كتاب عدن

سعد بن طفلة: جاهل أم خبيث

 

 عبدالناصر المودع

بعد أن تخلَّت النخب السياسية والفكرية اليمنية عن دورها في حماية وحدة بلدها وسيادتها وكرامتها، إما طمعًا في فتات المال أو بسبب السلبية والخوف، بات اليمن عرضة للتطاول من الجميع. وأصبح وكأنه “الحمار القصير” الذي يسهل على الجميع ركوبه.

في مؤتمرات القمة العربية والبيانات الدولية حول اليمن، لم يعد هناك تأكيد على وحدة وسيادة اليمن، على عكس ما يحدث مع سوريا وليبيا والصومال والسودان. والسبب واضح: من يُفترض أنهم يمثلون الشعب اليمني بأسم الشرعية، هم أنفسهم الانفصاليين الذين يعملون على تفكيك البلاد. ولهذا فمن غير الممكن أن يطالب من يسعى لتقسيم اليمن الآخرين بالحفاظ على وحدته، بل على العكس، هؤلاء يسعون إلى كسب دعم القوى الخارجية لمشروع التفكيك، أو دفعها إلى عدم ذكر وحدة اليمن في بياناتهم.

إلى جانب ذلك، يطالب بعض الكتاب العرب بتفكيك اليمن وتقسيمه، وبعض هذه المطالب نابعة عن سذاجة وجهل، وبعضها الآخر نابعة عن خبث ومدفوعة الثمن. ومن بين هؤلاء الكاتب والأكاديمي ووزير الإعلام الكويتي الأسبق، الدكتور سعد بن طفلة العجمي، الذي نشر مقالًا بعنوان “أنجيلا ميركل والوحدة اليمنية” في موقع “إندبندنت عربي” قبل فترة.

في مقاله، يتساءل الدكتور بن طفلة: “لماذا لا ينفصل اليمن ويصبح يمنيين إذا كان سراب الوحدة دامياً ومدمراً إلى هذه الدرجة؟ لماذا لا نفكر خارج الصندوق ونعيد فصل شمال اليمن عن جنوبه درءًا لمزيد من الحروب والاقتتال؟” لكن دعوات الدكتور بن طفلة ليست تفكيرًا خارج الصندوق، ولا هي أفكار عقلانية كما حاول تصويرها، بل هي إما أفكار خبيثة تتماهى مع مشاريع تفكيك اليمن ، أو أنها أفكار صادرة عن شخص جاهل لا يفقه أبجديات السياسة والقانون الدولي، والذي يمنع الانفصال، ومرتكزات النظام الدولي في العصر الحديث.

ولأن الدكتور بن طفلة يمتلك من المؤهلات ما يمنعنا من اتهامه بالجهل، فليس أمامنا سوى اتهامه بالخبث. وهذا الاتهام حق مشروع لكل يمني يرى في وحدة بلاده وسيادتها أمرًا مقدسًا، تمامًا كما هو حق مشروع للدكتور بن طفلة أن يعترض، بل ويثور، لو أن أحدًا شكك في وحدة واستقلال دولة الكويت.

طالب الدكتور بن طفلة اليمنيين باتباع نموذج تشيكوسلوفاكيا، التي انقسمت إلى دولتين فيما سمي بـ”الانفصال المخملي”، لكن هذا الطرح ليس إلا مغالطة مكشوفة. فالتجربة التشيكوسلوفاكية لا يمكن تكرارها في اليمن لأسباب جوهرية أهمها:

  • كانت تشيكوسلوفاكيا دولة ديمقراطية حين تقسيمها، ويحكمها القانون، ومن ثم كان من السهل إتمام عملية التقسيم بتلك السلاسة. أما في اليمن فإن هناك فوضى عارمة، ومليشيات، تدار من قبل أطراف أجنبية، وتقسيم اليمن في هذه الحالة هو صيغة للصراع والفوضى.

  • كانت تشيكوسلوفاكيا دولة اتحادية من إقليمين، وكان لكل إقليم حكومة وبرلمان منتخب، إضافة إلى مؤسسات قضائية وغيرها. وبعد التقسيم تولت تلك المؤسسات حكم الدولتين بكل سهولة. ولكن في اليمن لا وجود لأي مؤسسات خاصة بالشمال، أو الجنوب، كون الدولة اليمنية دولة بسيطة وليست اتحادية. ووفقا لذلك، فإن التقسيم أدى إلى فراغ مؤسساتي تم ملئة من قبل المليشيات وأمراء الحرب والمرتزقة التابعين لأطراف خارجية.

  • لم يكن هناك من تدخل خارجي يقف خلف تقسيم تشيكوسلوفاكيا، كما هو الحال بالنسبة لليمن.

ووفقا لما ذُكر فلا وجه للمقارنة بين اليمن وتشيكوسلوفاكيا، فالفوضى والحروب والتدخلات الخارجية وغياب حكم القانون في اليمن تجعل من فكرة التقسيم صيغة للفوضى والحروب الدائمة، والهيمنة الخارجية. ولهذا فإن فتح باب التقسيم فيه لن يؤدي إلى قيام دولتين تعيشان في سلام، كما يروج السذج الخبثاء، بل دويلات متناحرة تغرق في صراعات لا تنتهي، تديرها قوى أجنبية، وتسفك فيها الدماء بلا توقف.

إن مشاريع التقسيم في اليمن هي سبب الحرب والتدخل الخارجي والفقر وسفك الدماء، وما جماعة الحوثي إلا إحدى الأدوات المستخدمة لتنفيذ هذا المخطط. لذلك، إن كان الدكتور بن طفلة وغيره حريصين على دماء اليمنيين واستقرار بلادهم، فإن الواجب الأخلاقي يقتضي منهم دعم وحدة اليمن والوقوف ضد مشاريع التقسيم ومن يدعمها. وإن لم يكونوا يمتلكون الأخلاق والشجاعة، فلينقطونا بسكاتهم، كما يقول الإخوة المصريون.

يُدرك الدكتور بن طفلة، بصفته وزيرًا سابقًا وأستاذًا جامعيًا، أن القوة هي العنصر الأساس في الحفاظ على وحدة الدول، خاصة عندما تكون الحركات الانفصالية مدعومة من الخارج. فالتاريخ حافل بالأمثلة الكثيرة التي تم فيها الحفاظ على وحدة الدول بالقوة، بما في ذلك الدول التي تحكم بأنظمة ديمقراطية؛ فالولايات المتحدة استخدمت القوة للحفاظ على وحدتها. والحكومة الهندية استخدمت القوة لمنع الحركات الانفصالية وتستخدم القوة في الوقت الحالي ضد الجماعات الانفصالية في أكثر من ولاية. و إسبانيا، وروسيا، والصين، وتركيا، وإثيوبيا كلها واجهت حركات انفصالية بالقوة.

حتى أكثر الدول ديمقراطيةً وليبراليةً لن تتردد في استخدام القوة لو واجهت حركات انفصالية مدعومة من الخارج. فلو افترضنا أن فنلندا واجهت حركة انفصالية مدعومة من روسيا، لكانت ردت بالقوة نفسها التي استخدمتها الحكومة اليمنية عام 1994، وربما ما هو أكثر كما تقوم به أوكرانيا حاليا. وينطبق الأمر ذاته على بريطانيا لو كان انفصال اسكتلندا مدعومًا من قوة خارجية.

أما تبرير الدكتور بن طفلة لتقسيم اليمن بأن البلاد لم تكن دولة واحدة في الماضي، فهو تبرير جاهل/خبيث. فمعاليه يعرف بأن كل الدول العربية الحالية، تقريبا، لم تكن موجودة ولا موحدة قبل قرن من الزمان وما دون ذلك، ولو اتبعنا هذا المنطق، لما بقيت دولة عربية واحدة على الخارطة، بل لتم تفكيكها إلى مشيخات وسلطنات صغيرة لا تتعدى مساحتها بعضها مئات الكيلومترات المربعة.

لو أن الدكتور بن طفلة دعا إلى تقسيم سوريا أو ليبيا أو السودان، لواجه اعتراضًا شديدًا من نخب تلك الدول، لكنه حين دعا إلى تقسيم اليمن، لم يلقَ سوى الصمت أو التهليل والتصفيق من البعض. وهذا ليس لأن طرحه عقلاني، بل لأن النخب اليمنية فقدت حس الكرامة والوطنية والمسؤولية وحتى الشعور البشري العادي.

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى