سنة رابعة حرب: «التحالف» في عين العاصفة!
مارس 26, 2018
عدد المشاهدات 521
عدد التعليقات 0
عدن اوبزيرفر(العربي) صلاح السقلدي:
ما أفضت إليه الحرب باليمن، التي تدخل عامها الرابع يوم الاثنين 26 مارس الجاري والتي أعلنتها السعودية باسم «عاصفة الحزم» قبل ثلاثة أعوام، من واقعٍ مُعقّد وصعب وما أفرزته حتى اليوم من أوضاع بائسة بكل المجالات، كانت نتيجة متوقعة وطبيعية، على الأقل عند مَنْ يتابع الأحداث باليمن وبالمنطقة العربية عن كثب وبدقة.
يقال إن المقدمات السيئة تفضي إلى نتائج سيئة… فالأوضاع والمقدمات باليمن شمالاً وجنوباً، وبالمنطقة العربية كلها التي أتت من رحمها وقائع كانت أوضاعاً مضطربة ونذير شؤم، شكّلتْ إرهاصات وخلفية لواقع اليوم… فلليمن أزمة -أزمات- جذورها ضاربة بالعمق… أعمق وأصعب من أن نسبر غورها ونقف على تفاصيلها ومراحلها بهذه التناولة… ولكن يمكن لنا تتبعها من فصلها الأخير، الذي نشأ منذ أكثر من عقد من الزمن وبالذات منذ انتخابات عام 2006 الرئاسية والمحلية، وما تلاها من أحداث دراماتيكية في الشمال، تمحورت حول الصراع على السلطة بين شركاء وضع ما بعد حرب 94م.
«المؤتمر الشعبي العام» وحزب «الإصلاح» الذين تفرقت أيديهما عن الحكم بعد تلك الحرب بخمسة أعوام على خلفية نتائج انتخابات 1997م، والتي أقصتْ «الاصلاح» بشكل شبه كُـلّي عن السُـلطة، وما شابَ تلك الفترة من صراع سياسي أخذ له بالسنوات الأخيرة صبغة فكرية مذهبية آتية من خلف الحدود مثلّـت حروب صعدة الستة عنوانها الأبرز. وفي الجنوب كانت «القضية الجنوبية» سيدة المشهد، والمهيمنة عليه تقودها ثورة شعبية نخبوية شاملة تحت مسمى «الحراك الجنوبي».
حتى إذا ما تفجرت الثورات الشعبية العربية، أو ما بات يُـعرفُ بـ«ثورات الربيع العربي» مطلع عام 2010م تقريباً، والتي تقدمت صفوفها كل التيارات وبالذات تيار الإسلام السياسي، ممثلاً بحركة «الإخوان المسلمين» في مصر وتونس وليبيا واليمن وغيرها من الدول الربيع العربي. ففي اليمن توحّدتْ على وقع هتافات ساحات تلك الثورات كل القوى على اختلاف مشاربها الفكرية والاجتماعية والسياسية، وتعاضدت كل مشاريعها المتباينة- من أقصى اليسار الى أقصى اليمين- بوجه السلطة القائمة حينها، سلطة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح وحزبه «المؤتمر الشعبي العام»، ليشكّل ذلك التعاضد، الذي أتى كمحاولة لالتقاط أوضاع تلك الثورات ومحاكاة لها، ثورة يمنية شعبية نخبوية عارمة بعموم اليمن، وفي صنعاء وتعز على وجه الخصوص، والظفر بالسلطة… قبل أن تتعثر بالصورة التي شاهدناها بعدما اكتفت أبرز قواها المحركة حزب «الإصلاح» بنصف ثورة، مقابل نصف سلطة، والتي سنعـرّج على بعض أوجهها لاحقاً.
الإرادة سليبة بيد الرياض
فلأن اليمن، والشمال بالذات عبر تاريخه الحديث والمعاصر عادة ما يكون فيها العامل الخارجي هو اللاعب والمحدد الأبرز سلباً وإيجاباً، رضاءً أو طواعية، لمؤشر بوصلة نهاية كل الأحداث والثورات التي يشهدها، ولأن المملكة العربية السعودية، ظلت وما تزال هي الأكثر تأثيرا وتأثُراً بالشأن اليمني بحكم العامل «الجيوسياسي» الطاغي على علاقتها به، فقد رأتْ، أي مؤسسة الحكم بالمملكة، في الثورات العربية وثورة التغيير باليمن تحديداً، خطراً وجودياً عليها كسلطة وكأسرة حاكمة وكجغرافيا، فالثورات العربية المشتعلة للتو -حينها- في محيط هذه المملكة المنغلقة على نفسها وعلى العالم، والتي تتقدم صفوفها -أي الثورات العربية- حركة «الإخوان المسلمين»، الخصم السياسي والفكري للسلطات الحاكمة بالرياض، بمؤسستيها السياسية والدينية «الوهابية»، كانت بالنسبة للمملكة تحدٍ حقيقي لا بد من مجابهته من منطق: «نكون أو لا نكون».
فاليمن المتاخم لها أوشك على السقوط بيد «الثورة الإخوانية» التي تعصف بسلطة الرئيس صالح، وهذا يعني للسعودية في ما يعنيه بداية نهاية هيمنتها على اليمن، فاليمن الغنيُّ بالقدراتِ البشرية الهائلة والطاقات والثروات الطبيعية الضخمة «الكامنة بجوفه» وبموقعه الجغرافي المميز والتاريخ الضارب بجذوره بعمق الزمن، قد يصير بين عشية وضحاها بأيادي ألد خصومها، حركة «الإخوان» فرع اليمن، حزب «الإصلاح» الذي أشاح رموزه الحزبية والقبلية والعسكرية بوجوههم بعيداً عن الرياض، ولمصلحة مصر «الإخوانية» وتيار الحركة «الإخوانية الدولية» من اسطنبول شمالاً حتى المغرب العربي، وجنوباً إلى أقصى تخوم المملكة. هذا علاوة على أن نجاح هذه الثورة سيعني للمملكة نهاية لهيمنتها التاريخية على اليمن، وعلى قراره السياسي، وإرادته الوطنية التي ظلت سليبة بيد الرياض، عبر ركائزها بالداخل، وبالتالي إن حدث تغييراً جذرياً بداخله فقد يتجه صوب لملمة طاقاته وقدراته الهائلة لبناء دولة قوية على الجبهة الجنوبية السعودية، وهذا ما حرص على عدم حدوثه حكام المملكة السعودية الحديثة، والدولة السعودية الثانية وحتى «الدولة السعودية الأولى» إمارة الدرعية 1744م!
خطاب «ديماغوجي» مخادع
ومن حينها -أي من حين اندلاع ثورة التغيير باليمن «الربيع العربي»- تحركتْ تروس الماكنتين السياسية والاعلامية ناهيك – عن الدينية- السعودية وطفقت تباشر كبح هذه الثورة من محيطها العربي تارة، والتدخل لنسفها من الداخل باسم المصالحة تارة أخرى، ساعدها في ذلك صمود نظام الرئيس صالح وحنكته، في وقت فشل فيه «الإصلاح» باحتواء الثورة بالجنوب تحت عباءة ثورة التغيير وشعار الشعب يريد إسقاط النظام -الذي ما لبث أن فقد بريقه وأفرغ من مضمنه الثوري- بعدما اتخذ هذا الحزب من «القضية الجنوبية» صولجاناً بوجه صالح، رافق ذلك خطاب ديماغوجي مخادع ما لبَـثَ أنّْ أدار لها ظهره بمجرد دخوله بتسوية مع صالح وسلطته. الى أن أتت حادثة جامع الرئاسة، التي استهدفت حياة الرئيس صالح، وبعض أركان حكمه، ليكون ذلك فرصة سعودية لتغيير مجرى الأحداث من النافذة الإنسانية هذه المرة، وترحيل الرجل الذي أتت نيران الانفجار على كل جسده، وبعض رموزه لعلاجهم بأراضيها.
تواكب ذلك مع العمل من خلف الستار لإخراج مشروع تسوية سياسية سُـمّيتْ بـ «المبادرة الخليجية» التي أبقت حزب صالح بالحكم مقابل عزله، وتنصيب نائبه عبدربه منصور هادي، رئيساً توافقياً لليمن، وأهملت «القضية الجنوبية» تماماً- وإشراك قوى الثورة وحزب «الإصلاح» بالذات بالحكم مقابل تخليه عن فكرة الثورة وأهدافها، وهذا الأخير -أي الإصلاح- وبرغم ما ظفر به من مناصب إلا أنه ظل ينظر الى تلك المبادرة -على أنها مؤامرة سعودية أكثر منها مبادرة مصالحة- أجهضت فرصته التاريخية بالتفرد بالحكم والاستئثار بجُــل مفاصل السلطة، وظل يجهر ويخفي خصومته للرياض التي كانت بدورها تشحذ له ساطور الانتقام بالخفاء.
ملامح «الانتقام» السعودي
وبدأ فصل «الانتقام» السعودي يتجلى شيئا فشيئاً لتأديب المتمرد عليها، ولرد الصاع والجفاء الإصلاحي «الإخواني» بأكثر من صاعين… فبعدما تمكنت الرياض من إفشال «الربيع العربي» في مهده بمصــر من خلال طرد «الإخوان» من مقعد الحكم بالقاهرة، والزج برأس الحركة «الإخوانية» ورئيس الدولة حينها الرئيس المنتخب محمد مرسي بالسجن، تفرغت كلياً للشأن اليمني أو بالأحرى «لإخوان» اليمن، لتبدأ معهم مرحلة العقاب والتأديب المؤجل، تم ذلك بقبضة يد محلية غليظة… فغضها -أي السعودي- الطرْف عن اندفاعة الحركة «الحوثية» باتجاه صنعاء- تلك الاندفاعة التي بدأت مع سريان المبادرة الخليجية -كان كافياً ليكون ضوءً أخضراً للحركة «الحوثية» للتقدم صوب صنعاء، مروراً بالمعاقل القبَـَلية للإصلاح وتساقطها الواحد تلو الآخر بشكل دراماتيكية مذهل في حاشد وبكيل وغيرها، بالتوازي مع سقوط المعسكرات والقلاع العسكرية الإصلاحية كأحجار الدومينو، وصولاً إلى صنعاء وما وراء صنعاء، من دون حدوث الصدام المرجو بين الحركة «الحوثية» (الزيدية) والحركة «الإخوانية».
حينها دخلتْ السعودية بحالة من الصدمة وخيبة الأمل، فالصدام المنتظر بين «الحوثيين» و«الإصلاح» الذي ظلت السعودية تتشوق لوقوعه لم يحصل ولو بحدوده الدنيا، ووصلت على إثر ذلك حالة الخيبة والقلق السعودي ذروته، حين بدأت مؤشرات تعايش وتصالح «حوثي إصلاحي»، مع تنامي الحديث عن تقارب قطري إيراني باليمن تلوح بالأفق… فحزب «الإصلاح» المتسلح بالدهاء السياسي قد فَـطِنَ للفخ السعودي – أقصد فخ الصدام بالحوثيين- وعمل على تفاديه من منطق الحرص على الوطن وعلى العاصمة، وما زلنا نتذكر العبارة الشهيرة لرئيس الحزب العميد محمد اليدومي: «لن ننجر!»
إعلان «العاصفة» السعودية من واشنطن
ومن حينها كان لا بد مما ليس منه بدُّ من وجهة نظر السعودية: «إنها الحرب إذاً…» فشرعت تحضر للحرب أو ما بات يعرف في ما بعد بـ«عاصفة الحزم» و«التحالف العربي»، وفتح خزائن البلاد على مصارعها أمام النهَم الامريكي والغربي، وأمام بطون الأنظمة والجيوش العربية والاقليمية الخاوية التي وُضِعتْ رهن إشارة الصرّاف السعودي… ولم تمض إلا أيام من اتخاذ قرار الحرب الذي أعلنه سفير المملكة حينها بواشنطن عادل الجبير، حتى تشكل أسرع «حلف عسكري» بالتاريخ العربي الحديث، تحت شعار «استعادة الشرعية» اليمنية وهزيمة «الانقلابيين» وكبح «النفوذ الإيراني» –المفترض- باليمن، وبصافرة البداية باشرت طائرات الـــ«F15» مهامها ليلة 26 مارس 2015م، قبل حتى معرفة صاحب الشأن نفسه بالأمر، ونقصد هنا الرئيس هادي، الذي كان قد تمكن من الهرب من معتقله بصنعاء بتنسيق إصلاحي وبتخطيط سعودي، ومن ثم من مقره القصير بعدن صوب سلطنة عمان وصولاً إلى الرياض… ولكن سرعان ما دخلت هذه الحرب منعطفاً خطيراً، بعدما طالت الطائرات أرواح الألاف من الضحايا، من دون تحقيق اختراق حقيقي على الأرض، دخلتْ معها السعودية و«التحالف» ككل في دائرة الخسارة الأخلاقية في المحافل الدولية، مع زيادة نزيف الدم وتدهور الوضع الإنساني والمعيشي والحقوقي، الذي ما زال يتفاقم سوءاً يوماً إثر يوم.
الجنوب… بين الخسائر الواضحة والمكاسب المشوشة
ومن حينها دخلت اليمن ومعها الجنوب -بالطبع- بل المنطقة العربية بأسرها في دوامة عصيبة من الضياع والتشظي بمجرد مرور أشهر من الحرب، والتي لم يكن أكثر المتشائمين بالخليج يتوقع أن تطول أكثر من 3- 4 أشهر… ولمّا كان «التحالف» بمسيس الحاجة لنصرٍ عسكري على الأرض يصرف به أنظار العالم عن تعثره بالوصول إلى صنعاء، بعدما طالت الحرب أكثر مما كان متوقعاً، فقد كان الجنوب هو المنقذ لهذا «التحالف» ليخرجه من دائرة الحرج، وورطة الحسابات الخاطئة، بعدما بنى حساباته على قاعدة بيانات مغشوشة، بحسب ما كشف الواقع ذلك، حين اعتقد «التحالف» أنه مع أول ضربة جوية سينتفض الناس بالشمال وفي صنعاء بالذات ضد السلطة «الحوثية الصالحية»، ناهيك عن اطمئنانه لانتفاضة الجنوب، والتي هي مضمونة بالفعل لأسباب قديمة لا علاقة لها بشيءٍ اسمه انقلاب أو تدخلات ايرانية أو ما شابه تلك المبررات…
لكن كل رهانات «التحالف» في صنعاء والشمال، سقطت شعبياً وعسكرياً، فمعظم قواعد وجماهير «الإصلاح» العريضة بالداخل اكتفت بالحياد… ليكتشف «التحالف» مدى الوقعة التي وقع بها… ومن حينها كان الجنوب هو قارب نجاة السعودية والإمارات، للتخفيف من وطأة الورطة، فقد شرع «التحالف» بتوظيف «القضية الجنوبية» وتوظيف السخط الجنوبي ضد الوجود الشمالي القديم منذ عام 94م، والجديد 2015م مستخدماً كل أدوات التحشيد الجنوبي بوجه الوجود الشمالي، بما فيها أخطر الأدوات «الورقة المذهبية والطائفية» التي استخدمها بشكل خطير بحشده لكل القوى المتطرفة، وتمويلها بكل أسباب القوة والاتساع، فقد كان «التحالف» ومازال يستخدم «القضية الجنوبية» و لا يخدمها، ساعده في ذلك سلبية العقل السياسي الجنوبي المعطّل، وارتزاق فئة واسعة داخل الجنوب، من حينها سقط في قبضة فوضى المليشيات المستحدثة، وسطوة الجماعات المتطرفة، وعبثية هوامير الفساد، وتنامي دورعصابات القتل، وجماعات السطو والبسط على الأراضي، والمباني، والمساحات العامة، في وقت يتم فيه على قدم وساق تدمير وتهميش ما تبقى من أشلاء المؤسسات الرسمية، مقابل بناء مؤسسات أمنية وعسكرية موازية، ذات تبعيات سياسية داخلية وخارجية، لا علاقة لها بـ«القضية الجنوبية» البتة.
كل هذا يتم في ظل تغييب مستمر للوجه السياسي لـ«القضية الجنوبية» الذي أوشك ذات يوم أن يضمر، ويموت خلف الحجب، وفي ظل السيطرة الخليجية على كل المناطق الحيوية بالجنوب، والهيمنة على ثروات وطاقات البلد بشكل ممنهج، بالتوازي مع الزج بالآلاف من الشباب الجنوبي، كوقود حرب خلف الحدود، كنموذج صريح لسياسات شركات الارتزاق العالمية كــ«بلاك ووتر». كما ضاعف من حجم الآثار الاقتصادية والاجتماعية طرد المملكة لمئات الآلاف من المغتربين الذين يعودون تباعاً، مما ينذر بكارثة على كل الصُّعُــد… وساحة مفتوحة للصراع.
وعلى مستوى الشأن السياسي الجنوبي أيضاً، دخَلَ الجنوب منذ اليوم الأول للحرب في خضم بحر متلاطم من صراعات المشاريع السياسية والفكرية والايدلوجية، بعدما صار ساحة مفتوحة لكل القوى اليمنية والإقليمية والدولية الطامعة، تتجاذبه لمصالحها بشكل حاد، حين عمدت هذه القوى من أول يوم للحرب إلى استخدام «القضية الجنوبية» كبطاقة ابتزاز، وضغط يتم إشهاره بوجه بعضها البعض، وتشظت النخبة الجنوبية بين أتباع وأشياع، وبين ولاءات للقوى الإقليمية والدولية واليمنية.
أيضاً قطاع من هذه «النخب» ارتمىَ بحضن «شرعية» هادي طمعاً بمنصب أو مكسب، وقطاعٌ آخر شدَّ الرحال إلى واد «التحالف» الوارف بالزرع والضرع، أو لالتماس موقف سياسي منتظر، بينما ظل قطاع ثالثاً داخل «الحراك الجنوبي» قابضاً على جمر القضية بعزم وعزيمة.
«شراكة» فاشلة
فبعد تجربة «شراكة» فاشلة بالحكم، قامت بها كثير من الرموز الجنوبية المحسوبة على تيار «استعادة الدولة الجنوبية» مع سلطة هادي، حزب «الإصلاح»، «الشرعية»، انقلبت تلك «الشرعية» بصورة مفاجئة على هذه الرموز، بعدما قضت منها وطرها العسكري، وامتصت رمانة الجنوب السياسية والعسكرية حتى الجفاف، فوجدت هذه الرموز نفسها بقارعة التهميش والجحود، ولكنها ما لبثت أن عادت أدراجها الى مرابع «القضية الجنوبية» التي كانت قد أدارتْ لها ظهرها قرابة عامين كاملين، لتتلمس من جديد طريق إعادة تشكيل نفسها، ولملمة شتات هذه القضية في ظل حالة من فقدان الثقة والتوجس سادت الساحة الجنوبية من مصداقية هذه الرموز، بعدما استطاعت سلطة هادي أن تخلق تلك الهِـوُّة.
إلى أن ظهَــرَ على السطحِ كيان «المجلس الانتقالي الجنوبي» منتصف عام 2017م، بدعم مباشر وغير مباشر من الإمارات، ليحجز لنفسه مكاناً بالساحة الجنوبية، مستفيداً من الخصومة العميقة بين أطراف «الشرعية» في ما بينها، وبين «التحالف» وبالذات الامارات، ليشكل «الانتقالي» من حينها رقماً قوياً بالساحة، يعززه رغبة شعبية عارمة للخروج من مأزق غياب الممثل السياسي الموحد لـ«القضية الجنوبية»، ولكنه، أي «الانتقالي»، ظل مكبّلاً وفاقداً لقراره السياسي المستقل، ورهناً للمصالح والاجراءات الإماراتية، التي تتخذها على الأرض، وعلى مستوى الجبهة السياسية من تحالفات جديدة مع قوى لطالما ظل الجنوب يرى فيها خصمه اللدود، ومنها قوات وحزب صالح، الذي بات الإبن المدلل للإمارات في الأشهر القليلة الماضية، على حساب الجنوب وقضيته ومقاومته المسلحة.
إخفاق سياسي
فبرغم الحضور الجماهيري والتنظيمي والسياسي الممتاز الذي شكله المجلس بالداخل، إلا أن الوضع السياسي لـ«القضية الجنوبية» في المحافل الدولية، لم يبارح مكانه من التجاهل والإهمال، في ظل لامبالاة إماراتية، وخصومة سعودية صريحة لـ «القضية الجنوبية» تجلت، غداة الصدام المسلح بين «الانتقالي» وحكومة أحمد عبيد بن دغر. آخر بيان رئاسي أصدره مجلس الأمن الدولي قبل أسبوعين تقريباً -والذي كانت البصمات الخليجية واضحة عليه- لم يتطرق لـ«القضية الجنوبية» لا من قريب ولا من بعيد، بل على العكس من ذلك، فقد أكد على إبقاء الوحدة اليمنية ثابتة، وزاد فوقها أن أكد أن الحل السياسي باليمن يجب أن يرتكز على ما يسمى بـ «المرجعيات الثلاث»، وهذا ما يرفضه «الانتقالي» وترفضه معه الأغلبية من الجنوبيين، ما يعني أن ثمة فشلاً ذريعاً على الجبهة السياسية، ما تزال تلازم «الانتقالي» والجنوب ككل. ولم ينعكس بعد أي اثر للدعم الإمارتي لـ«الانتقالي» على الجبهة السياسية بالمحافل الدولية حتى اللحظة، بل أن وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، أشاد بالبيان الرئاسي لمجلس الأمن -في ظل فوبيا ورهاب إيرانية مسيطرة على العقل السياسي الخليجي- مشدداً على أن الحفاظ على الوحدة اليمنية، من دون أن يبدي ذكرا للقضية الجنوبية…!
المستقبل
وعطفاً على هكذا وضع، فلا يبدو بالأفق نوراً منبثقاً يشي بأن ثمة انفراجة قريبة تنهي هذه الحرب، وتضع حداً للأزمة اليمنية، وحلاً عادلاً لـ«القضية الجنوبية» في ظل بقاء الوضع يراوح مكانه من التعقيد، وبقاء الأطراف تتمترس خلف شروطها وتصلبها ومنافعها، ومعها القوى الجنوبية رهينة التبعية الخارجية المفرطة… ولكن يبقى ثمة آمال بالخطوات الدبلوماسية التي يقودها المبعوث الدولي الجديد إلى اليمن، مارتن غريفيث، والتي تأتي بالتوازي مع تزايد قناعة قطاع واسع من المجتمع الدولي، بوضع حدٍ لهذه المأساة، خصوصاً بعد تدهور الوضع الإنساني، وتضاعف حالات الاستهداف للمدنيين من الجو والأرض. وفي الجنوب يظل برغم كل هذه الضبابية وهذا التعثر الرهان على الوعي الشعبي في مجابهة الاستهداف الداخلي والإقليمي، وكشف قوى «الارتزاق والتخاذل» التي تتاجر بـ«قضية الجنوب» بسوق نخاسة الأوطان!