مقالات

أهداف مبادرة الحزام والطريق الصينية تتغير


من غير الواضح ما إذا كان التاريخ سيكتب قصة مبادرة الحزام والطريق الصينية بحروف من ذهب، فبعد إنفاق أكثر من تريليون دولار لبناء شبكة من مشاريع البنية التحتية عبر بلدان الأسواق الناشئة، وهي المشاريع المصممة لربط أجزاء كبيرة من الاقتصاد العالمي ببكين، بدأت العيوب ونقاط الضعف في الظهور على السطح. وها هو التمويل آخذ في النضوب، وها هي المشاريع القائمة تنهار، والبلدان التي تلقت الأموال تغرق في الديون. وهذا يقود بعض الدول إلى التمرد علنا ضد النفوذ الصيني الذي يحاول التغلغل.

وبالنظر إلى التوقعات الاقتصادية العالمية غير المبشّرة، فقد حان الوقت لطرح بعض الأسئلة الصعبة حول مستقبل مبادرة الحزام والطريق، وكيف يمكن للصين أن تركز جهود سياستها الخارجية في المستقبل القريب لتغطية التحديات المنتشرة في هذه المبادرة؟

كانت مبادرة الحزام والطريق منذ البداية وسيلة لتوسيع النفوذ الصيني عبر الأسواق الناشئة من آسيا إلى أميركا الجنوبية، وفي منتصف عام 2010، عندما اكتسبت المبادرة زخما حقيقيا، كان السرد الاقتصادي الجماعي عبارة عن أمل غير منطقي للأسواق الناشئة، فمن المنتدى الاقتصادي العالمي إلى صفحات الصحافة المالية، تم الاحتفال بالأسواق الناشئة باعتبارها المعجزة الاقتصادية الكبرى التالية، وأعطت زيادة الاتصال من خلال الهواتف الذكية وخطوط الطيران الأمل في ظهور طبقة متوسطة جديدة من كينيا إلى كازاخستان، وبدعم من التوسع الحضري السريع ومعدلات المواليد السريعة، فإن هذه الطبقة المتوسطة من شأنها دفع الاقتصاد العالمي إلى آفاق جديدة.


وباعتبارها القوة العظمى العالمية الأقرب إلى تلك التجمعات السكانية، تحركت الصين بسرعة لإقحام نفسها في ذلك التحدي الاقتصادي المتغيّر، وكانت بكين حريصة على ربط تلك المراكز الجديدة من النشاطات الاقتصادية بالاقتصاد الصيني من خلال نشر برامج البنية التحتية والقروض الرخيصة والشراكات التكنولوجية. ويمكن القول إن تيك توك، وهو تطبيق الوسائط الاجتماعية الصيني الذي اجتاح العالم، قد مهد الطريق لذلك التوسع. وكانت مبادرة الحزام والطريق “مشروع القرن”، على حد تعبير الرئيس الصيني شي جين بينغ، وهي المبادرة التي من شأنها تشكيل النظام العالمي مع تمركز الصين في المنتصف.

وكان كل ذلك ممكنا في عصر من الأموال المتوفرة التي حفزتها أسعار الفائدة المنخفضة والنمو الاقتصادي الصيني الهائل، لكن الصورة تبدلت الآن وصارت أكثر قتامة، حيث يكافح الاقتصاد الصيني لاستعادة معدلات نموه المذهلة في مواجهة الانكماش الاقتصادي العالمي والقيود المستمرة من جائحة كورونا، ومما يزيد الأمور تعقيدا غضب العديد من الدول بشأن جودة مشاريع مبادرة الحزام والطريق.

ونشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” مؤخرا تقريرا عن العديد من مشاريع المبادرة من الإكوادور إلى زامبيا، التي شهدت عيوبا كبيرة في البناء، ويعد مشروع محطة كوكا كودو سنكلير الكهرومائي في الإكوادور والذي تبلغ تكلفته 2.7 مليار دولار مثالا رئيسيا على ذلك. حيث ظهرت الآلاف من العيوب في المصنع الذي بنته الصين، مما قد يؤدي إلى إيقاف المشروع برمته، وباعتبارها واحدة من أكبر مصادر الطاقة في الإكوادور، فإن إصلاح المحطة يمكن أن يدفع البلاد إلى المزيد من الديون.

ويُعزز انهيار مشاريع مبادرة الحزام والطريق التهم بأن الصين تورطت في سياسة إقراض غير رحيمة (تعرف باسم دبلوماسية فخ الديون) حيث ساهمت في أزمات الديون في أماكن مثل سريلانكا. وقال منتقدون آخرون إن الأعطال تؤكد أن الصين تحركت بسرعة كبيرة في بناء مشاريع غالبا ما كانت غير متطابقة مع البنية التحتية للبلد أو أضرت بالبيئة بشكل كبير.


وأجرت الحكومة الصينية بصمت بعض التغييرات على هيكل مبادرة الحزام والطريق في العام الماضي، وفي إطار المناقشات الداخلية، وافق صُناع السياسة الصينية على تقييم المشاريع الجديدة بشكل أكثر صرامة والسماح بإعادة التفاوض على الديون، وهو ما كان خطا أحمر في السابق. ومن المرجح أن تستمر التغييرات إذا دخل الاقتصاد العالمي في ركود طويل الأمد وفشلت المشاريع، ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن الاقتصاديين سيباستيان هورن وكارمن راينهارت وكريستوف تريبيش قولهم إن الدول التي تعاني من ضائقة مالية تمتلك ما يقرب من 60 في المئة من قروض الصين الخارجية، هذا بالمقارنة مع 5 في المئة فقط في عام 2010.

ومع استمرار مبادرة الحزام والطريق في التعثر، يقوم كبار قادة الصين بإعادة صياغة أهداف سياستهم الخارجية والتركيز على الشرق الأوسط، وأحد أهداف السياسة الخارجية للصين على المدى الطويل هو تقويض تجارة النفط التي يهيمن عليها الدولار الأميركي بحيث يتم شراء النفط وبيعه بعملات أخرى. ولتحقيق ذلك الهدف، استثمرت الشركات الصينية بسخاء في البلدان المنتجة للنفط، حتى أن الصين قدمت عرضا للحصول على حصة كبيرة في شركة أرامكو السعودية، وسافر الرئيس الصيني مؤخرا إلى منطقة الخليج وعقد أول قمة صينية – عربية في السعودية، والذي تعهدت فيها بتعميق التعاون الاقتصادي في مختلف القطاعات، وكان التركيز الحقيقي على النفط وتوفير المزيد من الضمانات للواردات الصينية من خام الشرق الأوسط.

إن مبادرة الحزام والطريق أكبر من أن تختفي بين عشية وضحاها، لكن سيتعيّن عليها تغيير مساراتها وعلى جناح السرعة، ومع هدوء المصفقين والمشجعين لاقتصادات الأسواق الناشئة، ستعيد الصين بهدوء صياغة أهدافها الخارجية بعيدا عن المشاريع الرديئة البناء في البلدان المثقلة بالديون إلى المناطق التي تعد بعائد حقيقي. ويعدّ تقويض تجارة النفط التي يهيمن عليها الدولار الأميركي أحد تلك الأهداف، وعليه، نتوقع زيارات القادة الصينيين إلى الشرق الأوسط بصورة متكررة في السنوات المقبلة.



جوزيف دانا
كبير المحررين في نشرية “إكسبوننشال فيو” التكنولوجية

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى