مقالات

هل يمكن إنقاذ “الرئاسي اليمني”؟


الفوضى والخفة التي يدار بهما المجلس وهيئاته لا تنمان عن شعور جدي بحرج الوضع

مصطفى النعمان
ليس سراً أن مجلس القيادة الرئاسي في اليمن أظهر فشلاً ذريعاً في القيام بالمهمات التي تم تكليفه بها في السابع من أبريل (نيسان) 2022 وليس مرد ذلك قصور في قدرات أعضائه وإنما لعجزهم حتى هذه اللحظة عن وضع إطار محدد لطريقة عمل “المجلس” وتحديد اختصاصاته وطبيعة وضعه الشاذ والمربك لعمل مؤسسات الدولة (مجازاً) الأخرى كمجالس النواب والشورى والوزراء وغيرها، ومن الملاحظ أن تأثير عمله في الأوضاع على الأرض لم يتجاوز نشر صور أعضائه وأخبارهم على صفحات التواصل الاجتماعي التي يتم تمويلها من المال العام وكذلك في وكالة الأنباء الرسمية.

لقد أدت الخفة والفوضى اللتان يدار بهما المجلس والهيئات التي تم الإعلان عنها إلى تزايد الشعور الشعبي بعدم جدية الذين أنيطت بهم المسؤولية وعدم إدراكهم هشاشة وحرج الوضع، وهكذا لن يكون مستغرباً أن يؤدي الأمر إلى فشل فاضح في التعامل مع المرحلة والعجز عن تنفيذ المهمة المكلفين بها، وهي التوصل إلى تفاهمات بين القوى المسلحة المتنافسة تحت مظلة (الشرعية) كي تتوجه كفريق واحد إلى المشاورات المنتظرة بين أطراف الصراع اليمني، وعوضاً عن ذلك انشغلت هذه التكوينات بترتيب أوضاعها المالية والوظيفية قبل أن تكون لها لوائح منظمة وضابطة لعملها.

يتغافل الجميع في ظل الانشغال بترتيب الأوضاع الخاصة عن ترميم الشروخ التي ظهرت مبكراً في المجلس الرئاسي بسبب عدم القدرة على حسم القضايا العاجلة التي كان المواطنون ينتظرون منه معالجتها وعوضاً عن مواجهة الأزمات الخانقة فقد جرى نقلها إلى المسؤولين في الرياض وترك الأعضاء مقر العاصمة الموقتة ولم يتمكنوا من عقد اجتماعات حضورية فيها منذ مايو (أيار) 2022.

من المؤكد اليوم أن عملية الاستقطاب التي جرت داخل المجلس الرئاسي بانضمام العضوين فرج البحسني وعبدالرحمن أبو زرعة إلى المجلس الانتقالي الجنوبي ستزيد من التباطؤ في اتخاذ القرارات، مما سينعكس على عدم القدرة على توحيد الرؤية السياسية إزاء الخطوات اللازمة لتنفيذ المرحلة الأولى من خريطة الطريق التي تسعى السعودية والولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة إلى إقناع الأطراف اليمنية بالتوافق عليها.

وفي هذا السياق ارتبك الموقف إزاء القضية الجنوبية وكيفية التعامل معها، فبينما يطالب المجلس الانتقالي بأن يتم تحديد الموقف منها قبل الحديث عن الذهاب إلى المشاروات المرتقبة مع جماعة “أنصار الله” الحوثية، تشدد قوى سياسية عدة على وجوب ترك هذا الأمر إلى مرحلة لاحقة.

لقد مر 14 شهراً منذ الإعلان عن تشكيل المجلس الرئاسي والهيئات الأخرى (اللجنة العسكرية وهيئة التشاور والمصالحة واللجنة الاقتصادية واللجنة القانونية) وجرى إطلاق الوعود لمعالجة الأزمات الخانقة التي يعيش المواطنون وحدهم تحت ضغوطها اليومية ولم يتحقق أي منها، مما يقلص من هامش المجلس في القدرة على حشد القوى الممثلة داخله في صياغة رؤية سياسية موحدة ويزيد من هشاشته.

إن الإخفاق الواضح والفاضح في إدارة المجلس الرئاسي يعرضه لمزيد من التشققات التي صارت واضحة للعيان ولم يعد ممكناً تجاهلها، كما أنه عجز عن إيجاد موقف موحد لوقفها واتخذ موقف الصمت إزاءها، ولعل أخطر انعكاساتها ما يدور في محافظة حضرموت التي لم يبذل جهداً جماعياً صريحاً لدراستها، ولم يجرؤ على إبداء موقف جاد حيالها، مما دفع بعض قياداتها إلى التوجه للرياض قبل أسابيع قليلة وعرض موقفهم على المسؤولين السعوديين لأن “المجلس” لم يتمكن من بحثها ووقف متفرجاً أمام تداعياتها التي ستكون لها تأثيرات سياسية في مجمل الموقف تجاه وقف الحرب.

من الواضح أن أسلوب ترحيل القضايا الشائكة من دون اتخاذ قرارات حاسمة لوقف تداعياتها سيشكل عقبة تتزايد نتوءاتها وسيكون من غير الممكن تجاوزها من دون المواجهة الصريحة داخل “الرئاسي” والابتعاد عن وهم أن عدم الحديث عن الخلافات صراحة يمثل حلاً لأن تفاصيلها معروفة للجميع، وسيكون من الخطورة بمكان استمرار العجز في وقف التدهور بالخدمات الأساسية كافة وعدم التحكم في نسبة التضخم الذي أنهك المواطنين وكذلك انهيار سعر العملة، وهذه عوامل تشكل مجتمعة ضغطاً لا يمكن التحكم في عواقب انفجاره.

وهكذا فإن عدم القدرة على توحيد المواقف السياسية داخل المجلس في أدنى حدودها سينعكس سلباً وبصورة لا يجدي معها الاختباء وراء الستار لتجاوزها، ويزيد من صعوبة الموقف وخطورته في حين أن جماعة “أنصار الله” الحوثية لا تبدي استعجالاً للتوصل إلى اتفاق لا يلبي شروطها وعلى رأسها دفع المرتبات من مداخيل تصدير النفط والغاز ومطالبتها بتعويضات لإعادة التعمير، كما أنها تستغل الهدنة المستمرة لتعزيز قوتها الميدانية والتحشيد.

في المقابل فإن دور أعضاء المجلس الرئاسي كافة صار محصوراً بالدعوة المستمرة لدول الإقليم والعالم إلى دعمه ومناشدتهم التي لا تتوقف، للتنديد بالأعمال التي يمارسها الحوثيون في مناطق سيطرتهم، وهو أمر صار مثيراً للشفقة والسخرية لأنهم لا يقومون بما يكفي من الجهود لتثبيت سلطات الدولة في المناطق التي لا تسيطر عليها الجماعة الحوثية.

إن الواقع ينبئ بأن استمرار ميوعة المجلس الرئاسي وعجزه عن الوفاء بالتزاماته الأخلاقية سينزعان عنه عند المواطنين مشروعية التمثيل الوطني لأن الأمر ليس مجرد أخبار وصور وسفريات وتصريحات، بل جهود حثيثة ووجود مستمر بين الناس وعدم التهرب من المواجهة والصراحة والصدق وقبل وبعد كل ذلك صحوة ضمير عجز أعضاؤه عن إظهارها.

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى