بين الخوف والاشتياق: رحلة العشق في فضاء الغياب
بين الخوف والاشتياق: رحلة العشق في فضاء الغياب
قراءة تحليلية في قصيدة : بريق– للشاعرة: هناء مرشد – سوريا .
بقلم : كريم عبدالله – العراق .
شرح العنوان:
بين الخوف والاشتياق: يعكس هذا الجزء التوتر العاطفي في القصيدة ، حيث تعبر الشاعرة عن مشاعر القلق والخوف من عدم العودة أو فقدان الحبيب، وفي نفس الوقت تُظهِر الاشتياق العميق والرغبة في العودة إلى الأحضان.
رحلة العشق في فضاء الغياب: يشير إلى التجربة العاطفية التي تعيشها الشاعرة في النص، حيث تبدأ الرحلة في فضاء الخيال والاشتياق، وتتنقل عبر صور الحنين والهجر، مما يخلق إحساسًا بالبعد رغم وجود العشق.
القصيدة تتنقل بين مشاعر الحب والفقد والاشتياق، مما يجعل العنوان يعكس مضمون النص بطريقة شعورية وعاطفية.
مقدمة:
قصيدة “بريق” للشاعرة هناء مرشد تتسم بالعمق العاطفي، وتحمل بين طياتها مشاعر متناقضة من الاشتياق والحب والوجد. تتنقل الشاعرة بين الرغبة في العودة إلى الحبيب والقلق من الفقدان، في صورة مركّبة للغربة الروحية والجسدية. العنوان “بريق” يوحي بتوهج الأمل أو الضوء الذي يوجه العين نحو هدف بعيد أو مستحيل. هذه الرحلة العاطفية تدور في فضاءٍ بين الماضي والحاضر، بين الحضور والغياب، وتطرح تساؤلات فلسفية وعاطفية عن الحب والوجود.
التيمة المركزية:
تدور التيمة المركزية في القصيدة حول الاشتياق والتساؤل عن اللقاء والغياب. الشاعرة تستخدم صورًا مكثفة تعبيرية لتمثيل مشاعر الحب، الحنين، والمخاوف التي تصاحب تجربة العشق والفقد. تتقاطع هذه المشاعر مع الرغبة في العودة إلى الحبيب والقلق من تكرار الهجر.
الأسلوب اللغوي:
القصيدة تتميز بالأسلوب الشعري الرمزي، حيث تختلط الصور الشعرية مع الرموز التي تمثل مشاعر الشاعرة بطريقة غير مباشرة. في البيت الأول “تتزيّن بهندام الخوابيْ الغافية”، تظهر صورة “الخابية” أو “الصمت المطمئن”، كما يُفهم من سياق البيت، وكأنها تمثل حالة السكون في غياب الحبيب. كما أن “الغافية” تمثل الراحة الظاهرة التي يخفيها غياب الحبيب، وهو ما يعكس صورة متناقضة بين السكون والفراغ الداخلي.
تُظهر الشاعرة من خلال التشبيه في قوله: “كما غجريةً ترْقَبُها عيني بتَعَجّبْ”، الحيرة والدهشة التي يشعر بها المحب إزاء الحبيب، وهو في رحلة للبحث عن شيء مستحيل أو بعيد المنال. هذا يشير إلى أن المحب يعايش حالة شوق غير ممكن تحقيقه في الواقع، أو أن الحبيبة أصبحت أشبه بخيالٍ أو حلم بعيد.
الرمزية والخيال:
تستخدم الشاعرة الرمزية لتصوير الحركة بين “التيه” و“العودة”. في قوله: “فأراني أذهبُ نحوَها في تيهٍ / لا أخشى إلّا ألّا أعودَ مِنهُ”، هناك إشارة إلى أن المحب في حالة تيهٍ معنوي، يحاول الوصول إلى الحبيب بينما لا يملك ضمانات العودة أو النجاح. تعكس هذه الفكرة الخوف من الفقدان الذي يحيط بالعلاقة، وكأن المحب في رحلة لا يعلم إن كانت ستنتهي بلقاء أم بهجر جديد.
التوتر بين الحضور والغياب:
واحدة من أبرز السمات في القصيدة هي التوتر بين الحضور والغياب. في السطر الذي يقول: “تملأُ قلبي بالدِفءِ الذي افتقدتُهُ في غِيابِكِ عني”، تكمن الدلالة على أن الحبيبة هي مصدر الراحة والسكينة للمحب. ولكن، غيابها يعمّق الحزن، كما يظهر في الأبيات التالية: “فتشْهَقَ روحي وتذْرِفَ دمعةً / ويَكسوَ روحي هجرَكِ مِنْ جديدْ”، حيث يبرز الألم الناتج عن الفقد والعودة إلى حالة العذاب الروحي.
الأسئلة الوجودية:
الشاعرة تطرح تساؤلات كثيرة في القصيدة التي تبرز فلسفة وجودية عن الحب والعلاقة:
“فَهلْ منْ مَكانٍ بعيدٍ يجمَعُنا أو قريبْ؟؟؟”
“وهلْ لِهدرِ نبضيَ مِن هُدوءِ بِحُضورِكِ أشتهيه؟؟؟”
هذه الأسئلة تعكس حالة الانتظار والأمل الضائع، حيث يسأل الشاعر عن المكان الذي قد يجمعه بالحبيب، ويتساءل عن الهدوء الذي قد يحلّ في قلبه بحضور الحبيبة. هذه الأسئلة تفتح نافذة على فكرة أن الوجود لا يكتمل إلا في حضور الحبيب، وأن الحياة بلا حب تصبح مجرد هدر للطاقة العاطفية.
الموسيقى الداخلية والإيقاع:
الموسيقى الداخلية في القصيدة محورية في التعبير عن التوتر النفسي والتغيير العاطفي. تبرز الاهتزازات العاطفية في التكرار الذي يُستخدم في النص بشكل متقن، مثل تكرار كلمات “أشتاقُكِ”، “أحنو”، “هلْ”، حيث يعكس التكرار حالة القلق والانتظار المستمر. التنقل بين الأسئلة والعبارات القصيرة يعزز من توتر الحالة النفسية التي يعيشها المحب.
التصعيد العاطفي:
القصيدة تشهد تصعيدًا عاطفيًا من خلال الأبيات التي تتوالى على شكل تدفق متسارع للعواطف والمشاعر. يبدأ النص بوصف حالته الهادئة، لكنه يتصاعد تدريجيًا مع التساؤلات والاشتياق المستمر، ليصل إلى قمة الوجع النفسي مع الأسئلة التي تحمل معاناة وجودية عميقة، كما في السطر الأخير: “وهلْ لِهدرِ نبضيَ مِن هُدوءِ بِحُضورِكِ أشتهيه؟؟؟”.
الخاتمة:
هذه القصيدة هي رحلة شعرية تمزج بين الوجدان العميق والحيرة الروحية في البحث عن الحب واللقاء. الشاعرة هناء مرشد استطاعت أن تعبر عن تجربة إنسانية مشتركة، هي تجربة الاشتياق والحب المفقود، وجعلت من النص بؤرة للتأمل في الوجود العاطفي والوجودي بشكل عام. من خلال الأسلوب الرمزي والإيقاع العاطفي، تقدم القصيدة نصًا مليئًا بالأسئلة الوجودية والمشاعر المتناقضة التي تؤكد أن الحب، رغم آلامه، هو نبض الحياة والوجود.
القصيدة :
بريق
تتزيّن بهندام الخوابيْ الغافية
يرومُ قلبيَ لرؤياها
كما غجريةً ترْقَبُها عيني بتَعَجّبْ
فأراني أذهبُ نحوَها في تيهٍ
لا أخشى إلّا ألّا أعودَ مِنهُ
فتداني خطواتي مِن مسافاتِ رحيلِكْ
لأقتنِصَ مِنكِ نَظرةً مِلؤُها الحُبَ والحُنوْ
تملأُ قلبي بالدِفءِ الذي افتقدتُهُ في غِيابِكِ عني
أُسرِعُ الخُطى لألحَقَ رُكْبَكِ المُسافِرْ
فإذْ بي أرانيْ أضُمُّ مِنكِ
كُلَ مكانٍ كُنتِ قدْ مررتِ بهِ
فأصحوْ على قلبٍ أضناهُ التعبَ والحِرمانْ
فتشْهَقَ روحي وتذْرِفَ دمعةً
ويَكسوَ روحي هجرَكِ مِنْ جديدْ
أيّتُها المَليئَةُ بيْ…
أشتاقُكِ كُلّما صَحوْتْ
وأحنو إلى لُقياكِ كُلَّما ابتسمت
فَهلْ منْ مَكانٍ بعيدٍ يجمَعُنا أو قريبْ؟؟؟
وهلْ لِهدرِ نبضيَ مِن هُدوءِ بِحُضورِكِ أشتهيه؟؟؟
بقلم : هناء مرشد – سوريا .