القضية على صفيح ساخن
إبراهيم أمين مؤمن/مصر
دبدب صوتُ صراخ أذني وليام، انطلق منبعثا مِن قناة إخباريّة، ليست أذنيه التي سمعت الصراخ؛ وإنّما نفسه التي تتألم عندما يتأذى الآخرون.
هبَّ مفزوعًا محدقا في الشاشة، فرأى بركانا منفجرا، إنه الوحش الذي أفاق بعد سبات طال آلاف السنوات.
حممه تطارد الناس هنا وهناك وسط صراخ وخوف ودموع وارتجاف أجساد وشهقات النزع الأخير، أدركهم في سيارتهم، وفي منازلهم، في مضاجعهم حتى من اختبأ في الدهاليز لم ينجُ من مطاردته وحرقه أو سحقه.
تمكن خلال بضع دقائق فقط من إسقاط عشرات الأبراج التي تهاوت تباعا تباعا طوعا أو كرها، وخسف ببعضها فباتت تسكن في أمعائه.
قطع الطريق على قطار كان ممتلئا عن آخره بالركاب فلفحه من جانبه وابتلعه ثم تجشأ به، وتكرع بدماء ضحاياه، يُميت بلا رحمة.
قال وليام في ألم وحسرة بالغين: رحماك يا رب، رحمة بعبادك.
وقال أيضا في تدبر: امتزجتْ الأصوات، صراخ الجاني والمجني عليه، والظالم والمظلوم، والكاره والمكروه، والسجين والسجّان، حتى الرضيع، أراد أن يلتهم من ثدي أمه فالتهمه البركان.
ولحظ عشرات الطائرات تهبط لتحاصر الحمم التي تسير بسرعة بالغة، تلقي بمواد كيميائية محاولة تهدئتها، بيد أن كثافة الحمم البركانية تفوق قدرتها.
ولقد سولت إحدى الطائرات نفسها واقتربت من فوهة البركان الذي لا يزال ينفجر فلفحها بقذائف وشهب من نار فأسقطها في فوهته ثم قذف بها لترتد بفعل الجاذبية بعد أن زال تأثير القوة الدافعة وتتحول إلى كتلة من لظى يتطاير هنا وهناك.
وعلى الأرض انطلقت مواسير ناسا ذات القطر الواسع تدفع بملايين الأمتار المكعبة من الماء نحوه تحاول تهدئته بيد أن كثافة الحمم وضخامتها كانت أكبر بكثير من مائها، فابتلعها في جوفه، ولا يزال المزيد من الحمم تنطلق من مركز البركان لتعجز ماء مواسير ناسا عن إطفائه.
ظل وليام يتوجع، ويضرب رأسه في الجدار بسبب آلاف الأرواح التي تُُنتزع سدى وهو عاجز لا يقدر على فعل أي شيء لإنقاذهم.
ولفت نظره تسليط الضوء على طفلين وسط البركان ولم يتمكن من حرقهما رغم قربهما من مركز البركان.
فأمعن النظر فيما حولهما، فتبين له أن البركان انفجر من كافة الجهات الأربعة حولهما وترك تلك المساحة الواقفين عليها.
فوقر في قلبه شيئا قال على إثره: يبدو أن شرور العالم كله تلتف حول الطفلين.
فحدق فيهما، فلفت نظره التباين الواضح بين هيئتيهما، فالطفل سمين ذو وجه ممتلئ وهيئة حسنة بينما الطفلة هزيلة وملابسها ممزقة ونحيفة شاحبة اللون.
وسمع الإعلامي يعلق على هذا المشهد: «جاءتنا أنباء بأن الطفل هو إسرائيلي الجنسية، بينما الطفلة فلسطينية، ويقول البيت الأبيض إنه سوف يبذل قصارى جهده لإنقاذ الطفلين مهما كان الثمن.»
ومما قال الإعلامي: «من معجزة السماء أن كل ما حول الطفلين مات، وانتهت قضيتهم، إلا هذان الطفلان، فقد انشطرت الأرض نصفين حولهما بعد انفجار البركان الذي قذف حتى الآن 1948 قذيفة حولهما حتى الآن، ولا تزال ألسنة اللهب تتأجج من حولهما، والطفلان يصرخان بأقصى ما بوسعهما ويطلبان الغوث وسط أطواد من جبال الحمم البركانية، ولم يفصل الأمر في قضيتهما حتى الآن، يموتان، يحييان، لا أحد يدري.»
ثم شرع الإعلامي يشرح في المساحة بدقة: «الأرضٍ قريبةٍ في شكلها مِن شكل المثلث متساوي الساقين المرسوم على الأرض، ويبدو مِن خلال المعاينة ومراعاة الأبعاد أنّ المثلث ضلعه يتراوح ما بين 15-17 من الأمتار بينما قاعدته أكبر فطولها ما بين 25-27 متر.»
وقال أيضا بعد بضع دقائق: «جاءتْ إشارة من البيت الأبيض أنّ منطقة الطفلين خطرة، ولا يملك فريق الإنقاذ التحليق فوقها الآن وليس لديه أدوات لمدِّ جسر لإنقاذهما، لكنّه سيحاول حالما تخف حدة الانفجارات البركانية، فضلا عن أن كلّ طائرات الإغاثة منشغلة بإنقاذ عشرات الآلاف مِن الضحايا.»
فور أن سمع وليام ذلك كوّرَ كفىّ يديْه بحيث أصبح ظهراهما للسماء، ثُمّ أدارهما خفْضًا ورفْعًا ربع دائرة وهو ينظر إلى الدراجة البخارية الموجودة أمام سريره مباشرة.
قال وليام غاضبا حينئذ: ألا لعنة الله على البيت الأبيض.
ثم استدرك: لابد لي بما ليس منه بد، فلم يضع البيت الأبيض لي حلا آخر، الآن هو دورك أنت يا وليام، فلتحفظ ماء وجه دولتك. انتفض وليام، ثمّ قفز على دراجته البخارية وأنزل لثاما على وجهه حتى لا يعرفه أحد، وانطلق بها مخترقًا باب منزله الذي طار في الهواء، وظلَّ منطلقًا بأقصى سرعة متجاوزًا الزحام بالتحكم في حركتها بطريقة أسطورية.
وأثناء ذلك ألقت وسائل الإعلام باللوم على الدولة التي لا تستطيع إنقاذ طفلين رغم قوتها وتقدم تكنولوجياتها التي ارتكزت في قلوب وعقول العالم، ومن تداعيات اللوم أن أعلن البيت الأبيض بأنه يعدّ فريق إنقاذ لإنقاذ الطفل والطفلة.
***
انطلق وليام متّجهًا إلى مكان الطفليْن، فلمّا دنا مِن المكان أدّى صلاته ودعا الربَّ بالنجاة والتوفيق ثُمّ دعا لأمريكا بالخلاص.
وانطلق بأقصى سرعة، ولحسن الحظ أنّ الجدارَ المنفصل الواقف عليه الطفلان منخفضٌ عن الأرض؛ فطارتْ الدراجةُ مرتفعة في الهواء لمسافة ما بين 15-17 مترًا وظلَّتْ في الهواء متجاوزة ألسنة الحِمم التي كادتْ أن تنال منه بعد أن طالته بعض من الجمرات اخترقت واحدة منها حذائه وأحرقت باطن قدمه، والبقية علقت ببنطاله فبدأت بإشعاله شيئا فشيئا، والدراجة آخذة في الهبوط متّجهة إلى قاعدة المثلث الكبرى.
كانت الدراجة مسرعةً، وأيّ فرملة مفاجأة سوف تقلبه هو والدراجة في الجحيم، ففرمل على مراحل، المرحلة الأولى خفيفة وكذلك الثانية والثالثة، أما الأخيرة فكانت على بعد أربعة أمتار مِن حافّةِ قاعدة المثلث قبل أنْ يفعلَها، ثُمّ أسند بقدمه على الأرض وآمال الدراجة قليلاً فمالتْ وسارتْ تجاه أحد ضلعيِّ المثلث. وظلّت الدراجة تدور حول نفسها عدة مرات حتّى استقرتْ.
وليام يعلم أنّ الدرّاجة لن تستطيعَ العودة مطلقًا لوجودها في مهبط، وبالطبع فلن تصعدَ الدرّاجة ضد الجاذبيّة، وحتى لو كان هذا جائزًا فالمسافة قليلة لكي يطير بها مجددًا.
لذلك حدث نفسه: يموت ثلاثتنا معا أو نحيا معا، أنا الآن بينهما ولم أدر ماذا أفعل، لكن لابد أن أكون بينهما، فلا أريد أن يلحق بنا العار، لذلك أموت بينهما أفضل.
نظر إلى الطفلين وسألهما غيظًا وحنقًا عن سبب سيرهما بدون دليل، ثمّ أطرق متسائلا في همس: وماذا كان سيفعل الدليل في هذا المأزق؟ فالموقف ربما فُرض عليهما.
رغم بُعد ألسنة النار عليهم نسبيا إلا أن الجو خانق، وحرارة الجو من حولهما قد تتجاوز 70 درجة مئوية رغم أن الجو شتاء، والموت محقق إن لم يخرجوا في غضون بضع دقائق.
فنظرت الطفلة إلى بنطلونه الذي بدأ يحترق، فقالت له الطفلة وهي تتصبب عرقا وتكاد لا تكف عن السعال بسبب نقص الأكسجين: «عمو،أنتَ تحترق.»
ثمّ نظر الطفل الإسرائيليّ إليه أيضًا وقال غير مكترث إلا لحاله فحسب: «سيدي، أنتَ تحترق.»
فانتبه، فأحس أخيرا باحتراق باطن قدمه، لكنه لم يبال، وإنما نفض عن بنطاله يحاول إخماد النار التي شبت أسفله، وقد نجح في ذلك.
والعجيب أنه أثناء ما كان ينفض فيه كان ينظر إلى الطفلين لا بنطاله ويكرر نفس السؤال السابق.
شعرت الطفلة بأنه منح فرصة لها ليبلغ صوتها له، فأجابته وهي تسعل اختناقا وتتصبب عرقا: «إنّنا كنّا مجموعة مِن الأطفال العرب، فأقبلَ عليّ هذا الولد وقال لي بأنه إسرائيلي ويريد المال الذي معي والفستان الذي ارتديه، ثم بدأ ينظر إلى قدمي محدقا فيهما وهو يقول: لدي أخ مبتور الساقين، فلمّا قال ذلك رمقه بعض الأطفالُ العرب الذين كانوا بجوارنا آنذاك وقالوا له بأن كلامه لا يصح أبدا.»
سكتت لحظة حيث لم تستطع الكلام؛ انهارت في البكاء أكثر فزاد سعالها، تمالكت نفسها واستطردت وكأنها طُعنت في ظهرها: «كانوا يكلمونه ولكني لاحظت أنهم يومئون بأعينهم، أعينهم خائنة سيدي، عندها أقبل إلي وضربني ضربا مبرحا، وأخرج مشرطا يريد بتر ساقي، في هذه اللحظة انفجر البركان ولكن بعد أن رحل الأطفال العرب عنا.»
وصرخت: «انشقتْ الأرض لأنّه ظلمني.»
ثمّ تمالكتْ نفسها ومسحت دموعها وتثبّتتْ ثمّ رددت: «وهكذا سيدي الشجاع، تنشقُّ الأرض عندما تُسلب من أصحابها.»
فعلق الطفل اليهودي على قولها وهو يلوي شفتيه رغم اختناقه: «نعم سيدي، هي على حقٍ في قولها “تنشقُّ الأرض عندما تُسلب من أصحابها.”نعم سيدي، انشقتْ الأرض لأنّ أرضنا سُلبت منا.»
وسعل سعلا شديدا وهو يضع كلتا يديه على رقبته: «سيدي، هل جئت لتسمعنا؟ أم لتنقذنا؟ أم تموت معنا؟»
فلمْ يعبأ وليام بقضية الطفلين ولا بجنسيهما، كل ما شغله إنقاذ روحين بريئين من لفح جهنم التي شبت على أرض كاليفورنيا، موطنه.
وحدق في أطواد النار التي تقذف بحممها إلى أعلى يخشى أن ترمي بحجر على الطفلين فيرديهما، وينظر إلى الطفلين اللذين زاد سعالهما اختناقا، حتى تهاويا على الأرض يتقلبان ألما.
صرخ باكيا: لا.
وجسده يرتجف ولاسيما وجهه الذي لا يستقر كالسعفة التي تهتز في يوم عاصف.
وظل يردد بقوله: لا.
لم يكن من شيء حاضر في ذهنه ينقذ به الطفلين، فجثا خاشعا يصلي ويدعو الرب أن يلهمه وسيلة ينجي من خلالها الطفلين ولو كان جسده وقاء لهما.
ألقى نظره إلى الدراجة في فجأة وكأنها تناديه، فتبادر إلى ذهنه خطة النجاة، قال لنفسه همسا: لم أفشل قط في حياتي، هكذا صارعت الحياة فخشعت لي.
أقبل على الحقيبة الكبيرة التي خلف مقعد الدراجة، واستخرجَ كيس النايلون الذي فيها -إنّه كيسٌ رقيقٌ خفيفٌ لا ينفذ منه الهواء مطلقًا ولا يحترق إلّا تحت درجة انصهار عالية، ومطلىٌّ في فوهته بمادة لا تحترق، كان يحتفظ به في دراجته للقيام ببعض المناورات الطائرة، أما فوهته فعبارة عن طوق مِن الحديد ذات قطر صغير 90 سم ومطليّة بمادة ضد الحرائق- وتذكّر عندما اشتراه أنّ البائع قال له: «هذه المادة ضدّ الحريق يا فتى.»
ولمْ يفكر وقتها في السبب لكنّه علمه الآن وقال لنفسه وقتها: يبدو يا وليام أنّ هذا البالون كان يستخدم كمنطاد في نقل راكبين أو ثلاثة.
المنطاد، هو النجاة، أنى لي بكيفية صنعه.
شعر وليام بالأمل عندئذ، بدرت لديه فكرة المنطاد فحسب، لكن خطوات تنفيذها لم تتبلور في ذهنه بعد ولاسيما أن أدوات عمله غير متوفرة لديه الآن.
ثم همس فجأة بعد صمت لحظات: من يحمل هذا الكيس؟ الكانز، نعم الكانز.
أخرج مِن الحقيبة علبَ كانز فارغة، علب كان يخزنها بعد ارتشافها ليبيعها لأحد الباعة من أجل أن يستعين بها على قضاء بعض حوائج المعاش.
ولحسن حظه أنّها كانتْ كثيرة، استخرجها وطرحها أرضًا ثمّ ثقبها كلّها من أعلى وقال همسًا: لا بأس بها فإنّها تفي بالغرض.
وقال متلهفا: سدادة، أريد السدادات.
فتوجه بسرعة نحو الدراجة مجددا ومزق مقعدها الإسفنجي، وهو يهمس: والآن حصلت على السدادات.
بعد ذلك استخرجَ مِن أسطوانة الدراجة الغازية الغاز الذي تعمل به بعد أن ثقبها ثمّ أفرغها كلّها في علب الكانز عن طريق أنبوب، كان يحمله معه على الدراجة، إذ كان يعتبره ضمن حوائج الطوارئ.
ثم قام بسداد علب الكانز كلِّها بسدادات الإسفنج الذي حصل عليه منذ لحظات، وربطها كلّها معًا بإحكام في أربع مجموعات، ثم ما لبث أن ربط المجموعات في قاعدة خشبيّة قذف بها البركان ولم تطلها النار.
بعد أنْ انتهى وليام لمْ يجد عناءً مطلقًا في المرحلة التالية، كان عليه الآن أن يحضر مضخّة الهواء اللاسلكيّة (قوتها 12 فولت) كان يضخُّ بها الهواء لإطاريّ دراجته.
قال: أرجو أن ينجح الأمر.
بينما هو على ذلك إذ شاهد طائرة الإنقاذ التي أرسلها البيت الأبيض تحلق على بعد عشرات الأمتار من فوقهم، لحظات وأنزلت الطائرة ثلاثة رجال من فرق الإنقاذ الذين يعملون في إنقاذ المصابين من الحرائق وتحت الأنقاض كذلك، ومعهم
أبازيم لحمله والطفلين، وبمجرد اقترابهم من المكان وقد شعر الطفلان بالأمان سحبت الطائرة الرجال الثلاثة حفاظا على حياتهم وتركوا وليام والطفلين لمصائرهم المحتم، الموت المحقق.
وارتفعت الطائرة وأخذت تراقب من هذا العلو تنتظر لعل النار تهدأ قليلا فينزلون رجالهم لإنقاذ الثلاثة.
سب وليام: عليكم اللعنة جميعا، لكن لا بأس، قد تنجح خطتي.
أما الطفلان فصرخا متسائلين: لماذا؟ وأخذا يرددان التساؤل بحسرة وألم وهما يستسلمان للموت.
أسرع نحو الطفلين اللذين استسلما تماما للموت ليطمئنهما فيتماسكان حتى يقاوماه (الموت)، فقال: لا تخافا فقد انتهى الأمر، تماسكا فحسب، تماسكا.
تماسكي أيتها الفلسطينية، تماسك أيها الإسرائيلي.
وأخذ بأياديهم وهما يسعلان بشدة، وباتت أجسامهم جميعا وكأنها تنضج على صفيح ساخن من شدة الحرّ الذي كاد يتحول إلى 100 درجة مئوية بعد أن زادت الحمم المقذوفة.
طرح البالون وأمرَ الطفلين بإمساكه جيدًا كي لا يطير فامتثلا، ثمّ ربطه جيدًا في صخرة كبيرة كانتْ على سطح الجدار المعزول حتى لا يطير، كما ربط َالطرف الآخر كذلك. قام بضخّ الهواء البارد داخل البالون حتّى امتلأ، ثمّ قام بسدّه حتى لا يتسرب الهواء البارد.
وسرعان ما أحضر مجموعات الكانز الأربعة، وقام بنزع سداداتها واحدة تلو الأخرى وبسرعة، وكلّما نزع واحدةً منها أشعلَ النّار فيها فكانتْ تشتعل كموقد البوتاجاز، فاطمأنّ أنّها تعمل بامتياز. أشعلَ النارَ بوساطة أحد الأعواد الخشبيّة التي كانت ملقاة على الأرض مِن خلال أحد ألسنة اللهب المتأججة، ولقد لحظ تسرّب بعض الهواء مِن البالون، فأعاد ضخَّ الهواء مِن جديد حتى امتلأ، نادى على الطفلين، وأعدّ حبلاً متينًا كان يستخدمه في تسلْق الأشياء المرتفعة، أحضره مِن الحقيبة أيضًا، ربطَ نفسه في جهة وربط الطفلين في الجهة الأخرى من البالون حتى يتّزن البالون ولا يتأرجح، لكن الطفلان أثقل قليلاً، فاضطر لحمل حجر في يده كان ساخنا قليلا -وزنه 11 كيلو جرام – في الإطار الحديديّ الدائريّ المثبّت في أول البالون القريب مِن أرض الجدار مدَّ يده إلى الداخل وأمالها أفقياً، ثمّ ربطَ المجموعات الأربع فيه.
بدأ الهواء البارد يسخن تدريجيّاً بفعل مواقد الكانز، ثُمّ بدأ البالون يرتفع محلقًا عاليًا، وعندما اطمأنَّ وليام أنّ المنطاد ارتفع عن ألسنة اللهب ولا خطورة منه بدأ يوجّه البالون حتى ساقته الرياح للحركة الأفقيّة؛ فتغيّر مِن الوضعيّة الرأسيّة إلى
الوضعيّة الأفقيّة، ثم مدَّ يدُه وقام بنزْع مجموعةً من المجموعات الأربع، فبدأ المنطادُ يهبط مائلاً.
ولمّا غادر المكان أفقياً أيضًا نزعَ المجموعة الثانية؛ فخفَّ اللهب كثيرًا ممّا تسبّبَ في هبوط البالون تدريجيّاً، لكنّه ما زال يحلّق؛ فنزع الثالثة ثُمّ الرابعة فاصطدموا جميعًا بالأرض دون أذى. انشقّتْ الأرضُ المثلثيّة بعدها مباشرة وابتلعتْ الأرضُ الدراجةَ.
نظر خلفه ليجد دراجته التي يعشقها تنفجر، حمد الربَّ على نجاة الطفليْن، ثُمّ ترك المشهد كلّه هروبًا كي لا يعرفه أحد.
انسحبت الطائرة بعد أن رأت بنفسها فتى ملثما فعل وحده ما لم تستطع دولة كاملة إنقاذ طفلين، وأنقذهما فتى بمنطاد بدائي صنعه من خلال قطعة قماش وعلب كانز البيبسي