صراع المعاني والأحاسيس في قصيدة : عتاب الماء – للشاعرة : جمانة الطّراونة – الأردن .
بقلم : كريم عبدالله – العراق .
قصيدة “عتاب الماء” للشاعرة جمانة الطراونة تعكس صراعًا عميقًا بين المعاني والأحاسيس، حيث تتناول مواضيع الهوية، الافتقاد، والبحث عن الحقيقة. في هذه القصيدة، تبرز الشاعرة تجاربها الذاتية وتوجهات المجتمع من خلال رموز واستعارات غنية.
المعاني والأحاسيس
الحنين والافتقاد:
تعبر الشاعرة عن مشاعر الحزن والافتقاد، كما في تصويرها للعطّار الذي يهدر الأطياب، مما يرمز إلى فقدان ما هو جميل ونقي.
الصراع مع الذات:
يظهر الصراع الداخلي من خلال مشاعر الشك والتساؤل، حيث تتساءل عن قيمة العتاب والماء، مما يشير إلى انشغالها بفهم نفسها ومكانتها في العالم.
التاريخ والتراث:
تشدد الشاعرة على التراث الديني والتاريخي، مستحضرة شخصيات مثل عيسى وآدم وقابيل، مما يضفي بعدًا روحانيًا على النص ويعكس الهوية الثقافية.
الصراع بين الحياة والموت:
تتناول الشاعرة القضايا الوجودية من خلال الحديث عن الدم والقتال، مما يعكس التوتر بين الحياة والموت، وأثر هذا التوتر على النفس الإنسانية.
الأسلوب
الاستعارات والتشبيهات: تستخدم الشاعرة الكثير من الاستعارات القوية، مثل “الخنجر المسموم” و“حجب الغيرة”، مما يعمق من تأثير الكلمات ويجعل القارئ يشعر بحدة الصراع.
التكرار: توظيف التكرار في بعض العبارات يعزز من وقع المعاني، كما يخلق إيقاعًا شعريًا مميزًا.
قراءة تحليلية في قصيدة “عتاب الماء” لجمانة الطراونة
تعد هذه القصيدة عملًا شعريًا غنيًا بالمعاني والدلالات، حيث تتشابك فيه الأحاسيس الإنسانية العميقة مع الرموز الثقافية والدينية. ومن خلال تحليل النص، يمكن استخلاص عدة عناصر رئيسية تعكس صراع المعاني والأحاسيس.
1. البنية الشعرية
تتميز القصيدة بتنوع العروض الشعرية واستخدام الصور البلاغية، مما يضفي على النص ديناميكية وإيقاعًا مميزًا. الشاعرة تستخدم أسلوب الحوار الداخلي، حيث تتحدث إلى ذاتها وتعبر عن صراعاتها وأفكارها، مما يعكس عمق التجربة الإنسانية.
2. المعاني والدلالات
عتاب الماء:
يمثل الماء رمزًا للحياة، النقاء، والتجدد. استخدام “عتاب” يشير إلى التوتر بين الحاجة إلى هذا العنصر الحيوي والتجارب المؤلمة المرتبطة به. الماء هنا يصبح تجسيدًا للذكريات والأحاسيس التي تلاحق الشاعرة.
الحزن والافتقاد:
تظهر مشاعر الحزن بوضوح، حيث تشير الشاعرة إلى فقدان الأمل والحنين إلى أوقات أفضل. جمل مثل “ولن تملأ الصحراءُ قربةَ ظامئٍ” توضح شعور العطش الروحي وعدم الاكتفاء.
الرموز الدينية والتاريخية:
تضمين شخصيات مثل عيسى وآدم وقابيل يربط التجربة الفردية بالتراث الثقافي والديني. هذه الرموز تعمق الإحساس بالمسؤولية عن الأفعال وتاريخ الإنسانية، مما يزيد من حدة الصراع الداخلي.
3. الصراع بين الحياة والموت
تتناول القصيدة قضايا وجودية عميقة، حيث يظهر الصراع بين الحياة والموت من خلال صور مثل “الخنجر المسموم” و“دموعي الحرّى”. هذا التوتر يعكس قلق الشاعرة من مصيرها ومصير الآخرين، وينقل إحساسًا بالهشاشة الإنسانية.
4. اللغة والأسلوب
الاستعارات:
استخدام الاستعارات يعزز من عمق المعاني، مثل “بتميمةِ الرائي” التي تشير إلى البحث عن الحماية أو الأمل.
التكرار:
يساهم التكرار في تعزيز الرسالة الشعرية ويخلق إيقاعًا يجعل القارئ يتأمل في المعاني المعروضة.
5. الخاتمة
قصيدة “عتاب الماء” هي تأمل عميق في قضايا الهوية، الافتقاد، والصراع الوجودي. من خلال استخدام الرموز الدينية والتاريخية، استطاعت جمانة الطراونة أن تقدم نصًا شعريًا يعكس تعقيد التجربة الإنسانية ويجسد صراعاتها. إن هذه القصيدة ليست فقط تعبيرًا عن مشاعر شخصية، بل أيضًا تأمل في حالة المجتمع والوجود، مما يجعلها تحمل دلالات أوسع تتجاوز السياق الفردي.
القصيدة :
عتاب الماء
ما زلتُ والمعنى على أعصابهِ
أدعو بنات الشعر من أحبابهِ
ونبيّةٌ هذي القصيدةُ إنّما
لَم تمنع الشيطانَ عن أصحابهِ
والليل لا يكفي لتمنحَ حرزها
أن يُخرجَ المحبوس من سردابهِ
إذ ليس مِن مَلكٍ كريمٍ للرؤى
حتّى تجوبَ الأرضَ في أعقابه
يا سيد المعنى وصاحبهُ الذي
صلبَ الكلامَ على سقوف قبابهِ
ما جئتُ شاعرةً تدّورُ بختها
بتميمةِ الرائي ولا بحجابهِ
لكن أتيتُ لكي أعيد إلى الشذى
ما أهرق العطّارُ من أطيابهِ
وأردّ عنقود المجاز لأصلهِ
حيثُ الكنايةُ مشتهى أعنابهِ
من قلب عيسى كُنتُ دعوة أمّهِ
وصلاة من حنّوا إلى محرابه
وصليبهُ المنصوبُ يبرأ من دم الـ
بهتانِ مهدوراً على أخشابهِ
لن تملأ الصحراءُ قربةَ ظامئٍ
يجري كما المجنون خلفَ سرابهِ
يا آدم الطينيّ نَارُ توجّسي
أندى فهل للماء كفُّ عتابهِ ؟!
ودمي إلى هابيلَ تحجبُ غيرتي
من أُفْق قابيل اشتهاء غُرابِهِ
عن طعنة في الغيب يمهر قاتلي
بدموعي الحرّى غلاف جوابه
والخنجر المسموم في كفِّ الرّدى
مترقّبٌ جرحي لِكَتْبِ كتابِهِ
فاتورتي ارتفعتْ عن الحدّ الذي
في وسْع أوجاعي لدفْعِ حسابه
لم ينقبضْ صدر الحقيقةِ إنّما
صدري على المكلوم من غيابهِ
يا وارث الحلّاج ما من جُبّةٍ
أخرى لتخلعها على طُلابهِ
فالبيتُ يُهدمُ حين يفقد ربّهُ
مهما نشدُّ عليهِ من أطنابِه .