ادب وثقافة

الشاعرة تيروز آميدي وألم تحرر المرأة

الشاعرة تيروز آميدي وألم تحرر المرأة

*الانفتاح الذي يؤدي إلى الارتقاء أفضل من الانفتاح الذي يؤدي إلى الانهيار
* تنامي مخاوف المرأة تصبح مواضيع تجزئة للآخر

عصمت شاهين الدوسكي

لم يعد خافيا إن المرأة الكردية عانت الكثير في الماضي والحاضر وربما ستظل تعاني في المستقبل إلا ما ندر كون التناقضات العصرية بين الماضي والحاضر بصبغة جاهلية غير واعية تسكن في كل مكان رغم مظاهر التطور وديباجة التحرر الفكري والاجتماعي فالأشياء البالية رسمت مضامينها على جدران الزمان والأبدان والمكان حيث من أسبابها إن الرجل والمجتمع لم يتحرر بعد لذلك تبقى المرأة العادية والمثقفة إحدى أهم الضحايا في المجتمع كونها مقيدة بقانون الفكر الكلاسيكي لكن بصورة عصرية رغم ألوان الحرية العصرية الشكلية فالمرأة بالنتيجة تدفع ضريبة أكبر في حياتها لأنها ببساطة تفهم وتقدر وتعاني من قيود الفكر الفردي والمجتمعي وأولهم البيت كونها حسب التفكير المتعنت والمتزمت المرهون ،باعتبارها حالها كأي قطعة أثاث في البيت ،ورغم مظاهر البنيان العالي يجب أن تقابله بنيان خلقي وثقافي بعيد عن الأنانية والسيادية والكراسي الخشبية فلا يجب أن نفكر بالتطور والحرية والتغيير والسمو الحضاري ونرفع أعلامها وعباراتها الرنانة وبعد ما ندير ظهورنا نقف ضدها فلعبة الكراسي في البيت وفي أي مكان إن لم تكن موزونة فالهاوية مستمرة مثلما الألم سيستمر مهما علت كلمات الحرية والديمقراطية ،فمن يحمل على ظهره الكرسي ولا يتنازل عنه سيكون كأحدب نوتردام حيث لا يمكن تعديله عندما يرغب في تعديله ، وإن أصرت لعبة الكراسي على إثبات وجودها ستخلق صراعاً داخلياً وخارجيا بين المرأة والرجل وبين الذات والمجتمع فعليها أن تكون متوازنة عادلة حكيمة فكرياً وشكلياً بالقول والفعل فالحرية الأنانية ليست حرية إلا مدمرة فالحياة مستمرة بالتغير خاصة في المجتمعات التي تذوق وذاقت ويلات الحروب والتهجير والتشريد والخراب والغربة فالأسرة في المجتمع تدفع ضريبة لعبة الكراسي والأنانية والضعف السياسي والاقتصادي وخاصة المرأة والطفل حينها تعمل المرأة يد بيد لمعالجة وتحمل المشاكل والآلام والضغوطات وعندما تهدأ الأمور تعود الواقعة ثانية بينها وبين فكر الفرد والمجتمع من البيت إلى أكبر دوائر التعقيد والتطويق ،فالتغيير يبدأ بالتغيير الداخلي أولاً عند الرجل والمرأة في الفكر والمشاعر والإحساس خاصة عندما تكون المرأة واعية ومثقفة فمشاكل الرجل أكبر بسبب المرأة الغير واعية والمتسلطة فهنا تكون ضحية الرجل محدودة ناهيك أن المرأة الضحية الأولى والرجل بالضعف وعدم الوعي الضحية الثانية ، ولاشك المرأة الكردية في حال أفضل وخاصة بعد الانفتاح لكن الانفتاح الذي يؤدي إلى الارتقاء أفضل من الانفتاح الذي يؤدي إلى الانهيار ورغم هذا تبقى المرأة تحت نفس الضغوط السابقة ولكن بشكل متطور عصري جديد فقد تكون الثورة والانفتاح والتحرر يغير النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لكن لم يغير الفكر الداخلي بل جعل البعض يستغل المرأة عاطفياً واجتماعياً ومادياً بصورة متطورة لكنها سيئة ومضرة