى من إدانة الحوثيين ورعاتهم الإيرانيين». 

وتسير مندوبة بريطانيا بذات الدرب، وتحاكى ذات الخطاب الأمريكي بخصوص اليمن والصراع الدولي بالمنطقة، وتحافظ هي الأخرى على سوق سلاحها من خلال التملق لصناع القرار الأثرياء «الزبائن»، فتقول إن «الصواريخ الحوثية على السعودية، تعطي الصراع بعدا عسكريا آخر، فإيران لم تلتزم بمنع توريد السلاح إلى اليمن».

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى