ادب وثقافة

أناء الرغبة: بين إغواء الجسد وتأملات الروح

قراءة نقدية في سيكولوجية الجسد في نصّ : أناء الرغبة – للشاعر : وجد الروح – العراق .

أناء الرغبة: بين إغواء الجسد وتأملات الروح

قراءة نقدية في سيكولوجية الجسد في نصّ : أناء الرغبة – للشاعر : وجد الروح – العراق .

بقلم : كريم عبدالله – العراق .

 

مقدمة

نص / أناء الرغبة / هو نصّ شعري يتسم بمزيج من الشهوة الجسدية والفلسفة الروحية في تداخل حميم، حيث يتنقل الشاعر بين عوالم الجسد والروح، بين الرغبة والإغواء، وبين معاناة التوق للذة ومفارقات الوجود. وعبر تراكيب لغوية غاية في الشاعرية، يجسد الشاعر / أناء الرغبة / كوعاء يعبر عن الجسد الذي يحتمل جميع المشاعر والأحاسيس الإنسانية: من النشوة إلى العذاب، ومن اللذة إلى الفناء.

 

في هذه القراءة النقدية، سوف نسلط الضوء على السيكولوجية التي يتناولها النص في علاقته بالجسد، وكيف يعبر الشاعر عن ذلك الصراع الداخلي الذي يختبره العاشق في مواجهته للرغبة والشهوة.

 

سيكولوجية الجسد: رمزية اللذة والحرية

يبدأ النص بمناجاة للجسد، حيث يطوف الشاعر عبره بخياله المجنح ليغرق في عالم الهواجس والشهوات. الجسد في هذا السياق يصبح / فضاء / أو / أناء / يحتوي الرغبات والآلام والجنون. فالشاعر يصف الجسد كأنه فضاء مفتوح لالتهام الروح، وما يعبر عن هذا أكثر هو التعبير المجازي لـ / أناء الرغبة /، الذي يوحي بوجود وعاء يرشد الرغبات الجسدية ويحتويها.

 

يُظهر الشاعر عبر مفردات مثل / أترنح /، / أترجح / ، و/ أرتشف / أن الجسد في حالة من التذبذب بين النشوة والذهول، بين العذاب اللذيذ والحزن. هذه الازدواجية في اللغة تعكس الصراع الدائم بين الجسد والروح، حيث يشهد الجسد على تسليم الروح إلى لحظات متقلبة بين النشوة والتساؤلات الفلسفية حول الذات والموجود.

 

الشاعر هنا يسبر أغوار الجسد، باحثًا عن أسراره الكامنة، ويظهر ذلك بشكل متكرر في محاولاته لفك / شفرة الجسد / و/ معرفة أسرارها /، وهو تعبير عن الصراع المتواصل بين العقل والجسد، بين الرغبة الواعية والرغبات الخفية التي تتحكم في سلوكيات الإنسان.

 

الجسد كأداة للتحقق الذاتي

في مقاطع أخرى من النص، يبرز الشاعر أن الجسد ليس مجرد أداة للإشباع الحسي، بل هو أيضًا وسيلة للتواصل مع الذات: / لأنكِ أنت اليقين الذي أراه في وجودي وأنا الوجود الذي يمنحكِ ذروة الاشتياق /. وهنا يصبح الجسد جزءًا من هوية الشاعر، بل هو الأداة الأساسية لتجسيد الوجود واليقين. لذلك، عندما يُغرق الجسد في الرغبة، فإنه لا يغرق فقط في اللذة الجسدية، بل في محاولة للوصول إلى حقيقة أعمق وأشمل حول ذاته ووجوده.

 

في هذا السياق، يظهر الجسد أيضًا ككائن مترابط مع الأنثى، بل كجزء منها في حالة تمازج مستمر بين الذاتين: / أنا لباس لكِ… وأنتِ لباس لي /. هذا التمازج يشير إلى الاندماج التام بين الشاعر والأنثى، بل بين الجسدين في لحظة من الفناء المتبادل. الجسد يصبح ساحة للتحقق الكلي من الوجود، حيث يعبر عن تطلعات الروح إلى التوحد والاكتمال.

 

الحواس والجسد في صراع مع الرغبات

يستخدم الشاعر الحواس كمداخل لتعميق هذا الاندماج بين الجسد والروح. فالإحساس بالرغبة يصبح أداة معرفية وجسدية، عبر مفردات مثل / أرتشف نبيذ اللذة /، التي تشير إلى تأثير الجسد على الروح، والميل الغريزي إلى استكشاف الحدود بين اللذة والعذاب. وهنا، يشير الشاعر إلى الجسد كأداة اختبار، واللذة كفعل يقود إلى الفناء المحتمل، في صورة فلسفية تسلط الضوء على عدمية الجسد في النهاية: / الجسد الذي لا يمارس الحب يستحق الفناء /.

 

بالإضافة إلى ذلك، يُظهر الشاعر في تعبيراته، مثل / النار لا تأخذها رأفة بعاشق مخمور/، أن الرغبة تصبح قوة ضاغطة، غير قابلة للتراجع أو الهروب منها. إنها تجرف الشخص إلى داخلها، مثلما يغرق الجسد في لذته وفي ضباب الرغبة.

 

الرمزية والتحولات الجسدية

تظهر في النص أيضًا العديد من الرموز التي ترتبط بالجسد كمساحة خصبة للعاطفة والجنون. يشير الشاعر إلى الجسد كـ / إمبراطورية / يتم تأسيسها داخل الأنثى، وهو استعارة تصور العلاقة الجنسية على أنها استيلاء وتوسيع للحدود. هذا الفتح الجسدي يشير إلى التحرر التام من القيود، وإلى إعلان / الفاتح الأوحد / الذي يغزو جسد الأنثى في محاولة للهيمنة على المساحة الأنثوية الفاتنة.

 

وفي هذا السياق، يبدو الجسد كأنه ساحة معركة، ساحة تعبير عن السلطة والسيطرة المتبادلة بين الرجل والأنثى. كما أنه بمثابة استكشاف لا نهائي للعلاقة بين الجسد والرغبة، حيث تظل المحاولة مستمرة لفهم / القوانين / التي تحكم هذا العالم الغامض.

 

النهاية: فلسفة السكارى والمجانين

يختتم الشاعر نصه بتأكيد فلسفته الخاصة التي تروج لفكرة أن الروح التي لا تذوق اللذة / لا تستحق الهناء /، وأن الجسد الذي لا يمارس الحب / يستحق الفناء/. هذه الفلسفة التي ينادي بها تقترب من منطق / السكارى والمجانين / الذين يعيشون في حالة من الهياج والرغبة المستمرة. لكن في هذه الفوضى، يظهر الجسد كطريقة لتحقيق الذات، وكأداة للوجود في عالم تحكمه القوانين الذاتية للجسد والرغبة.

 

الخلاصة

يعد هذا النصّ تجربة شعرية جريئة في تناول سيكولوجية الجسد، حيث يتداخل فيه الشعور الجسدي مع التأملات الفلسفية، وتتلاقى الرغبة مع الوجود. هذا النص يُظهر الصراع بين الجسد والعقل، ويفحص العلاقة المعقدة بين الجنس والفلسفة، كما يقدّم لنا رؤية شعورية عن الجسد كوعاء يعبر عن أغوار النفس. في النهاية، يظل الجسد هو الأداة الوحيدة للبحث عن اليقين الروحي، حتى وإن كان هذا البحث يعبر عن فلسفة مختلة أو مجنونة تذوب في لذتها ووجعها.

النصّ :

أناء الرغبة

………….

أحلقُ في فضاء الهواجس

بخيالٍ سمجٍ مجنح

تسمو به شاعرية عاشق مخمور مثلي

فوق تقاطيع جسدكَِ……أترنح

.

.

أتقافز فوق شموخ هضابكِ

أنزلق في مهابط…وديانكِ

وبين

بركان الرغبة و هشيش الشهوة….أترجح

.

.

غارق في غياهب النشوة الداعرة

أرتشف نبيذ اللذة …المسكرة

وبطيات انوثتكِ………أتَصفح

.

.

أصل الى آية البلوغ الكبرى

أردد تراتيل الولوغ….وأتعرى

وأمام جلال ..التعري

 اخلع ثوبي خلسة

وبأيماءات الرعشة……أتوشح

.

.

يامَنْ شَرعت لي

نوافذ الأنوثة على رحابِها

أني أراكِ امرأة مأزومة بالحبِ

وجسد محقون بالرغبةِ…تَستهلكني نارها

والنار لا تأخذها رأفة بعاشقٍ مخمورٍ

وهب نفسهُ قرباناً……لرمادِها

أقول

أن أعذب جنون اللذة فيه طعم الهياج

زأعذب طعم الهياج…….هو

فك شفرة الجسد زمعرفة أسرارها

.

.

أيتها الأنثى الراقدة في جرح..الشقاء

أني خبير بعالمكِ

خبير بطبائع النساء

فأمنحيني جسدكِ وضعيني في أناء الرغبة

فأنا رجل أعرف قوة صلابتي…بسالتي

ولا أبالي

إذ كنت يوماً سأذبل في تلك …الأناء

لأنكِ أنت اليقين الذي اراه في وجودي

وأنا الوجود الذي يمنحكِ ذروة …..الأشتهاء

.

.

فتعالي

أرتشفي نبيذ سكري

أرقدي في فراشي وأستجيبي للنداء

لأن الصمت الجسدي

بئر عانت مياهها من العفن والجفاف

وإن أبتلاع الخوف

في دياجير البدن لا تجلب العفاف

لأن العفة في أحياء الغرائز

لا ثوب نرتديه بذريعة ……الحياء

.

.

فدعيني

أمارس فحولتي كما أرغب

بل كما أنتِ……ترغبين

فأنا لباس لكِ..وأنتِ لباس لي

فيكِ أتموضع..وفيَّ تتموضعين

وعلى هدير الوجع نلتهم بعضنا

ويمترج فينا

أنوثة الماء………. وطهارة الطين

وحين

نصل الى أعالي الرعشة

يحتقن كل شيءٍ فينا

فتتصاعد الأوردة وتنتحر….الشرايين

.

.

لستِ سوى شاطىء ساحر تستقبل ….أمواجي

لستِ سوى ساحل للذة ترسو فيكِ سفن هياجي

وبين

صخب الموج وأعاصير الهياج……تَتلذذين

.

.

أنا الفاتح الأوحد

الذي أحتل قارة إنوثتكِ

وفوق تضاريسكِ أرفع راياتي…وأتمجد

واعلن بأنني أول ………الفاتحين

.

.

اؤسس فيكِ إمبرطورية الجسد

وفي تربة كيانكِ

ادعو أمم غرائزي كي ..نتوحد

وبأنوثة الماء…..وطهارة الطين

أكتب مسلتي

وفي الواح جسدكِ أخط القوانين

لأقول

أن الروح التي لاتعرف طعم اللذة

لا تستحق الهناء

وأن الجسد الذي لا يمارس الحب

يستحق الفناء

ثمل أنا………..مجنون أنا

وتلك هي فلسفة السكارى …..والمجانين

وتلك هي فلسفة السكارى …..والمجانين

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى