قراءة في قصيدة الشاعرة : سلوى حسين علي – مطر هارب على شراشف الروح
قراءة في قصيدة الشاعرة : سلوى حسين علي – مطر هارب على شراشف الروح
قصيدة “مطر هارب على شراشف الروح” للشاعرة سلوى حسين علي تجسد تجربة شعورية عميقة ومعقدة، مليئة بالرموز والتجريدات التي تعبر عن صراعات النفس الإنسانية وتجلياتها المتنوعة. دعنا نستعرض بعض العناصر الأساسية في القصيدة:
الصورة الكونية والرمزية:
“مطر هارب على شراشف الروح”: تبدأ القصيدة بصورة شاعرية تُشير إلى تشتت الروح وتناقضاتها. المطر هنا يمكن أن يكون رمزًا للتطهير أو الندم، لكن هروبه يوحي بعدم الاستقرار أو عدم القدرة على إيجاد راحة.
الذئاب وتناقضاتها: الذئاب هنا تمثل التهديد أو الشر الذي يتخفى وراء قناع من الوداعة. هذا التناقض بين المظهر والجوهر يبرز حجم الخداع والخيانة الذي يمكن أن يواجهه الإنسان.
الألم والتناقضات الداخلية:
“تسكن روح على ضفة لا تعرفها”: تعبر عن حالة من عدم الاستقرار والتشوش في النفس، حيث تكون الروح عالقة في مكان غير مألوف أو غير مريح.
“تستجمع مدخرات الروح برغبة بكاء دافئ”: يظهر أن الشاعرة تسعى إلى تجميع قواها العاطفية والنفسية بعد حالة من الألم أو الحزن.
الرمزية الأسطورية والتاريخية:
“آلهة القوة والأنهار تعانق أسراب المنايا”: إشارة إلى القوى الكبرى والأقدار التي تحدد مصير الإنسان، وهي تعكس الصراع بين القوة والموت.
“كدير مهجور يلج فيها الخراب”: تشبيه لحالة النفس بالخراب والضياع، وكأن الروح تجد نفسها في مكان مهجور من العواطف أو الأمل.
التعبير عن الذات:
“وَأنا أنثى جامحة بالأحلام”: تعبير عن القوة والتطلعات الشخصية للشاعرة، وهي تعبر عن حلمها وتوقها لتحقق ما ترغب به.
“تتسلق شرفات الروح”: إشارة إلى محاولة الشاعرة للوصول إلى أعمق نقاط روحها وفهمها بشكل أعمق.
الصراع الداخلي والبحث عن المعنى:
“عسايَ أن أجد ملامح الطريق ببوصلة من عواء الذئب”: يشير إلى البحث عن الاتجاه الصحيح في ظل الفوضى والقلق. الذئب هنا قد يكون رمزًا للألم أو الفوضى التي تقود الشاعرة إلى اكتشاف الذات.
تستخدم الشاعرة في قصيدتها صورًا قوية وتعابير معقدة لتصوير صراعاتها الداخلية وتجربتها الشخصية، مما يجعل القصيدة غنية بالمعاني والتفسيرات المحتملة.
لنتناول القصيدة “مطر هارب على شراشف الروح” للشاعرة سلوى حسين علي بطريقة أعمق، مركّزين على الرموز والمعاني الكامنة وراء الصور والتجريدات المستخدمة فيها.
تحليل العنوان: “مطر هارب على شراشف الروح”
“مطر هارب”: المطر غالباً ما يُرتبط بالتجدد والنقاء، لكنه هنا يأتي في حالة هروب، مما يوحي بعدم القدرة على تحقيق النقاء أو التجدد. يشير إلى حالة من عدم الاستقرار العاطفي أو الروحي، حيث لا يمكن للشفاء أو التطهير أن يتم بشكل كامل.
“شراشف الروح”: الشراشف تمثل القماش الذي يغطّي ويحتوي، وفي هذا السياق، هي رمزية للروح نفسها التي تسعى للراحة أو التغطية ولكنها تعاني من التشتت أو النقص.
التحليل التفصيلي:
الصورة الأولى: الذئاب والروح
“للذئاب أنياب تصطنع الابتسامة مسبقا أعدتها”: هنا، الذئاب تمثل الشر أو الخداع. القدرة على التصنع تُبرز التناقض بين المظهر الخارجي والنوايا الحقيقية. الذئاب تُمثل قوى خارجية قد تبدو ودودة ولكنها تحمل في داخلها تهديدات خفية.
“تفر بعدها لأنيابها الجائعة”: الذئاب تعود إلى طبيعتها الحقيقية بعد إظهار التظاهر، مما يرمز إلى الخيانة والخداع الذي يواجهه الإنسان من الآخرين.
الصورة الثانية: حالة الروح والقدرة على التكيف
“تسكن روح على ضفة لا تعرفها”: يشير إلى حالة من الضياع أو الغربة. الروح تكون عالقة في مكان غير مألوف أو غير مريح، مما يعكس مشاعر الانفصال وعدم الانتماء.
“لتهرب في جماجم الورد”: الجماجم هنا تمثل الموت أو الذكريات المؤلمة، بينما الورد قد يرمز إلى الجمال والحياة. تداخل هذه الرموز يشير إلى الصراع بين الجمال والحزن.
“بأمنية ضائعة بيد القدر”: تعبر عن الفقدان وعدم القدرة على تحقيق الأماني في ظل الأقدار التي تتحكم في حياة الإنسان.
الصورة الثالثة: القوة والكبرياء
“متبرجة بالخلاخيل فوق عرش الكبرياء”: هنا، التبرج يشير إلى التظاهر بالمظاهر الفاخرة، بينما العرش يعكس الكبرياء والسلطة. تتجسد الصورة في مظهر خارجي جذاب لكن معزول عن الواقع الداخلي.
“تحلق حولها آلهة القوة والأنهار تعانق أسراب المنايا”: تجمع بين الرمزية الميثولوجية للقوى الكبيرة والموت. القوى الكبرى تُحيط بالشاعرة، مما يبرز الصراع بين القوة والمصير المحتوم.
الصورة الرابعة: الصمت والخراب
“وصمتها المخيف كدير مهجور يلج فيها الخراب”: يشير إلى الصمت الذي يعكس الشعور بالهجر والخراب الداخلي. الدير المهجور يرمز إلى الروح التي أصبحت غير مكتملة أو مدمرة.
“تملء مـحبرتها من أرث قديم”: الشاعرة تستخدم الماضي كإلهام أو مصدر لكتابة تجربتها، لكنها تعاني من الضغط الناتج عن هذا الإرث.
الصورة الخامسة: الذات والأحلام
“وَأنا أنثى جامحة بالأحلام”: تعبير عن قوة الذات وتطلعاتها. الشاعرة ترى نفسها كمحاولة للانفصال عن القيود والعثور على هويتها الحقيقية من خلال الأحلام.
“تعبر حدود الشهقات بأهازيج الفراشات”: الفراشات رمز للتغيير والجمال، والشهقات تعكس التوتر. الشاعرة تسعى لتحقيق التوازن بين الألم والجمال.
“تتسلق شرفات الروح”: إشارة إلى محاولة الشاعرة للوصول إلى عمق روحها واستكشاف أبعاد جديدة.
الصورة الأخيرة: البحث عن الاتجاه
“عسايَ أن أجد ملامح الطريق ببوصلة من عواء الذئب”: تعبير عن البحث عن الاتجاه الصحيح في عالم مليء بالفوضى والألم. عواء الذئب يُستخدم هنا كبوصلة، لكنه يمثل صراعاً أو ألماً. الشاعرة تبحث عن معنى وتوجيه في ظل هذه التحديات.
خلاصة
تغوص القصيدة في أعماق النفس البشرية، مستكشفة التناقضات والصراعات الداخلية التي تعاني منها الروح. تتداخل الصور الرمزية والتجريدات لتكشف عن مشاعر الخيانة، الصراع، البحث عن الهوية، والتأمل في الذات. القصيدة تعكس عمق التجربة الإنسانية من خلال استخدام رموز ميثولوجية وتاريخية، مما يمنحها طابعاً شعرياً معقداً وقوياً.
القصيدة :
مطر هارب على شراشف الروح
للذئاب أنياب تصطنع الابتسامة مسبقا أعدتها . تفر بعدها لأنيابها الجائعة، تسكن روح على ضفة لا تعرفها، لتهرب في جماجم الورد بأمنية ضائعة بيد القدر، لتستجمع مدخرات الروح برغبة بكاء دافئ، تؤرق جلسة القمر، علها تكتنز ثمارها من جديد . متبرجة بالخلاخيل فوق عرش الكبرياء، لتستدر متوشحة بريق الزهور ،تحلق حولها آلهة القوة والأنهار تعانق أسراب المنايا. وصمتها المخيف كدير مهجور يلج فيها الخراب، تملء مـحبرتها من أرث قديم ضـاقـت الـنـفس بـحشـرهـا وهي مـنكوسـة بالذل .
وٲنا أنثى جامحة بالأحلام، تعبر حدود الشهقات بأهازيج الفراشات، تعشق أثواب الفكرة، تتسلق شرفات
الروح، علها تجد عصرا ما قبل الخلق، ولكن مازالت حساباتي كاختبار تحت أقدام الجنون، حين تتخبط أوراقي في دهاليز الأساطير.
عسايَ أن أجد ملامح الطريق ببوصلة من عواء الذئب..