في المجتمع ومن خلال هذا الاستهلال نقترب من مضامين الشاعرة تيروز آميدي وهي تحاول أن تسمو بإشراقه ” صبح باسم ” بألوان ” قوس قزح ” مع همسات حالمة بصوت ” نوتات سيمفونية ” لتنطلق في هيامها لذلك ” الفيروز ” ولترسمه ” راية وطن ” إن قوة الغسق الأولية قوة فاعلة والشاعرة تيروز قادرة على الإيحاء برؤية جميلة وعميقة فهي تخترق بعد الغسق بصورة نفسية لحاجتها إلى فيروز ويمكن من خلاله محاولة الوصول إلى ” راية وطن ” بتشخيص ظاهر يضمن إطار جامع للحلم والحياة .
(( مع كل غسق
تسمو إشراقه صبح باسم
وقوس قزح
نوتات موسيقية كنار
فأطلق معها لذلك الفيروز
وأرسم كراية وطن )) .
الشاعرة تيروز من خلال اختيارها لراية وطن فهي تلمح إلى التجديد والتغيير والتطور السليم للوطن والمجتمع والمرأة ،فالراية فكرية وحسية بل حضارية للأجيال القادمة وليست مجرد راية وكفى وهي في نفس الوقت توحي بعدم استقرار الذات ونشاط دراما الانقسام بين الذات والمجتمع فالكثير من الألم في تعبيرها وتصويرها للواقع ،فالتفرج لا يعني سوى الركود والمماطلة ” وقفت متفرجاً ” في حين كان ” الغراب ” يلتقط الحب من يديها كأنها تصور الحالة الشخصية للآخر ” الذات الأنانية ” فتصور أيها القارئ العزيز ما يعنيا لغراب وشكل الغراب ولون الغراب خاصة عندما تشير ” وأنت من رأسي ” ولو تخيلنا الغراب مجتمع أو شخص غريب الغير مرحب والمرغوب إن كان قريباً أو بعيداً فذلك يزيد الطين بلاء ،نلاحظ يشارك الغراب في الأخذ من المرأة التي هي أول المضحين وآخر المستفيدين وربما تكون حالة جنونية أن يتصور الرجل أو المجتمع إن على المرأة أن تعطي فقط ،كون مثل هذه الحالة تخلق مشاعر مكبوتة داخل المرأة تتحدى داخلياً النموذج ” الغراب ” فيكون الصورة مجتمعة ومنشطرة على ذاتها .
(( على ضفاف الروح
وقفت متفرجاً
وباحثاً مرات
الغراب كان يلتقط الحب
من يدي وأنت من رأسي )) .
الشاعرة تيروز تتحدى السكون والصمت بل تجعله مادة متطايرة وتحدد الفرضية الشائعة الكلاسيكية بضعف المرأة لتجعلها أكثر قوة رغم الألم ” نشرت غسيلك على الأشواك ” فهي تعيد الصورة المركبة بين الرجل والمرأة وبين المجتمع والمرأة لما كان أو يكون ،فالانشطار والفرقة والتجاوزات قابلة إن تهب عليها الريح رغماً عن كل شيء ظاهرياً وضمنياً ” وتلاعبت به الريح ” فالأجزاء المتصارعة تعتبر أهدافاً ثابتة رغم زخم الرغبات والأماني المعقولة واللامعقولة .
(( نشرت غسيلك
على الأشواك
فتلاعبت فيه الريح
وأخذته معك
إلى حقول الأماني
رغماً عنك
أكثر من الصمت والتباهي )) .
إن ألم المرأة كبير ومنقسم وكأنه شبيه بين انقسام شخصين مختلفين ولو بعد فترة من الزمن إن كان الشخص رجلاً أو مجتمعاً وفي الوقت الذي تشير الصور والأفكار التيروزية إلى الآلام والصراعات الفكرية والنفسية والحسية والتحررية بين الذات والآخر تتساءل بعد الغليان وبح الصوت ” لماذا .. لماذا ..؟! ” لماذا كل هذا التجني على المرأة ؟لماذا تجعل من المرأة وعاء يجب أن يمتلأ بالرغبات ؟لماذا تغتصب المرأة بطرق شرعية وغير شرعية ؟لماذا المرأة تنفى وتتشرد وتهاجر وتقتل وقد قالها عيسى عليه السلام ” من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بالحجر ” ؟