قراءة صوفية في قصيدة : لقاء من عشق – للشاعرة : رشا السيد احمد
.
بقلم : كريم عبدالله – العراق
22/8/2024 .
لقاء من عشق
في الساعة الخارجة …
من الوقت نلتقي
رغم تمطي المسافات
ونغني الأغنيات السعيدة الملونة ونحلق في سموات بعيدة
كل هذا الصهيل من القلب وذاك الغناء الندي لا يزيدنا إلا إشتعالاً
كل ذاك الحديث الشفيف كأنما أشعة الشفق تخترق عتبة القلب فهو لم يكن يزيدنا إلا ذوباناً
و صوتك الكاسح لكل ما بي …!
ذاك الذي كلما لفني تهاطلت من فوقي قصص ساحرة تفرد أبوابها حباً و لا تموت
قصص معطرة بعبق الياسمين الدمشقي وجمال المدن الفرعونية
وي ..
كأنك صرت أنا وصرتُ أنا أنتَ
بل في الحقيقة نحن روح واحدة وصارت روحين
كأني بها روح من نسيم العشق كُوِنت
روح تختفي من داخلها كل الجروح الغائرة في المناحي البعيدة منها
أنت أغنيتي السعيدة حتى وأن صار هذا الكون دمار
وأنت هدية الملائكة لقلبي في ليلة عيد
والعيد أنت حين تكون معي
وحين تكون معي أشتهي أن أجالسك كل حين ليس فقط في الساعة الخامسة والعشرين
تلك الخارجة عن الوقت
ذاك الوقت الذي يكون طعمه كالشوكولا الفاخرة صباح الأعياد
وليس فقط أشتهي أن أجالسك ونفرد الحكايات الحلوة
بل أشتهي ألا تفرقنا المسافات
لي في قلبك كل المدن الجميلة التي فتحتها لي
ولكَ كُلُ قلبي وأغنيات الروح واشتهائها العذب
لا أريد أن يلتهمنا الوقت و أن تعبث بنا الحروب
تعال لنرسم لوحة الحياة أكبر
تعال لنمسح من اللوحة الحروب التي تعبث بالأوطان ونمسح فيها من عيون أطفال الحرب الدموع والخوف والقلق والألم والشتات
تعال لنحلق طائرين في سماء المطلق إلى ما شاء الله
فقلبي عصفور يشتهي الغناء والتحليق معك في ليلة عيد لا تنتهي .
قراءة القصيدة من زاوية صوفية يمكن أن تكشف لنا أبعاداً عميقة وعرفانية للحب والروحانية. في التصوف، يُنظر إلى الحب كوسيلة للاتحاد مع الحقيقة العليا أو الذات الإلهية، وتُعد اللحظات الروحية التي تتجاوز الزمن والمكان تجسيداً لهذا الاتحاد. لنأخذ جزءاً من القصيدة ونقرأه بأسلوب صوفي:
“لقاء من عشق
في الساعة الخارجة…
من الوقت نلتقي
رغم تمطي المسافات
ونغني الأغنيات السعيدة الملونة ونحلق في سموات بعيدة”
هنا، يمكننا أن نرى اللقاء كرمز للاتحاد الروحي الذي يحدث عندما يتجاوز العاشق والزمن الفاصل بينهما. في التصوف، تُعتبر اللحظات التي يتجاوز فيها الإنسان حدود الزمان والمكان نوافذ للاتصال بالوجود الأسمى. الأغنيات السعيدة والسموات البعيدة تشير إلى تجربة الاتحاد بالروح الإلهية، حيث تصبح المسافات والقيود غير ذات معنى.
“كل هذا الصهيل من القلب وذاك الغناء الندي لا يزيدنا إلا اشتعالاً
كل ذاك الحديث الشفيف كأنما أشعة الشفق تخترق عتبة القلب فهو لم يكن يزيدنا إلا ذوباناً”
في التصوف، يُعتبر الاحتراق العاطفي شوقاً مقدساً نحو الله. الصهيل من القلب والغناء الندي يمكن أن يُفهم كرمز للتجليات الروحية التي تثير في العاشق شوقاً وذوباناً في حب الله. الحديث الشفيف وأشعة الشفق يمثلان الإلهام الإلهي الذي يذيب قلوب العارفين في حبهم العميق.
“و صوتك الكاسح لكل ما بي …!
ذاك الذي كلما لفني تهاطلت من فوقي قصص ساحرة تفرد أبوابها حباً و لا تموت”
الصوت الكاسح هنا يمكن أن يُفسر كصوت النداء الإلهي الذي يُغرق العاشق في تجارب صوفية. القصص الساحرة تعبر عن المعاني العميقة والحكم التي تفتح أبواب القلب، والتي تظل خالدة ومستمرة في الروح.
“كأنك صرت أنا وصرتُ أنا أنتَ
بل في الحقيقة نحن روح واحدة وصارت روحين”
هذا الوصف يرمز إلى وحدة الوجود في التصوف، حيث يتحد العاشق والمعشوق في تجسيد للحقيقة المطلقة. هنا، تذوب الشخصيات الفردية في الروح الإلهية، ويصبحان واحداً في تجربة الحب والاتحاد.
“تعال لنرسم لوحة الحياة أكبر
تعال لنمسح من اللوحة الحروب التي تعبث بالأوطان ونمسح فيها من عيون أطفال الحرب الدموع والخوف والقلق والألم والشتات”
في هذه الدعوة، نجد تأملاً في دور الحب الإلهي في تجديد العالم وإصلاحه. تطهير اللوحة من الحروب وآلام الإنسانية يُعبر عن رؤية صوفية للعالم، حيث يصبح الحب الروحي وسيلة للتغيير والتجديد في عالم مليء بالصعوبات.
“تعال لنحلق طائرين في سماء المطلق إلى ما شاء الله
فقلبي عصفور يشتهي الغناء والتحليق معك في ليلة عيد لا تنتهي.”
هنا، يُصوَّر الحب الصوفي كطيران طائر في سماء مطلقة، حيث يمتزج العاشق والمحبوب في تجربة أبدية من النشوة والسرور. العيد الذي لا ينتهي هو تجسيد للوحدة الروحية التي لا تنفصل، والفرحة الأبدية التي تأتي من الاتحاد مع الحقيقة العليا.
قراءة القصيدة من هذا المنظور تفتح المجال لفهم أعمق للتجربة الروحية والتواصل مع البُعد الإلهي، وتجعل من الحب تجربة صوفية ترتبط بالاتحاد والخلود.