لماذا يقيد رأيها بحيث لا تستطيع أن تقول لوالدها ماذا أحب وماذا لا أحب ؟ لماذا تدمر شخصيتها بجهل عصري أو وعي عصري جديد بسبب وبلا سبب ؟ لماذا سلب إرادتها وحلمها وحياتها ” وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت ” صدق الله العظيم ؟لماذا ولماذا.. ولماذا ..؟ إن الصورة المتسائلة المذعورة والمرعبة تدوس على توازن بالغ الدقة بين تجسيد الفكر وبين ذعر داخل النفس وبين الكشف عن الأعراض المؤدية لهذا الذعر ” لماذا لا تقف عند ذلك القبر؟” تؤكد الشاعرة تيروز إن الخلافات والصراعات لا تؤدي في نتيجتها سوى إلى ” القبر ” وهو رمز نهاية كل شيء والتي تعتبر ” شاهد ” لكن شاهد من رماد حيث مع الزمن ” لم يبقى لها أثر ” هذا الامتياز الذي منحته الشاعرة للآخر هو التأكيد على الحد الفاصل بين أن تكون أو لا تكون لكن بخطى حذرة بين تنامي المخاوف الخاصة بألم حرية وتحرر ” المرأة ” التي تصبح مواضيع تجزئة للآخر .
(( وأنت تغلي
بح صوتك
بعدما كنت كنار
أتساءل فقط
لماذا .. لماذا ..؟!
لا تقف عند ذلك القبر
إنها ليست إلا شواهد رماد
ولم يبقى لها أثر )) .
من حق المرأة إن تجسد الأثر المدمر بوصفه انهيارا للصلات الطبيعية بين الرغبة والفعل بين الغاية والوسيلة بين الهدف والنتيجة وحتى بين الفكر والمفكر فالانسحاق والانهيار والانكسار هو حصيلة نبذ الآخر فلا يمكن أن تسحق المرأة برغبة وبلا رغبة بحاجة وبلا حاجة إن شخصنا الآخر فرداً أو مجتمعاً فإن مناقشة حساسية التقييم الموضوعي لذات الآخر ليس خط أحمر ولا تكون وبالاً عليه إن كان واعياً مدركاً عالماً بالأشياء الظاهرة والمكنونة ” ولو سألني شخص ماذا يعنى تيروز ؟ ومما يعنيه هو شعاع الشمس الثاقب للظلام ” ومن خلال هذا الشعاع لا يمكن أن تزيد آلام المرأة لأنها دائماً تحلم بإشراقه صبح باسم مع صوت نوتات سيمفونية حالمة لتصل إلى الفيروز المشع بالحياة الوسطية وترسم خلالها راية حضارية راقية للإنسان والحرية والوطن .
***********************************
تيروز أميدي
الاسم الحقيقي هناء محمد طاهر والاسم الفني تيروز آميدي.
مواليد عمادية دهوك كردستان عام 23 – 4 – 1959م.
درست أول سنة في العمادية وسنتين في ناحية كرمة بني سعيد التابعة لمحافظة الناصرية ثم سنتين في رميثة التابعة لمحافظة الديوانية وفي سنة 1969 م درست الصف السادس الابتدائي في دهوك وأكملت المتوسطة ثم دخلت دار المعلمات وتخرجت في عام 1977م وتمارس التعليم لحد الآن .
بدأت الكتابة في أواسط الثمانينات ونشرت نتاجها في التسعينات .
انتمت إلى اتحاد الأدباء الكورد في عام 2001م
شاركت في مهرجانات عدة أقيمت في دهوك و سليمانية وديار بكر
تكتب بالغتين الكردية والعربية .
لها ثلاث كتب تكفلت بتعضيدها اتحاد أدباء الكورد مجموعات شعرية وهي ” شيلان وليلان سنة 2002م ،وكر الخواطر سنة 2007م ،بتريسبي سنة 2012م تكفل اتحاد أدباء دهوك .
الآن هي إحدى أعضاء نادي الهايكو الحر ومنارات الأدب والإبداع ونبض القلم وترانيم قلم الإبداع ، كذلك لها مشاركات في عدد آخر من الصفحات الأدبية الأخرى .

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى